مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 غولدستون.. وجه العدالة
...............................................................

 

لم يمنعه عرقه الأبيض من الانتصار للسود في جنوب أفريقيا ولا يهوديته من إدانة إسرائيل.. وحاكم مجرمي يوغوسلافيا ورواندا

 

رام الله: كفاح زبون

ربما لم يحرج يهودي، خلال نصف قرن، الدولة الإسرائيلية كما فعل القاضي ريتشارد غولدستون، بعدما اتهم إسرائيل، عقب تحقيقات أجراها في قطاع غزة على رأس فريق دولي، بأنها ارتكبت في حربها الأخيرة ضد القطاع، والتي استمرت من 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008 إلى 18 يناير (كانون الثاني) 2009، جرائم حرب، قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، وهي حرب قتل فيها ما يقارب ألفا وأربعمائة فلسطيني معظمهم مدنيون.

ولأول مرة يفيق الإسرائيليون مذعورين من تقرير دولي، ويتوعدون ويهددون، بينما تجد قيادة السلطة نفسها في مواجهة شعبها، بعدما تورطت، وطلبت تأجيل النظر في التقرير في مجلس حقوق الإنسان.

أما حماس التي اتهمها التقرير كذلك بارتكاب جرائم ترقى إلى جرائم حرب، فإنها بعدما رفضته بشدة، أخذت تنظم مظاهرات مساندة له بهدف إحراج السلطة التي طلبت التأجيل، وصار التقرير دليلا بالنسبة لها على أن قيادة السلطة «غير شرعية».

وفجأة أصبح اسم غولدستون على كل لسان، بسبب تقريره الذي ملأ الدنيا وشغل الناس والإعلام والدول والفصائل والمؤسسات، وأخرج مظاهرات في عواصم عربية وغريبة. فمن هو القاضي ريتشارد غولدستون؟، الذي قال إن مهمته للتحقيق في جرائم حرب في قطاع غزة ارتكبتها إسرائيل وحركة حماس، هي أصعب مهمة قام بها خلال حياته المهنية الطويلة.
ريتشارد غولدستون، هو قاض ورجل قانون أبيض، من جنوب أفريقيا، وهو ذو أصل يهودي، من مواليد 26 أكتوبر (تشرين الأول) 1938. متزوج، وله بنتان وخمسة أحفاد، وهو من خريجي جامعة ويتووترسراند في جوهانسبرغ عام 1962، وتخرج منها حاملا بكالوريوس الحقوق مع مرتبة الشرف.

مارس مهنة المحاماة في بلاده، وعين عام 1976 مستشارا في المحكمة العليا، في فترة الفصل العنصري (الأبارتهايد) وقد قاد تحقيقا في قضايا العنف السياسي التي كانت وراء نظام الفصل العنصري، وبسبب مهنيته العالية، عينه نيلسون مانديلا قاضيا بالمحكمة الدستورية لجنوب أفريقيا من 1994 حتى 2003، وهي الفترة التي تمت خلالها كتابة الدستور الجديد، وقد أنيطت به مهمة تفسير الدستور الجديد لجنوب أفريقيا، ومن ثم قاد لجنة تهدف لتحقيق الانتقال السلمي للسلطة في جنوب أفريقيا من الحكم الذي كان قائما على التمييز العنصري إلى الحكم الديمقراطي. إذ إنه أصدر أحكاما بوصفه قاضيا أضعفت إلى حد كبير قبضة حكم الفصل العنصري. وقال غولدستون عن تلك الحقبة، على الرغم من أنه رجل أبيض: «إن تجاهل المجتمع الأبيض لوجود الآخر، أوصله للاعتقاد بأنه مجتمع ديمقراطي».
أما خارج بلاده، فقد عمل من 1994 حتى 1996 مدعيا عاما رئيسيا في المحكمة الدولية التي كلفت بالتحقيق في جرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة ورواندا.

وكان عضوا في الفريق الدولي الذي أنشئ في أغسطس (آب) 1997 من قبل حكومة الأرجنتين لمراقبة التحقيق في النشاط النازي للجمهورية التي تأسست عام 1938.

ومنذ عام 1999 حتى 2001 شغل منصب رئيس لجنة التحقيق الدولية في كوسوفو، ثم عينه الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي عنان، في 2004 مشرفا على التحقيق في فساد مرتبط ببرنامج النفط مقابل الغذاء في العراق.

شغل منصب رئيس الجمعية الوطنية والمعهد الوطني لمنع الجريمة وإعادة تأهيل المجرمين، ورئيسا لمؤسسة «برادلوو» للتعليم الخيري وبناء الثقة، ورئيس مجلس إدارة معهد حقوق الإنسان لجنوب أفريقيا، وترأس كذلك على مدى 25 عاما «جمعية أصدقاء الجامعة العبرية في القدس» بجنوب أفريقيا. ويكتب بين الفينة والأخرى مقالات متعلقة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان. كما أنه يقوم بالتدريس بجامعتي هارفارد ونيويورك.

كانت المهمة الأهم والأصعب في حياته عندما تم تعيينه مسؤولا عن لجنة أممية لتقصي الحقائق في قطاع غزة بشأن احتمال ارتكاب إسرائيل جرائم ضد الإنسانية. وفي 12 يناير (كانون الثاني) 2009 اتخذ مجلس حقوق الإنسان قرارا يدين فيه الهجوم الإسرائيلي على غزة، واتهم القرار إسرائيل بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في غزة. ونص هذا القرار على تشكيل لجنة لتقصي الحقائق هدفها «التحقيق في الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين». وصوتت مع القرار 33 دولة عربية وأفريقية وآسيوية وأميركية لاتينية، وامتنعت 13 دولة أوروبية عن التصويت، فيما عارضت كندا القرار. وقد اعتبرت إسرائيل أن هذا القرار كان منحازا ضدها وشككت في مصداقية المجلس.

وفي 3 أبريل (نيسان) 2009، تم تعيين غولدستون، رئيسا للجنة الأممية لتقصي الحقائق في قطاع غزة، والتحقيق في الانتهاكات المحتملة للقانون الدولي، من قبل إسرائيل وحماس، أثناء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وآنذاك أعلن غولدستون أنه «شعر بالصدمة، كيهودي».

ضمت اللجنة في عضويتها هينا جيلاني وهي عضو هيئة محلفين بباكستان والممثلة الخاصة سابقا للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون المدافعين عن حقوق الإنسان، وديزموند ترافيرس وهو كولونيل سابق في القوات المسلحة الأيرلندية، وكان قاد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الشرق الأوسط ويوغوسلافيا السابقة ويعمل حاليا في معهد التحقيقات الجنائية الدولية. كما ضمت اللجنة، كريستين شينكين أستاذة القانون الدولي بجامعة لندن، وكانت عضوا بلجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة في بيت حانون بقطاع غزة برئاسة الأسقف الجنوب أفريقي ديزموند توتو الحائز على جائزة نوبل للسلام.

وقال غولدستون للصحافيين في جنيف، عقب تشكيل اللجنة: «سوف تراجع اللجنة كل الانتهاكات التي ارتكبت فيما يتعلق بحقوق الإنسان والقوانين الإنسانية الدولية في إسرائيل وغزة والأراضي المحتلة».

وأعطى مارتن اومويبهى، رئيس مجلس حقوق الإنسان، صلاحيات موسعة للجنة. وقال أومويبهي إن ذلك يكسب اللجنة «مصداقية لدى كل الأطراف، وسوف تكون لجنة مستقلة بحق، تضع لنا تقريرا يتسم بالنزاهة والموضوعية وعدم التحيز».

رفضت إسرائيل أن تتعاون مع لجنة غولدستون، على الرغم من يهوديته، وعلى الرغم من أن إحدى بناته عاشت لفترة طويلة في إسرائيل، وكان زارها عدة مرات كما قالت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، فاضطر الرجل للدخول إلى غزة بعد التنسيق مع مصر، عبر معبر رفح. دخل غزة مرتين في الفترة ما بين 30 مايو (أيار) و6 يونيو (حزيران)، وفي الفترة ما بين 25 يونيو و1 يوليو (تموز) 2009؛ وبدأ على رأس لجنة محترفة يبحث ويسأل ويحقق ويدقق، وفي يومي 28 ـ 29 يونيو، عقد الرجل عدة جلسات استماع لضحايا هجمات القوات الإسرائيلية على القطاع، والتقى خبراء وسألهم حول التأثير النفسي والاجتماعي الذي خلفته الحرب على النساء والأطفال.

وفي المقابل، منعه الإسرائيليون من إجراء مقابلات في إسرائيل والضفة، فعقد في 6 يوليو في جنيف جلسات استماع للمتضررين الإسرائيليين جراء إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، وقد قدمت الإفادات بصورة شخصية، وعبر كاميرات الفيديو. ومن بين الذين حضروا جلسات الاستماع هذه عمدة عسقلان ووالد الجندي جلعاد شاليط الأسير في غزة. وعقب غولدستون بقوله: «كان من الأفضل أن نزور جنوب إسرائيل، وأن نرى الدمار بأم عيوننا، وأن نتمكن من مقابلة الضحايا بشكل شخصي. ولا شك أن ذلك أحبطنا وخيب أملنا، ولكنني أؤمن أن هذا لن يؤثر على إنجاز عملنا، خاصة على مصداقية تقريرنا».

بعد عودته من غزة، عبر غولدستون عن «صدمته وحزنه الشديد» لما شاهده هو وفريقه، في القطاع، وشرح لماذا قررت اللجنة عقد جلسات استماع لشهادات الناس كجزء من التحقيق، وقال: «نود على وجه الخصوص مساعدة الضحايا، وذلك بإتاحة الفرصة لهم لإظهار وجوههم وسماع أصواتهم للمجتمع الدولي. أعتقد أنه مهم جدا للناس، ليس مجرد قراءة الإحصاءات، والقصص، بل أن يروا بالفعل الضحايا، ونود أن نظهر تأثيرات العنف على المجتمعات، خاصة التأثيرات العقلية والذهنية على الأطفال. ونحن نود أن نقوم بذلك ليس فقط بالنسبة للضحايا في غزة، وإنما أيضا للضحايا في جنوب إسرائيل، الذين يتعرضون لسيل من الهجمات الصاروخية من حين إلى آخر».

ويقول بعض الذين التقوا غولدستون في غزة، إنه هادئ إلى أبعد حد، لكنه أشبه بقناص، لا تفوته معلومة، لا يصدق كل شيء، لا يتجاوز الكلمات، ويبحث ويبحث ويبحث، وينتبه إلى ما يغفل عنه الآخرون.

وقال عدنان أبو حسنة المستشار الإعلامي للأونروا في الأراضي الفلسطينية، لـ«الشرق الأوسط»: «هو رجل نزيه ومنظم ومحترف.. إنه هادئ جدا ويثير احترام كل من قابله سواء الضحايا أو الضيوف».
وقابل أبو حسنة غولدستون مرتين، وقال: «يثير انطباعا بأنك أمام شخصية مجربة» وتابع: «دقيق جدا، ويخوض في أدق التفاصيل، بل ينتبه إلى تفاصيل الأشياء التي لا تخطر على بال أحد».

وحضر أبو حسنة جلسات عقدها غولدستون للضحايا والشهود في غزة، وقال: «كان يستجوب الشهود بطريقة مثيرة، كان محققا ومحاورا من طراز فريد، ولا يصدق أي شيء». وأضاف: «كان يحاور بذكاء شديد. يسأل كثيرا، وأحيانا يتأثر مما يسمع، لكنه كان حذرا من أن يسجل أي موقف على لسانه».

وأوضح أبو حسنة: «مثلا؛ لم يبد أي تعاطف علني مع الضحايا، ورفض أن يعطي لأي وسيلة إعلامية أي مقابلة وهو في غزة على الرغم من الضغوط الهائلة».

ومن مشاهدات أبو حسنة أن غولدستون كان ينظر إلى طاقمه باحترام شديد وفائق، ويرى أبو حسنة أن يهودية غولدستون، لم تؤثر عليه، وقال: «بل على العكس، حرفيته كانت طاغية، وأنا أعتقد أن يهوديته ميزته، إذ لن يتهمه أحد بأنه معاد للسامية» ومن بين العائلات الأشهر في غزة، كضحية للعدوان الإسرائيلي، كانت عائلة السموني التي فقدت 21 من أفرادها دفعة واحدة في ضربة إسرائيلية لبيت كان أصلا اختاره الجيش الإسرائيلي، وجمّع 97 من أفراد العائلة فيه. ففي 5 من يناير (كانون الأول) 2009، وتماما في الساعة السادسة و40 دقيقة، خرج بعض أفراد عائلة السموني أمام المنزل في محاولة للحصول على بعض الأخشاب، لغرض إشعال النار، كي يطهون طعاما لأفراد العائلة، وبعد قليل، أصابتهم قذيفة إسرائيلية، فهربوا إلى المنزل.

بعد دقيقة اهتز المنزل بعنف جراء قذيفتين أو 3، والنتيجة أن 21 من العائلة قضوا مرة واحدة. ذهب غولدستون إلى منزل السموني بنفسه، شاهد آثار الدمار عن قرب، والتقى الناجين المشوهين، واستمع لهم طويلا، كما شاهد صورا للجثث المحروقة.

قال صلاح السموني، لغولدستون: «إذا لم تصدقني اسأل الآخرين المجروحين والمشوهين، اسأل الصليب الأحمر، اسأل الناس».
وعندما غادر غولدستون القطاع، بعث كتاب شكر إلى صلاح يشكره فيه على وقته والمعلومات التي أعطاها له.

وقال صلاح لـ«الشرق الأوسط»: «جلس في بيتنا ساعتين» وأضاف: «سألنا عن كل شيء، وركز كثيرا على المحادثات التي دارت بيننا وبين الجيش الإسرائيلي عندما أخرجونا من بيتنا وجمعونا مع أقربائنا في منزل واحد (المنزل الذي قصفه الجيش لاحقا)».

وكان والد صلاح الذي قضى في الضربة الإسرائيلية، عرّف الجيش الإسرائيلي على أفراد عائلته واحدا واحدا، وقال صلاح: «وثق غولستون ذلك، ووثق أيضا محادثة بيني وبين الجيش أخبرتهم فيها بأننا لا ننتمي لأي تنظيم (فلسطيني) بل نعمل في الزراعة».

توقف غولدستون طويلا عندما قال له صلاح إن الجيش الإسرائيلي رد على طلب المساعدة بعد القصف بقوله لأفراد العائلة: «عودوا للموت»، وقال صلاح: «توقف عند هذه القصة واستفسر كثيرا عنها وسأل آخرين».
ويتذكر صلاح أن غولدستون تأثر عندما أخبرته العائلة بأن والدهم الذي قضى، كان قد أخبرهم بأن لا يخافوا لأن الإسرائيليين قالوا إن المدنيين ليسوا هدفا.

وقال صلاح إن غولدستون على الرغم من كل شيء، لم يصرح بما يفيد بتعاطفه معهم، واستدرك: «لكننا كنا نشاهد الحزن والتعاطف في عيونه، وطريقة سلامه علينا».

وترك غولدستون لدى صلاح والأحياء من عائلته، انطباعا بأنه «كان هادئا جدا ودقيقا، وينتبه للكلمات». وقال صلاح: «أعطانا وقتا طويلا للحديث، شاهد صورا لوالدي قبل أن يستشهد، وبعد أن استشهد».

ويأمل صلاح بأن يحمل تقرير غولدستون قادة إسرائيل إلى المحاكمة كمجرمي حرب، وقال: «أخبرناه أننا شاهدنا في حياتنا أفلاما كثيرة عن الحرب، ولكننا لم نعتقد يوما أننا سنعيش فيلما حقيقيا أكثر دموية وشراسة ومفجعا إلى هذا الحد، وقلنا له إذا كان كل فيلم له مخرج يأتي بالحق في نهاية الفيلم، فنأمل أن تكون أنت المخرج الذي يأتي بحقنا». توصل التقرير الذي حمل اسم غولدستون، وأصدرته لجنة تقصي الحقائق إلى ارتكاب كل من القوات الإسرائيلية والفصائل المسلحة الفلسطينية ما يمكن اعتباره جرائم حرب، وحسب ما جاء في التقرير: «ربما تعتبر جرائم ضد الإنسانية».

ثارت ثائرة إسرائيل ووصفت التقرير بالمخزي، والمشوه، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن تقرير غولدستون «يشجع الإرهاب، ويعرض أمن إسرائيل للخطر، ولا يخدم السلام في المنطقة».

وخرجت ابنة غولدستون، نيكول لتقول، إن والدها خفف الاتهامات لإسرائيل التي تضمنها تقرير اللجنة. وأضافت نيكول، لإذاعة الجيش الإسرائيلي: «إنه لولا والدها لكان التقرير أشد وأخطر على إسرائيل التي شنت حربا على غزة بين ديسمبر ويناير الماضيين». وتابعت حديثها: «إن غولدستون أخذ على عاتقه المهمة من أجل العمل على تحقيق السلام، وقد تحدثت معه كثيرا قبل أن يقبل بمهمة تولي رئاسة لجنة تقصي الحقائق وبعدما تولاها».

وأردفت نيكول غولدستون: «أعرف بصورة أكيدة أنه يعتقد أنه يفعل ما هو أفضل بالنسبة للجميع، والجميع يعملون لصالح إسرائيل»، مؤكدة أن والدها يحب إسرائيل، وقد ترأس اللجنة أملا منه في أن يتعاون الإسرائيليون معه وهو يريد المساعدة في إيجاد حل لإسرائيل. عُرض تقرير لجنة غولدستون للمناقشة في اجتماع مجلس حقوق الإنسان، وكان يفترض أن يتم التصويت على التقرير لنقله إلى محكمة جرائم الحرب. تحدث ريتشارد غولدستون عن النتائج التي انتهت إليها لجنة تقصي الحقائق، ودافع عنها. كما رفض بقوة الاتهامات التي وجهت للجنته بخصوص أن لها دوافع سياسية. وطالب غولدستون كلا من إسرائيل وحماس بإجراء تحقيقات نزيهة ومستقلة لبحث ما جاء في التقرير، وفي حال لم يفعلوا هذا في غضون ستة أشهر، فسيحال التقرير إلى المحكمة الجنائية الدولية. وقال غولدستون وهو يدافع عن تقريره: «إن ثقافة الحصانة في المنطقة قد استمرت أطول مما يجب»، وأضاف: «غياب العدالة المستمر يقوض أي أمل في عملية سلام ناجحة ويرسخ المناخ الذي يشجع أعمال العنف».

تفجرت قنبلة جديدة، رافقت التقرير، بعدما طلبت السلطة تأجيل التصويت على القرار إلى مارس (آذار) المقبل، وظهرت السلطة أمام شعبها «كأول ضحية في التاريخ تمد طوق النجاة إلى جلادها»، وعلى الرغم من تبريرات السلطة بأنها كانت تبحث عن إجماع أكبر للتقرير، فإن موجة من الغضب الشعبي والرسمي لم تهدأ، ولاحقت الاتهامات والمظاهرات الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى العاصمة الإيطالية روما.

