مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 مكفوفات المغرب: شقة ووظيفة يا رب
...............................................................

 بقلم سميرة آيت امحند
.........................

 

مكفوفات المغرب يطالبن بحقهن في العمل أمام البرلمان

 

لم ترحمهن عصا "القوات المساعدة"، التي تبطش في كل اتجاه دون أن تميز بين المكفوف والمبصر، وبين الرجل والمرأة، ورغم أن الكثيرين يشككون في قدراتهن، بمن فيهم أفراد أسرهن والمجتمع ككل، إلا أنهن أثبتن أنهن قويات بالإرادة، وأن الله إن حرمهن نعمة البصر، فقد منحهن نعما أخرى كثيرة يعترفن بفضلها في مسار الحياة.

إنهن المكفوفات المعطلات اللواتي ينتمين إلى المجموعة الوطنية للمكفوفين المعطلين في المغرب، واللواتي يناضلن جنبا إلى جنب مع الرجال المكفوفين والأصحاء على السواء بالقرب من قبة البرلمان؛ من أجل المطالبة بحقهن في العمل الكريم.

مع هؤلاء المكفوفات المعطلات تواصلت "إسلام أون لاين.نت" لتتعرف أكثر على ظروفهن، وتعايش المصاعب التي يتعرضن لها في حياتهن اليومية.

أم رغم المعاناة

لم تمنع ظروف البطالة، ولا ظروف فقد البصر "صباح العبادي" (30عاما) من حلم الأمومة، فرغم إصابتها بالعمى منذ الصغر بفعل عامل الوراثة هي وأختين لها، إلا أنها تزوجت من زميل لها مكفوف هو الآخر، وأنجبا طفلة هي الآن في الثانية من عمرها.

درست صباح في المدرسة المولوية لرعاية المكفوفين بمدينة فاس منذ أن كان عمرها سبع سنوات، وواصلت تعليمها حتى تخرجت في الجامعة شعبة الشريعة الإسلامية عام 2005، وبعد انتهاء فترة التحصيل قدمت إلى الرباط مع زوجها؛ من أجل المطالبة بحقهما في العمل والعيش الكريم.

من النظرة الأولى لصباح لا يمكن أن يداخلك شك أنها فاقدة للبصر؛ فعيناها تبدوان طبيعيتين جدا، كما أنها تحركهما نحو الشخص الذي تخاطبه بكل انتباه، إضافة إلى ذلك فهي شديدة العناية ببيتها الصغير، مما يضفي عليه جمالا خاصا، ويوحي للداخل أنه مرتب بيد سحرية.

ليس هذا فقط؛ فقد اعتادت الأم وزوجها على تعليم بعض المفاهيم للصغيرة، وحرصا على منحها الوقت الكافي في التنزه واللعب معهما، دون أن يشعراها بأي شيء من معاناتهما الداخلية، لا مع العمى، ولا مع البطالة، حتى لا يؤثر ذلك على نموها النفسي.

تقول صباح وعبارات الألم تختنق في حلقها: "الحمد لله أن ابنتي لا تعاني من مشكلة فقد البصر، وسأفعل المستحيل أنا ووالدها كي نوفر لها حياة سعيدة".

صعوبات الدراسة

صعوبات التمدرس بالنسبة للمكفوف تكمن في عدم القدرة على الاعتماد على النفس؛ فالحاجة للآخرين تبقى قائمة على الدوام، فمرة يجد من يساعده في إملاء الدروس إلى أن يتمكن من نقلها بطريقة برايل.. ومرات لا يجد، وتطرح المشكلة بحدة في فترة الامتحانات التي يكون كل الطلبة فيها منشغلين، ويظل المكفوف يبحث عمن يحرر له إجابات الأسئلة على ورقة الامتحان.

