| | | | كيف يحول الاعلام الازمة الى فرصة ...............................................................
كتاب جديد يحلل أصول إدارة السياسات الإعلامية ويشخص الإعلام كوسيلة لإخضاع الجمهور لسلطة الأقلية الحاكمة
بقلم: محمد الحمامصي
يلقي كتاب "إدارة السياسات الإعلامية: صناعة الوهم.. صناعة الحقيقة"، للكاتب والمؤرخ د.خالد عزب الضوء على خلاصة تجربة المؤلف والتي بدأت منذ سبتمبر 2001م في مكتبة الإسكندرية، حيث يعمل مديرا لإدارة الإعلام بمكتبة الإسكندرية والقائم بأعمال مركز الخطوط، ويصف نتائج الاحتكاك الدائم مع مؤسسات دولية لديها سياسات إعلامية إستراتيجية. سبق هذه التجربة رصد من عزب لتجربة عدد من المسئولين عن إدارات الإعلام أو العلاقات العامة في عدد من المؤسسات العربية والمصرية والدولية. ويذكر أن تجربة البيت الأبيض في إدارة السياسات الإعلامية تعد الأكثر ثراءً على مستوى العالم لكونه على مدار سنوات واجه أزمات وقضايا وتشابكات محلية وإقليمية ودولية، فضلا عن مسئولية العاملين في المكتب الإعلامي بالبيت الأبيض ليس عن صورة رئيس الدولة، بل عن الصورة الإعلامية للدولة العظمى في العالم.
يوضح الكتاب "ماهية السياسات الإعلامية" أذ هي فن من فنون الدبلوماسية شديدة التعقيد والتركيب، تجمع بين توازنات داخل المؤسسة قد تتطلب في وقت ما كبح جماح التوجه نحو الإعلام بسرعة غير مطلوبة من بعض إدارات المؤسسة، وفي وقت آخر حث وإقناع بعض الإدارات على التوجه نحو الإعلام وتلبية متطلباته، كما أن هذه الدبلوماسية قد تمارس داخل الدولة وخارجها، إذ من المطلوب تكثيف المادة الإعلامية التي قد يجري بثها للوسائط الإعلامية المختلفة، أو التقليل من حجم هذه المادة. لكن متى يتم هذا ومتى يتم ذاك؟ لا شك أن ذلك يتطلب قراءة جيدة يومية من شخص ما للحياة السياسية والثقافية والأحداث الجارية، حتى يتم يتسنى لهذا الشخص اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
ثم يلي هذا نوع المادة التي ستقدم للجمهور من خلال العديد من الوسائط الإعلامية التي أصبحت من الكثرة بحيث قد تربك الشخص المسئول، لكن هنا يبقى الفيصل هل حدد هدفه؟ هل حدد نوعية المادة؟ هل حدد وسيلة الاتصال المناسبة؟ هل يستخدم كل الوسائط أم بعضها؟ المهارة التامة تكمن في استخدام كل الوسائط لكن الاكتفاء بوسيط دون الآخر قد يضعف أداء الإدارة، فالاتصال المباشر وهو أقدم الوسائط التي عرفها الإنسان مازال أكثر الوسائط فاعلية وأكثرها صعوبة، لأن فيه إما أن يفقد المتصل به إلى الأبد، أو يكسبه إلى الأبد؟!
هنا يبرز الإقناع ولغة الحديث ولغة الخطاب كوسيلة من وسائل الإعلام، في عصر السماوات المفتوحة والإنترنت. فقد يبدو مستغربا أن العديد من المؤسسات بل حتى الحكومات تلجأ إلى الاتصال المباشر بالجماهير، لأن العلاقة المباشرة تحمل حميمية التواصل الإنساني، حتى الولايات المتحدة واليابان تلجأن إلى مثل هذا النوع من الدعاية. فالولايات المتحدة لديها برنامج الزائر، حيث تستضيف من خلاله أحد الأشخاص المرشحين في بلد ما للصعود السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي لزيارة الولايات المتحدة لمدة شهر، ليبهر ببلد العام سام، تم من خلال هذا البرنامج استضافة شخصيات تبوأت مناصب عليا فيما بعد في بلادها سواء من أوروبا أو إفريقيا أو آسيا أو أمريكا اللاتينية.
هناك دائما في أعلى السلم شخص يتحمل المسئولية عن إدارة السياسات الإعلامية، وهو "المسئول الإعلامي". وهنا يشير المؤلف إلى الصفات الأساسية التي يجب أن يتمتع بها ومنها: الهدوء الشديد، القدرة على التركيز في عدد من القضايا في نفس الوقت، استيعاب متطلبات العمل اليومية، خاصة إذا كانت مؤسسة ذات حيوية فائقة، كرئاسة الدولة أو وزارة الداخلية أو شركة كبيرة متعددة الأنشطة. والقدرة على التجرد الذاتي من الكراهية والحب تجاه من يتعامل معهم سواء داخل المؤسسة أو خارجها.
وفي "مكونات الإدارة الإعلامية" يشير عزب إلى أن الإدارة الإعلامية تمثل واجهة المؤسسة أو الشخصية العامة أو الدولة أو الشركة، لذا فهذه الإدارة يجب أن تتحدث بلغة واحدة بحيث يبدو أن هناك تناسقا شديدا بين أداء إفرادها، ويؤكد على دور اثنين من عناصر هذه الإدارة هما مدير الإدارة، والمتحدث الإعلامي.
إن أول شئ يجب مراعاته في أي إدارة إعلامية هي التجانس بين العاملين فيها لأن الخلافات بينهم - وكذلك الصراع - سوف تؤدي إلى نقل أخبار المؤسسة خارجها، خاصة السلبيات، ولعل هذا سبب إضافي في ضرورة محدودية عدد العاملين بها، فضلاً عن أن سلم الصعود الوظيفي غالباً ما يكون محدوداً.
وعن "الصورة الإعلامية" يبرز عزب أهمية الخطابة وصناعة الصورة، فالإعلام أحد الوسائل التي ابتكرتها البشرية لإخضاع الجمهور لسلطة الأقلية، وهذه الأقلية إما أن تكون حاكمة بصورة ديكتاتورية أو ملكية أو ديمقراطية، الإعلام أداة استخدمها القدماء إما بإثارة الرهبة أو من خلال بسط قناعة بأن هذه الأقلية تحقق الصالح العام، لذا صار من المهم دراسة طبيعة الصورة الإعلامية التي ستقدم للجمهور كأداة لإقناعه والسيطرة عليه. وفي ظل الوصول للسلطة بالانتخابات نجد الحكومات تدخل الحقل الإعلامي بكل ثقله، وتتعلم لغة الخطاب المقبولة من الجمهور، بل وتستخدم الإعلان كأداة لإقناعه.
صناعة الصورة الإعلامية للدولة منذ مولد الطفل في المدرسة حتى تخرجه سواء عبر المدرسة أو الأسرة أو التلفزيون أو الصحف أو القصص أمر هام، حتى أن الصورة هنا إنما هي آلية ثقافية؛ فالتكرار و الإلحاح من خلالها هو محاولة لغرس إما قيم سلبية أو إيجابية، لذا إذا كانت الصورة الإعلامية المراد تقديمها سطحية سيكون المجتمع بالتبعية مجتمع سطحي، أما إذا كانت ذات عمق متعددة الأبعاد سنستطيع من خلالها إقامة مجتمع قوي متماسك.
من هنا نستطيع أن نفهم تراجع مستوى الأدب والفكر والثقافة والغناء وسطحية كثير من الأشياء، لأن الصورة المقدمة والصور المولدة منها، إما مُعولمة في إطار الرأسمالية الاستهلاكية أو لأننا قبلنا كل شيء كما هو.
وتطرق عزب لـ "أدوات تكوين الصورة الإعلامية" في صناعة الصورة الذهنية لأي مؤسسة أو وزارة أو شركة أو حتى فرد، تتم وفق قواعد وأسس صناعة أصبح لها اليوم خبراء ومكاتب علاقات عامة وإعلام متمرسين على أداء هذا الدور، الإبداع يلعب دور هام في هذه الصناعة، مثلاً محاكاة الأسماء التجارية الكبرى من قبل المقلدين لها، نلاحظ من خلالها أن المحاكاة أصبحت فناً أتاح بعد فترة للمقلدين أن يكون لهم أسماء في السوق في حال نجاح منتجهم في إثبات وجودة، لذا صار تسجيل العلامات التجارية أمر هام في عصرنا، بل صارت هذه العلامات تدخل ضمن تقييم أصول أي شركة، لكن انظر لكيفية اختيار بعض الشركات أسماء مختصرة تعبر عنها مستمدة من اللغة العربية، لكي يكون ترديدها سهلاً ميسوراً. هذا الاختيار الذكي للأسماء سهل الترويج لهذه الشركات خاصة إذا علمنا أن نطقها بأي لغة أخرى سيكون سهلاً لكونها كلمة واحدة. من هنا نستطيع أن نتفهم ضرورة الإلمام بمهارات الاتصال لتكوين الصورة الذهنية سواء للمجتمع أو للأفراد، حتى باتت الحكومات في حاجة ماسة اليوم لكي تعمل كثيراً على بناء هذه الصورة، وإلا بات وجودها في الشارع الذي تعمل معه مهدداً.لقد أصبح التكلم رسالة والمتكلم مرسلاً والمستمع مستقبلاً.
تقتضي سُنة الحياة وتحولات المجتمع الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية تطوير أدوات الاتصال البشري، بما يتلاءم ومستجدات المراحل والمنعطفات التي تمر بها المجتمعات، لذا فإن من أخطر ما يجابه أي مؤسسة ثبات سياستها الاتصالية حيث يمل الجمهور من الثبات، فلابد من تنوع هذه السياسة وتجديدها مع إمكانية ثبات قيم ومبادئ المؤسسة أو الحزب أو الدولة، لذا فالصورة التي تقدم بها لابد أن تحدد وتدرس جيداً، خاصة مع النقلة العالمية السريعة في مجال الاتصالات، فكادت نظرية البقاء للأصلح تغيب لتحل محلها نظرية البقاء للأسرع، فالتقدم التكنولوجي الهائل في ميدان الاتصال، والانفجار المعرفي الواسع في تقنية المعلومات، وتشابك العلاقات الاقتصادية، تحديات عصرية جعلت الكل، ولاسيما في دول العالم الثالث، مستفز ومحرج أمام مواكبة متطلبات العصر، فمجاراة تكنولوجيا الاتصالات وأساليبها الحديثة بدا عند الشعوب نوعاً من الدفاع عن النفس وعن الكيان وعن الحياة.
ويجيب عزب عن تساؤل:كيف تبنى الصورة الإعلامية؟ وهذا السؤال يُعد من أصعب الأسئلة التي يمكن أن يواجهها القائمون على بناء الصور الإعلامية، لذا يوضح المؤلف أن هناك عدد من الخطوات المحددة يبنى كل منها فوق الأخرى في نهاية الأمر الصورة الذهنية التي تشكل الرأي العام، وبالتالي تؤثر في المساحة التي تتواجد فيها المؤسسة أو الشركة أو الشخصية العامة.
ويتطرق هذا الفصل إلى مسألة شائكة وهي إدارة الأزمات، ويذكر المؤلف أن المهارة الأساسية لدى القائم على إدارة السياسات الإعلامية هو أن يستخدم المفهوم الصيني لكلمة الأزمة، وهو من رمزين الأول بمعنى خطر Danger والثاني بمعنى فرصة Opportunity، هذا المفهوم يقوم على جعل الأزمة فرصة؛ يتمثل الخطر في الحادث السلبي الذي يهدد سمعة المنظمة، وقد تتمثل الفرصة في أن هذا الحادث يحظي بالنشر الواسع النطاق عبر كل وسائل الإعلام وبالتالي يتردد اسم المنظمة على جميع الألسنة ويعد هذا إعلاناً مجانياً، ورغم أن المقولة القديمة تؤكد أنه "لا يوجد ما هو أسوأ من النشر السلبي" إلا أن هناك فرصة سانحة للاستفادة من الأزمة بصورة إيجابية كفرصة للترويج للمؤسسة وأنشطتها أو منتجاتها، تتوقف هذه الفرصة على طبيعة الرسالة الإقناعية التي يتم توجيهها للجمهور وقت الأزمة، خاصة أن معظم الناس يتأثرون بالأزمة عند ذروة النشر عنها، هذا يعني أن الأزمة نادراً ما تسبب الدمار، لكن هذا يتوقف على طريقة المعالجة الإعلامية التي قد ترتفع بسمعة المؤسسة أو تهبط بها Reputation Up Or Down
***
الكتاب: إدارة السياسات الإعلامية: صناعة الوهم.. صناعة الحقيقة
المؤلف: د.خالد عزب
الناشر: دار المحروسة للنشر والتوزيع - مصر
مصرنا ©
| | ..................................................................................... | |
| | | | |
|
|