| | | | تقسيم السودان
| خريطة تقسيم السودان |
إذا كان غزو العراق قد تم التخطيط له منذ الثمانينات في القرن الماضي ، وأثار الأمر سخرية كثيرين رأوا لا معقوليته ، فإن مخطط تقسيم وتجزئة السودان أعد منذ تسعينات القرن الماضي أيضاً ، ومع صدور مثل هذا الأمر القضائي ، فلا بد أن يتريث العرب ، وأن يعيدوا قراءة الموقف بما يتناسب وخطورته.
قبل أربع سنوات نشرت جريدة "الخليج" الإماراتية سلسلة تحقيقات تحت عنوان "متوالية تقسيم السودان" ، أظهرت معها خريطة التقسيم المزمع ، أي تجزئة أكبر قطر عربي وإفريقي مساحة وتنوعاً جغرافياً وعرقياً إلى دويلات ، دارفور (غرب) والجنوب والبجا (شرق) أما الدويلة الرابعة فستكون عربية في الشمال الأقل ثروة وموارد .
ويهدف هذا المخطط لخدمة "إسرائيل" أولاً وأخيراً ، وحرمان العرب من أن يكون السودان الغني بأراضيه الخصبة وموارد المياه "سلة الغذاء العربية"، ومحاصرة واستهداف قلب العروبة مصر ، بالتحكم في مصدر حياتها ، أي مياه النيل ، ودفعها لأن تضطر إلى شراء مياه النيل بعد اجتراح قوانين جديدة بتقنين حصص الدول المتشاطئة القديمة والدويلات الجديدة .
وقد بدأت عجلة التقنين باجتماعات ومناقشات جرى بعضها في سويسرا بدعاوى ومزاعم لم تخف فيها أغراض الغرب ، ولا المقترحات التي وضعها " إسرائيليون " .
وبغض النظر عن السعي الحثيث والممتد لأكثر من عقدين من قبل جهات ومصالح غربية باتجاه السودان ، بدءاً من تكثيف الحملات الاعلامية التي ضخمت ما يحدث بدارفور لدرجة تحويله إلى قضية "تطهير عرقي" ، بعد ان تخطوا عقبة أن السودانيين جميعهم في دارفور مسلمون ، وبالتالي لم يتمكنوا من تحويل القضية إلى قضية اضطهاد ديني كما فعلوا في جنوب السودان الأرض الخصبة للبشر ، أو قيام أشخاص بعينهم تولوا مسئولية الحشد الدولي ضد السودان بمن فيهم المدعو برندير جاست الذي تفرغ لمشروع أطق عليه " كفاية " من أجل ما يزعم أنه لوقف الجرائم ضد الانسانية في دارفور ، وقبلها كانت له يد في مشروع جنوب السودان .
بغض النظر عن التطرق لكثير من التفاصيل التي تحمل أدلة على صحة هذا المخطط طويل المدى لعزل السودان ومحاصرة مصر والانقضاض على القارة الإفريقية بكل مقدراتها وثرواتها ، فإن المفارقات الصارخة التي يجب أن نتوقف عندها هي اعلان رئيس الادعاء بالمحكمة الجنائية اعتزامه طلب اعتقال رئيس دولة عربية للمرة الأولى وتسليمه للمحكمة في لاهاي ، في نفس اليوم الذي أرسل فيه مايكل موكاسي وزير العدل الأمريكي خطاباً إلى رئيس اللجنة القضائية بمجلس النواب النائب جون كونيرز يبلغه فيه بأنه سيكون من غير العدل أو الواقعية تعيين محققين أو فتح تحقيق مع مسئولي ادارة الرئيس جورج بوش الذين وافقوا على استخدام الوسائل العنيفة وهو لفظ مخفف للتعذيب ضد معتقلين في السجون السرية الأمريكية أو في جوانتانامو سيئ السمعة .
والمفارقة الأخرى تتمثل في تشجيع الولايات المتحدة الرافضة أساساً للمحكمة الجنائية الدولية خشية تقديم أمريكيين بسبب جرائمهم ضد الانسانية في العراق وأفغانستان وجوانتانامو ، على ان تخول مجلس الأمن الدولي بدعم المحكمة الجنائية في لاهاي في ما يتعلق بالسودان ودارفور .
