"فضية" من سيناء.. تنتصر لحقوق البدويات
...............................................................
| |
فضية.. أشهر امرأة في جنوب سيناء | |
بقلم: حسام عبد القادر
........................
عندما ذهبت لمحافظة جنوب سيناء للتعرف على واقع المرأة البدوية لم أتوقع أن أرى نساء؛ لأن المرأة هناك غير مسموح لها بالخروج من بيتها، سواء لغرض التعليم أو العمل أو أي غرض آخر، فقد ترسخ في ذهني أنها لا تفعل شيئا سوى رعاية زوجها وأبنائها في ظل تقاليد وأعراف هي غاية في القسوة والصعوبة تجاه الفتيات، إلا أنني عرفت أن كل هذه المعلومات تغيرت والواقع لم يعد بهذه الصورة.
كلمة السر.. فضية
فبمجرد أن خطت قدماي جنوب سيناء لحضور ورشة عمل حول "وضع المرأة المصرية بين المواثيق الدولية والواقع –نموذج- محافظة جنوب سيناء"، ولا حديث للناس إلا عن "فضية"، تلك الفتاة البدوية التي استطاعت أن تكمل تعليمها، وأن تكون قدوة ومثلا أعلى لكل فتيات البدو في جنوب سيناء، ولا أبالغ حين أقول وللرجال أيضا.
تخرجت فضية في كلية الحقوق، وأصبحت عضوا في المجلس المحلي، وحملت على كاهلها مساعدة فتيات جيلها من أجل تعليمهن وخروجهن لمجال العمل والحصول على فرص أفضل في المجتمع، ليس هذا فقط، بل تساعد فضية الفتيات في التعرف على حقوقهن.
ولأنها أصبحت مصدر ثقة لأي فتاة بدوية فقد أصبحت "فضية سالم عبيد الله" رئيسا لمجلس إدارة جمعية تنمية مجتمع الطفل والمرأة البدوية، كما أنها تشرف على كثير من ورش العمل والدورات التدريبية التي يتم تنظيمها للمرأة، فيكفي أن تعرف الفتاة البدوية أن هذا المشروع أو ذاك يتم من خلال فضية؛ ليكون مصدر ثقة لها ولأسرتها.
وفى تطور كبير للمرأة البدوية قامت الجمعية بالتعاون مع أكاديمية التنمية الدولية بإقامة سوق عام ودائم في السبت من كل أسبوع، يعرض الخضراوات والفاكهة والأسماك والملابس والمفروشات والأدوات المنزلية والمنتجات البدوية والمواشي وغيرها من المنتجات الأخرى، الأمر الذي يشكل خطوة مهمة للمجتمع البدوي بشكل عام، وللمرأة البدوية بشكل خاص، أن تجد مكانا تعرض فيه منتجاتها ومشغولاتها التي تصنعها بنفسها.
التعليم الجامعي.. حلم الفتاة البدوية
وبمرور الوقت لم تعد فضية النموذج الوحيد، وإن كانت الأشهر، حيث زاد عدد الفتيات البدويات في المدارس، وأصبح لدى كل فتاة طموح أن تكون فضية أخرى، فرغم التقاليد والأعراف التي ما زالت تتحكم في المجتمع البدوي، فإن كثيرا من الآباء أصبح لديهم قناعة بضرورة تعليم الفتاة، وإن توقف عند المرحلة الإعدادية فقط.
وبالرغم من أن التعليم الثانوي ما زال يمثل مشكلة للفتاة البدوية أمام إصرار الأهل على تزويجها في هذه السن، فإن طموح البدويات لم يعد يكفيه هذا المستوى من التعليم، وبالعزيمة والإصرار استطاعت بعضهن أن يكملن المرحلة الثانوية، بل إن فتاتين تمكنتا من الالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وهو الأمر الذي لم يكن يحدث من قبل.
يقول شريف الغمراوي رئيس جمعية "حماية": عندما أعلنت الجمعية عن دورات في الحاسب الآلي كان إقبال الفتيات البدويات على التسجيل في الدورة ملفتا للأنظار، خاصة بعد أن فاق كثيرا إقبال الذكور، وهذا الحماس لتعلم الكمبيوتر سيكون خطوة مهمة لنقل الفتاة البدوية نقلة كبيرة في التعليم، كما يمكنه أن يساهم في إكسابها العديد من المهارات الأخرى.
النساء قادمات
ولم يقتصر الإقبال على التعليم على الفتيات فقط، بل امتد فشمل الأمهات أيضا اللاتي زاد وعيهن بأهمية التعليم للفتاة، وبتن يحفزن بناتهن على إكماله حتى يحظين بمكانة في المجتمع سبق وحرمن منها.
"أم سعيد" بدوية من نويبع تقوم ببيع "الخرز" للسائحين.. خرجت للعمل من أجل زيادة دخل أسرتها بعد وفاة زوجها، وكانت من قبل تعمل في رعاية الغنم، إلا أنها فضلت الخرز؛ لأنه يحقق دخلا أفضل.
تقول إن مشكلة التعليم في البدو ترتبط بالدخل، فحسب "المصاري" (النقود) تكون فرصة التعليم، سواء للبنات أو الأولاد، ولكنها تؤمن بأن التعليم مهم وضروري للفتاة ولكن تحكمه الظروف.
أما "مريم" (وهي تبيع الخرز أيضا) فلديها 4 بنات.. أكبرهن "فضية" على اسم أشهر امرأة في جنوب سيناء، وفضية الصغيرة وصلت إلى الصف الأول الثانوي وتنوي أن تدخل الجامعة رغم معارضة أهلها.
تؤكد الأم أنها شجعت ابنتها على القيام بما لم تستطع هي أن تقوم به، فوالدها زوجها مبكرا؛ لذا فهي تنوي أن تترك ابنتها تتعلم وتتزوج بمن ترغب حتى ولو كان من خارج القبيلة؛ لأن التعليم سوف يفيدها في حياتها ويفتح لها آفاقا واسعة، وتنبه أن مشكلة بُعد المدرسة عن المنزل من أهم أسباب ترك الفتيات للتعليم.
نادية حسن.. تعمل في أكاديمية التنمية الدولية لبناء قدرات وتوظيف شباب البدو، حاصلة على الثانوية الأزهرية، وتواصل تعليمها بكلية الحقوق التي اختارت الدراسة بها؛ لكي تتعرف على حقوقها وحقوق أسرتها في المجتمع.
تؤكد استمتاعها بعملها داخل الأكاديمية، حيث تذهب للفنادق وتتعرف على الوظائف المطلوبة، وتقوم بتجميع هذه المعلومات لتخدم بها شباب المنطقة، وتؤكد تشجيع والدها لها، موضحة أن كثيرا من الفتيات البدويات لديهن نفس رغبتها في مواصلة التعليم والعمل في خدمة المجتمع.
وترفض نادية فكرة الاقتران بزوج يشترط ترك عملها، مؤكدة أنها سترفضه على الفور، موضحة أن عملها يساعد في تحقيق هدفها في توفير فرص العمل لأهل مدينتها، كما أن تعليمها في الحقوق يساعدها على اكتساب خبرات جديدة ومتنوعة؛ لكي ترتقي في مجال العمل.
سعيدة إبراهيم.. نموذج رائع للمرأة البدوية، متزوجة وتعمل لتشارك زوجها أعباء الحياة، تعمل منسقة تدريب في نفس الأكاديمية، وينحصر عملها في تنسيق الأعمال المتوفرة لظروف الشباب، وإقناعهم بتطوير مهاراتهم من أجل زيادة فرص العمل من خلال ما يتراءى لها من الوظائف الموجودة، كما تحاول إقناع الشباب بأن الدخل الثابت أفضل من العمل "الأرزقي" (الموسمي)، على حد قولها، موضحة أن العديد منهم يعتمد على الصيد أو رحلات السفاري مع السائحين، وكلها أعمال قد تدر دخلا جيدا ولكنه غير ثابت.
وتتمنى سعيدة أن يتم إنشاء مصانع للملابس أو الألبان ومشاغل بدوية، لتوفير المزيد من فرص العمل لأهل مدينتها.
توثيق الحقوق
وقد أظهرت ورشة العمل، التي نظمها مركز بحوث المرأة بكلية الإعلام وجمعية حماية بجنوب سيناء بالتعاون مع مؤسسة فريدريش إيبرت، العديد من النتائج المهمة التي تعكس واقع المرأة البدوية؛ حيث أظهرت إنجاز المرأة على مستوى المشاركة الاقتصادية، وإن لم ينعكس على أدائها الاجتماعي والسياسي، كما أظهرت مشكلة ساقطات القيد وعدم توثيق الزواج الذي منع تواجدهن في الحياة السياسية وحصولهن على الميراث بشكل رسمي.
وكشفت الورشة أيضا أن السيدات البدويات أكثر عرضة لأمراض الصدر وسوء التغذية نتيجة الحمل المتكرر، ونبهت إلى ضرورة توجه مؤسسات الدولة ناحية هذه الفئة من خلال بعض البرامج التي تعين المرأة البدوية على مواجهة ظروفها الصعبة، وهو دور كان لزاما على المجلس القومي للمرأة القيام به.
.......................
صحفي مصري وعضو مجلس إدارة اتحاد كتاب الإنترنت
06/11/2014