تقول صباح: "ما لم يعرفه المسئولون أننا لم نحصل على تلك الشهادات بسهولة؛ لأن المكفوف منذ دخوله المدرسة يجد صعوبة في تعلم طريقة برايل، خاصة أنها بطيئة جدا، ولا تساير مستوى التعليم في المرحلة الجامعية؛ إذ يصبح الاعتماد أكثر على النفس، وليس من السهولة أن تعيش في عالم ضيق مع المكفوفين، وفي نفس الوقت مطلوب منك أن تندمج مع المبصرين من زملاء الجامعة، خصوصا وشكلي لا يوحي بأني فاقدة للبصر، وهذا ما لم يتقبله زملائي.

بعدما انتقلت صباح للعيش مع زوجها المكفوف في الرباط، صادفا صعوبة كبيرة في إيجاد السكن؛ لأن الناس يرفضون أن يكروهم بدعوى أنهم مكفوفون، وقد يسقطون على الأدراج، ورغم أن الأسرة الصغيرة تكتري اليوم منزلا متواضعا، إلا أنها لا تسلم من تحرشات الناس، وآخر تحرش آلمها حين تعرضت ملابسهم للسرقة من على سطح المنزل؛ ما اعتبروه ظلما واضحا لهم ولكل المكفوفين.

وطنية المكفوفين

نفس المشكلة يعيشها أوراغ رفقة زوجته خديجة الزريعي؛ إذ بدورهما لم يجدا بيتا يؤويهما إلا بصعوبة بالغة؛ بسبب تذرع المكرين بالخشية عليهما من خطورة أدراج المنزل، وعند أول فرصة سافرا فيها إلى إقليم صفرو لزيارة عائلتيهما سرق منزلهما بالكامل، وكما قالت خديجة: حتى صور الزفاف سرقت، ووجدنا البيت فارغا تماما.

وجدت خديجة (37عاما) نفسها بعد سنتين من تخرجها من الجامعة مع فئة المكفوفين بعد أن أصيبت بالعمى الكلي؛ لأن داء الزرق الذي كانت تعاني منه لم يمهلها وقتا أطول، ورغم حرصها على استعمال النظارات، واتباع كل نصائح الطبيب، إلا أنها وجدت نفسها بين عشية وضحاها فاقدة للبصر.

تغيرت حياتها بالكامل؛ فبعد أن كانت معتمدة على نفسها في كل شيء، أصبحت عاجزة عن التحرك حتى في منزلها، وبعد فترة استطاعت أن تألف حياتها الجديدة، فرضخت للأمر الواقع بعض الشيء، وانضمت إلى المجموعة الوطنية للمكفوفين المعطلين.

ولكن دائما ما ينبلج النور من قلب الظلام؛ فوسط هذا الكم من اليأس حظيت "خديجة" بالدعم والرعاية من زملائها المكفوفين، فهي تمثل لهم حالة خاصة، وفي نفس السنة تعرفت إلى "أوراغ" الذي عرض عليها الزواج، ورأت أنه الحل الأنسب لها؛ لأنها كانت في أشد الحاجة لمن يحمل العبء عنها، ورغم أن الإمكانات المادية غير مساعدة، إلا أنهما تزوجا سنة 2006.

وخلال مسيرتهما النضالية أمام البرلمان للمطالبة بحقهما في العمل، أصيبت "خديجة" في إحدى تدخلات قوات الأمن بإجهاض توأمين في بداية الشهر السادس من حملها، تقول عن تلك الواقعة: "نتعرض لشتى أنواع القمع والعنف من طرف قوات الأمن التي لا تفرق في عصاها بين ذوي الاحتياجات الخاصة وبين الأشخاص العاديين، فمنا أشخاص رقدوا في المستشفيات، ومنا من أصيب إصابات بالغة، لا نشعر بالأمان، ولا بأي رحمة من طرف المسئولين".