هذا في الوقت الذي تخفي فيه واشنطن وثيقة مهمة أصدرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر وسلمتها إلى حكومة بوش والى وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية (سي.اي.ايه) تقر فيها بأن الانتهاكان في سجون واشنطن السرية وفي جوانتانامو هي "جرائم حرب"، وتحديداً تلك الوسائل التي استخدمت مع من تصفهم واشنطن بأنهم من كبار رجال القاعدة مثل أبوزبيدة ومخططي احداث 11 سبتمبر/ايلول 2001 مثل خالد شيخ محمد الذي سمح لمسئولي الصليب الأحمر بالاجتماع بهم مع منع اللجنة الدولية في الوقت نفسه من تفقد السجون السرية .
وفي وثيقة الصليب الأحمر والتي لم تنشر في العلن بعد سوى في كتاب مهم سيصدر الاسبوع المقبل للمحررة جين ماير من مجلة "نيويوركر" تحت اسم "الجانب المظلم" كيف تحولت الحرب مع الارهاب الى حرب على المبادئ الأمريكية ، وعودة لوثيقة الصليب الأحمر سنجد فيها تفاصيل الانتهاكات اللاإنسانية وما وصفته الوثيقة بأنه جرائم حرب ، بما فيها تعريض ابوزبيدة على سبيل المثال للإغراق في المياه عشر مرات في الاسبوع ، وأحياناً ثلاث مرات في اليوم الواحد ، أو ترك خالد شيخ محمد عارياً تماماً لمدة شهد في زنزانة يتم فيها تعريضه لدرجات حرارة باردة للغاية ودرجات حرارة مرتفعة جداً .
إن هذه الوثيقة التي تثمل إدانة تجعل من كبار مسئولي الإدارة الأمريكية عرضة للاتهام بجرائم الحرب والانتهاكات اللاإنسانية ، وهو هنا وضع لا يستثني أحداً بل يطول الرئيس الأمريكي ونائبه ديك تشيني ورجال مجلس أمنه القومي وكذلك مسئولي العدل والاستخبارات وبينهم وزير العدل السابق البرتو جونزاليس ، وذلك باعتبارهم مسئولين عن إصدار الأوامر بالتعذيب ، وهنا فالرئيس الأمريكي لا يمكن استثناؤه باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، وكذلك رجاله الذين أقروا بقانونية استخدام وسائل التعذيب .
هذا الوضع ينطبق أيضاً على ما حدث بالعراق بدءاً من أبو غريب ومروراً بممارسات المرتزقة وشركاتهم والمعروفين باسم (المتعاقدون) ضد نساء وأطفال ورجال العراق .
وإذا كان الموقف من الرئيس السوداني عمر البشير مقدرا من قبل حسب المخطط المكتوب سلفا ، بعيداً عن نظرية المؤامرة ، وكانت المسألة مجرد مسألة وقت لتحريك المجتمع الدولي والقانون الدولي نحو خطوة كهذه ، فإن قيام البشير مؤخراً بالقسم ثلاث مرات بألا يتم تسليم أي سوداني للمحاكمة الدولية ، بل قيامه بتحدي طلب سابق من المحكمة بتسليم شخصين ، وذلك بتعيين أحدهما وهو أحمد هارون للإشراف على قوات حفظ السلام ومجهودات الاغاثة الدولية في دارفور ، كان الظرف الأمثل الذي توفر لمحركي هذا المخطط للدفع نحو تفعيله .
وبالطبع ، فإن الموقف الامريكي ومعه موقف معظم الدول الاعضاء في مجلس الأمن الدولي والذين اجتمعوا مؤخراً لمناقشة "وضع دارفور" سيكون باتجاه السماح للمحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق فيما يطلق عليه "جرائم الحرب في دارفور".
وبالطبع ، فإن الأمر سيسير بالتوازي وحملات إعلانية ضخمة تتحدث عن جهود بوش ومحاولاته المستميتة مع البشير والنظام السوداني لحثهما على السماح لقوات حفظ السلام للقيام بدورها في دارفور .
على أية حال ، فإن التطورات وصلت الى حد يلزم الدول العربية وجامعتها ، ومصر تحديداً على التحرك وبأسرع وقت ممكن لانقاذ ما يمكن انقاذه ، لأنه كما يظهر فإن وتيرة الالتفاف حول السودان وتمزيقه ونزع الهوية الاسلامية والعربية عن معظمه تبدو وقد تسارعت .
06/11/2014
مصرنا ©
| | | |
| | | | |
|
|