مصريون في دائرة النسيان
...............................................................
بقلم باهر السليمي
....................
| |
موائد الرحمن هي الحسنة الوحيد التي أراها في هذه البلد | |
لماذا تفارق الابتسامة شفاه الكثيرين من الناس في شهر رمضان الكريم؟ ولماذا نجد وجوه كثيرة يكسوها الحزن والحسرة، وماذا عن حياتهم في هذا الشهر الكريم؟
نحاول أن نكشف إلى حد بعيد عن هموم الغلابة ونظرات الحزن التي تطل من وجههم... فللأسف الشديد هناك مئات بل آلاف يعيشون حياة أقل ما توصف بأنها حياة تعيسة.. لكن... وكما قال من التقيناهم .. هذا قدرنا.. فماذا نفعل؟!
أم مديحة ـ بائعة خضراوات ـ في العقد الخامس من عمرها تقول: لدى ثلاث بنات وطفلين وأنا على باب الله وزوجي متوفى منذ خمس سنوات وقبل وفاته اضطررت إلى أن أخرج للعمل حتى أساعده على ظروف المعيشة وعلاجه إلى أن توفى بعد أن صرف كل ما يملكه على مرضه.
وللأسف لم أجد من يرعاني ويرعى أبنائي فلم يكن لزوجي أهل فقد كان ـ على رأي المثل ـ "مقطوع من شجرة" ونحمد ربنا على كل حال.
وفي شهر رمضان.. أولاد الحلال كثيرون فهم يساعدونني بقدر استطاعتهم.. لكن الشيء الذي يحزنني حقًا أنني لا أستطيع طعام الإفطار مع أبنائي فأنا أظل في الشارع حتى آذان المغرب وعادة ما أتناول إفطاري مع ابنتي "مريم" ـ 12 سنة ـ التي تساعدني في البيع..
والمشكلة التي تواجهني الآن في الشهر الكريم والتي لم أجد لها حلا منذ وفاة زوجي هي طلبات أبنائي الصغار من حلوى وكسوة العيد.. فالطلبات لا تنتهي.. لكن ماذا أفعل..؟ وربنا يدبرها من عنده. والمشكلة الأكبر والتي لا أعرف لها حل أن ابنتي الكبرى (مديحة) أشرفت على الزواج (على "وش جواز") ولا أعرف كيف أجهزها.. وليس لي من يساعدني.
هنا غربة
أما حامد إبراهيم.. عامل تراحيل فيقول: من الصعب أن أروي لك الظروف التي أمر بها طوال العام، وحياتي خلال شهر رمضان.. فأنا حكايتي تكفي أن تصبح أسطورة ولست مبالغًا إذا قلت ذلك.. فأنا الأخ الأصغر بين أشقائي التسعة والمفترض أن أكون آخر العنقود.. كما يقولون.. وأن أكون سعيدًا.. إلا أن ما حدث معي طيلة حياتي لم يكن سعيدًا بأي حال من الأحوال.. فوالدي الذي تعدى عمره السبعون منذ طفولتي وهو يعاملني معاملة سيئة.. لماذا.. لا أعرف حتى الآن سببا لتلك المعاملة؟ ووالدتي ـ رحمها الله ـ كانت بالنسبة لي كل شيء في هذه الدنيا لكن توفاها الله ـ وعمري كان وقتها 13 عامًا.. نتيجة مرض خبيث.. ولم استطع تحمل فراقها وتحمل المعاملة السيئة من جانب والدي.. فقررت ترك منزلنا بمحافظة أسيوط والهروب وجئت إلى هنا ـ القاهرة ـ هربًا من العذاب.. ولكن من عذاب لعذاب يا قلبي لا تحزن..
وشهر رمضان مثله مثل غيره من شهور السنة بالنسبة لي.. فأنا في كل الأحوال تائه.. ضائع.. فهنا غربة.. فالجميع يعتبرك كحيوان ضال أو ضار.. وإذا تذكروك كإنسان وبشر فيتذكرونك بالفتات.