لا تحب خديجة أن تذكر تجربة إجهاضها، وتعتبر أنها ارتكبت خطأ كبيرا بالاعتصام أمام البرلمان خلال فترة حملها، واليوم تعيش شهرها الثامن من الحمل الثاني، ومنذ أن ظهرت عليها بوادر الحمل قررت العودة إلى والدتها في "البهاليل" بإقليم صفرو، تاركة زوجها في الرباط يعيش مع مجموعة من زملائه في النضال، معتبرة أن الأمومة شيء ثمين جدا يجب الحرص عليه، ما دامت عصا قوات الأمن لا تعرف معناها.

أما "زليخة رشدي" (32 عاما) من إقليم الناظور فلها قصة أخرى؛ فقد حصلت على الشهادة الإعدادية بالمدرسة المولوية للمكفوفين، بعدها سافرت إلى مدينة فاس من أجل إكمال الدراسة، غير أنها لم تستطع الحصول على الشهادة الثانوية، فتوجهت إلى التكوين المهني في مدينة القنيطرة، وبعد أن حصلت على الشهادة التحقت بالنضال سنة 2000.

ومنذ تلك الفترة بدأت رحلة أخرى من المعاناة؛ إذ مرت رفقة زملائها بمجموعة من المراحل الصعبة، أهمها خوض إضراب جماعي عن الطعام سنة 2000 لمدة 45 يوما، وقرار إحراق الذات، لكن بدون أي التفاتة صادقة من الحكومة، ولم يحصدوا سوى بعض الوعود الكاذبة؛ إذ لم ينلها من رفقة مجموعة من زملائها المكفوفين المعطلين سوى المعاناة الصحية والنفسية، حتى إنها أصيبت أكثر من مرة بشلل نصفي، وبعد أن كانت تخرج بصندوق التسول على طول شارع محمد الخامس بالرباط بدأت تشعر بالحرج، فقررت التعفف، رغم أن القليل الذي تمدها به عائلتها لا يكفيها لسد الرمق، لكنها -كما قالت- ما تزال تعيش على أمل أنها ستنعم يوما ما بالعيش الكريم.

القضاء على الحواجز

ينصح الدكتور "حسن قرنفل" -أستاذ علم الاجتماع بجامعة أبي شعيب الدكالي- المجتمع العربي بالتحلي بالكثير من المرونة في إشراك المكفوفين في الحياة المجتمعية، وذلك عن طريق تأسيس هيئة حكومية تتكون من مكفوفين وأطباء وباحثين اجتماعيين، يكون هدفها البحث عن السبل الناجعة لإدماج المكفوفين في المجتمع، وليس فقط إعطاؤهم منحًا أو مساعدات مالية، ولكن العمل على إيجاد أعمال مناسبة لكفاءاتهم؛ كي يتم القضاء بشكل نهائي على الحواجز الموجودة بين هذه الفئة من الناس، وبين باقي أفراد المجتمع.

كما أن الدستور المغربي، حسب "قرنفل"، ينص على التضامن، لذا فمن الأولى التضامن مع ذوي الاحتياجات الخاصة من أجل إنقاذهم من الضياع.

ويختم أستاذ الاجتماع حديثه إلى "إسلام أون لاين.نت" موجها دعوته إلى معالجة مشكلة المعطلين المكفوفين بالكثير من السخاء، على اعتبار أنهم رغم إعاقتهم استطاعوا أن يعبروا عن قدرات كبيرة ورغبة في النجاح، وبذلوا مجهودات كبرى في الحصول على أعلى الشهادات؛ لذلك فمن الواجب على المجتمع أن يقدم لهم يد العون، وذلك بمؤازرتهم في إيجاد عمل محترم يمكنهم من ضمان لقمة العيش، ومن المساهمة في السير بالمجتمع قدما، ويجنبهم حياة التشرد والتسول التي يعيشونها الآن في ظل تجاهل المسئولين لطلباتهم.


مراسلة إسلام أون لاين من المغرب
 

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية