الإمام والقس.. تجربة هامة للتعايش السلمى من قلب أفريقيا
 | |
حسام | |
بقلم : حسام عبد القادر
..........................
قد لا يعرف البعض أن هناك مشاكل اجتماعية لدى بعض الدول الأفريقية تتشابه كثيرا مع مشاكلنا، وإن اختلفت طبيعة المكان والثقافة، ومن هذه المشاكل العلاقات بين المسلمين والمسيحيين، إلا أن أفريقيا ما زالت بعيدة عن أعين الإعلام العربى عامة والمصرى بشكل خاص، وهو ما يجعلنا فى غيبة عما يحدث هناك.
ولن نتخيل أن دولة مثل نيجيريا يصل تعداد سكانها ضعف سكان مصر لديها مشاكل طائفية هائلة لا تشبه –والحمد الله- المشاكل الموجودة فى مصر بين الجانبين، بل تعدت إلى حرب مسلحة وقتلى من الجانبين وتطورت الأمور ووصلت إلى حرب أهلية يحرص فيها كل جانب على التربص بالآخر وقتله، مع الوضع فى الاعتبار طبيعة التركيبة السكانية والقبلية والثقافات واللغات المتعددة داخل نيجيريا.
ولا أعرف لماذا تذكرت فى الأيام الأخيرة لتجربة رائدة تعرفت عليها وقابت أطرافها بالإسكندرية وكانت نموذجا رائعا للتعايش بين الطرفين فى نيجيريا قام بإطلاقها إمام وقس، والإمام هو "محمد أشافا" أما القس فهو "جيمس ويلى" وهى مبادرة شخصية للسلام بين الطرفين، كانت المبادرة فى البداية يشوبها كثير من الحذر والترقب بل وعدم الأمان، خاصة أن كل من الإمام والقس كانا قد انخرطا فى الميلشيات المسلحة كل طرف ضد الآخر، وقاتلا كثيرا ضد بعضهما البعض، بل إن القس فقد أحدى ذراعيه فى إحدى المعارك، كما فقد الإمام معلمه الدينى وبعض أقاربه أيضا.
إلا أن السلام المنشود والأمل فى استقرار الأوضاع ببلادهما هو ما دفعهما إلى التعاون سويا من أجل إنهاء الحرب بين الجانبين، كما قاما بتأسيس مركز للوساطة الدينية الإسلامية المسيحية، هذا المركز أستطاع أن يقوم بدور كبير تجاه وقف الصراع وإنهاءه حتى أصبح الجميع يعيش فى سلام، وهى تجربة تستحق أن تحصل على جائزة نوبل للسلام نظرا لأهميتها فى وأد الصراع والفتنة والقتال داخل شعب واحد.
هذه التجربة تمت فى إقليم كادونا بنيجيريا، وبدأ الإمام والقس يجوبون مناطق كثيرة خارج كادونا من أجل نشر رسالتهما، والدعوة لنبذ العنف ونشر ثقافة السلام، مسترشدين بآيات من القرآن والإنجيل تحث على السلام ونبذ العنف وقبول التنوع.
وكنت تعرفت على كل من الإمام والقس منذ عدة سنوات أثناء لقاء لهما بلجنة منتدى حوار الثقافات التابعة للهيئة القبطية الإنجيلية بالتعاون مع مركز تقارير العرب والغرب، وتم خلالها عرض الفيلم التسجيلى الذى يحمل نفس الاسم وأنتجه وأخرجه المخرج الفلسطينى عماد كرم المحاضر فى لندن بمجال إنتاج الأفلام الوثائقية فى عام 2006، ومدته 39 دقيقة.
وأرى أن التوقيت الذى قدمت فيه التجربة بمصر هام جدا لأنه جاء بعد ثورة 25 يناير ، فقد قدما كل من الإمام والقس نموذجا رائعا للتعايش، والأهم من التعايش هو الحفاظ على التعايش، فالإمام محمد أشافى أو الشافعى، تربى من عائلة دينية صوفية خاض المعارك ضد المسيحيين بنيجيريا أثناء الحرب الأهلية وأصبح قائد ميليشيا مسلحة بالجماعات الإسلامية، والقس جيمس أيضا بالمقابل كان قائدا لميليشيا مسلحة مسيحية. والفريقان كانا يحاولان القضاء على بعضهما البعض، إلا أنهما بتعاونهما استطاعا أن يحميا ولايتهما وأصبحا سفراء للسلام وفازوا بجوائز عديدة للسلام، كما حصل الفيلم أيضا على عدة جوائز دولية، وقد تم إنتاج الفيلم بعدة لغات منها الفرنسية والألمانية والإسبانية والسويدية والإيطالية والروسية.
وفى الفيلم أيضا دروس وعبر كثيرة، ونرى فيه ثمار تجربة الإمام والقس من خلال مهرجان للسلام جاءت إليه حشود ضخمة من كل الطوائف للاحتفال بالمصالحة والاتفاق على العيش معا، وخلال هذا المهرجان تم إعلان وثيقة تتضمن عهدا لسلام دائم.
كما شاهدنا فى الفيلم شجاعة كبيرة من خلال اعتذار كل جانب على لسان قائده لأهالى الضحايا وقبول أهالى الضحايا هذا الاعتذار، لم يكن اعتذارا خطابيا ولا إنشائيا ولا تبريريا، بل اعتذار شجاع وتوبة حقيقية، تنبئ بعزم كبير ونية على بناء مستقبل أفضل لن يشهد ما شهده الماضي من مآس وويلات.
بل إن رجال الدين أنفسهم من الجانبين قدموا الاعتذار للمواطنين لأنهم كانوا سببا فى إذكاء نار الفتنة الطائفية عبر خطبهم التي حرضت على العنف، رغم أن الدين برئ من ذلك وهى شجاعة نادرا ما نجدها، ويعرض الفيلم لمعاهدة كل من القس والإمام أيضا على العمل معا لاستباق المشاكل التي يمكن أن تصل إلى حد إراقة الدماء، وحلها قبل فوات الأوان.
hossam@amwague.com