لم أجئ هنا للتسول.. جئت باحثًا عن الرزق الحلال.. فأنا في الأساس ابن ناس ولي عائلتي.. لكن أهل القاهرة يعتبرون ـ للأسف ـ كل من هو غريب أنه متسول أو ليس من طائفة البشر.. لكني أحاول دائمًا التغلب على هذا الإحساس بالتقرب إلى الله والمداومة على الصلاة وذكره سبحانه وتعالى دائمًا حتى يقف جانبي.
ماسحي الأحذية
للأسف الشديد شهر رمضان يجعلني أشعر أنني يتيم ووحيد في هذه الدنيا" هذا ما قاله فرج أبو النور ـ ماسح أحذية ـ ويستأنف قائلاً خاصة وقت الإفطار فأنا أرى الناس وهم يحاولون الإسراع للذهاب لمنازلهم للإفطار مع أهلهم وذويهم.. وأظل في الشارع ملقي هكذا على الأرض منتظرًا مدفع الإفطار حتى أتناول ما رزقني الله به من طعام.. وأن كان بعض زملاء الكار ـ ماسحي الأحذية ـ ينصحونني دائمًا بالذهاب إلى موائد الرحمن ..
وإن كنت لا أنكر أن شهر رمضان شهر كريم فالزبائن يزداد عددهم علاوة على ارتفاع المقابل المادي الذي أحصل عليه زيادة عن بقية الشهور.. فإذا كنت أشعر بأنني يتيم فإن الله يعوضني عن ذلك الشعور ماديًا.
الحسنة الوحيدة
عطية شحاته ـ عامل بالبلدية ـ يقول :السنة عندي كلها شهر رمضان أقصد أنني طوال السنة صائم.. فالأمر عادي جدًا إن كان شهر رمضان أو لم يكن.. فأنا طوال اليوم أكنس في الشوارع وكأنها كتب على ذلك.. وتأتي على أوقات كثيرة يخيل إلى أنني مولود وفي يدي مكنسة "مقشة" لكن الجميل حقًا في شهر رمضان "اللمة" على موائد الرحمن فأنت تشعر أنك وسط عائلتك مع أنه ليس لي عائلة ـ فكلنا هنا من طبقة واحدة ومستوى واحد.
وإن كنت أظن أن موائد الرحمن هي الحسنة الوحيد التي أراها في هذه البلد.. وربنا يجعله عامر.
رمضان يحميني
سعدية ـ بائعة خبر ـ تقول:في شهر رمضان الناس تصبح غير الناس فأنا كما ترى فتاة صغيرة ويقولون عني أنني جميلة جدًا فعمري لم يتعدى العشرون عامًا.. فيأتي شهر رمضان فيحميني من نظرات وشرور هؤلاء وهؤلاء.. لكن ما العمل.. فوالدتي سيدة (مقعدة) لا تستطيع الحركة وشقيقتي الكبرى متزوجة ولديها زوجها وأولادها وهمومها وتأتي لزيارتنا بين الحين والآخر وليس لنا أقارب يسألون عنا لا في شهر رمضان أو غير شهور السنة.
وبدأت عملي ببيع الخبز عندما وجدت الدنيا قد ضاقت علي وعلى أمي بعد وفاة والدي الذي كان يعمل في أحد المخابز البلدية... فطلبت من صاحب المخبز مساعدتي فساعدني.
والعائد من عملي يكون معظمه لعلاج والدتي والإنفاق على المعيشة وإذا تبقى شيء أدخره للمستقبل الذي لا أعلم شكله أو ملامحه.. فأنا في انتظار ابن الحلال الذي يحمل عني هذا الحمل الثقيل ، ووقت الإفطار أحاول أن انتهي مما بيدي بسرعة حتى أذهب وأتناول طعام الإفطار مع والدتي فمنزلنا قريب من هنا.
وللأسف الشديد الناس في هذا الزمن لا ترحم ولا تترك رحمة ربنا تنزل.. وإن كان هناك أناس طيبون ولكنهم قلة قليلة ـ فهم يعاملوننا على أننا لسنا من البشر وأننا أقل منهم.. لكنهم لا يعرفون أن كل شيء بيد الله وهذا هو قدرنا نحمد الله عليه.
صحفي مصري
06/11/2014