جندت حماس كل إمكانياتها في مهاجمة عباس، وانضمت لها فصائل المعارضة، ولم يسلم أبو مازن من انتقادات لاذعة من فصائل في منظمة التحرير، وحمله قياديون فتحاويون المسؤولية، وجن جنون منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الأهلية أينما وجدت.

ورد عباس مدافعا بأن تقرير غولدستون لم يكن سيحظى بالدعم المطلوب، وعبر عباس عن غضبه مما وصفه بالمزايدات الرخيصة من حماس واستغلال التقرير الذي رفضته في البداية لضرب الشرعية الفلسطينية، وبعد ذلك تطور الموقف بين حماس وفتح لجولة ردح متبادلة بسبب تقرير غولدستون.

وأمام الغضب الجماهيري قررت السلطة الطلب مرة أخرى إعادة التصويت على التقرير، لكن نتنياهو توعد بأنه «لن يسمح مطلقا» بخضوع أي جندي أو قائد إسرائيلي للمحاكمة بارتكاب جرائم حرب. وقال: «إن تقرير غولدستون لن يمر».

أما غولدستون نفسه، فكان يرمي من خلال تقريره إلى تعزيز «ثقافة المسؤولية»، وقال إن «انتهاك المبادئ الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني هو مصدر قلقنا الأول. لدينا الآن ثقافة جديدة متنامية، إنها ثقافة تحمل المسؤولية. وإنه من الأهمية أن لا يتمتع أحد بالحصانة من المساءلة، وأن لا يفلت أحد من العقاب بسبب هذه الجرائم، والمسؤولون عنها سواء سياسيا أو عسكريا يجب أن يحاسبوا. ولكن كانت هناك فرصة حقيقية لإجراء تحقيق متوازن في الشرق الأوسط، وهو ما لم يحدث من قبل. وهذا يبدو لي في مصلحة جميع الأطراف. هذا ما كنت أنويه وآمل أن يسهم ذلك في عملية السلام».

وفي مقال له نشر أواخر الشهر الماضي، قال غولدستون: «للأسف، إن إسرائيل وحماس لديهما تاريخ مظلم في التحقيق مع الجنود التابعين لهما. ولا أعلم أن هناك حالة واحدة تمت فيها معاقبة مقاتل في حماس لأنه أطلق عن قصد صاروخا تجاه منطقة مدنية داخل إسرائيل، بل على النقيض من ذلك يثني قادة حماس بصورة متكررة على هذه الأشياء. وعلى الرغم من أن إسرائيل بدأت التحقيق في انتهاكات زُعم قيام قواتها بها خلال حرب غزة، فلا يحتمل أن يكون هذا التحقيق جادا وموضوعيا».

وفي حال غياب تحقيق محلي يمكن الاعتماد عليه، يكون على المجتمع الدولي أن يلعب دوره، حيث إنه إذا تعذر تحقيق العدالة للضحايا المدنيين عبر الهيئات المحلية، فيجب على الحكومات الأجنبية أن تتصرف. وهناك كثير من الآليات التي يمكن من خلالها السعي لتحقيق العدالة الدولية، ومن بين هذه الآليات المحكمة الجنائية الدولية وحق النظر في دعاوى قضائية دولية من قبل دول أخرى ضد من ينتهكون معاهدات جنيف. ويعتمد ذلك على فكرة أن المقاتلين المتعسفين وقادتهم يمكن جلبهم للعدالة حتى لو كانت حكوماتهم وسلطاتهم الحاكمة غير مستعدة للقيام بذلك.

والسعي لتحقيق العدالة في هذه القضية شيء ضروري لأنه لا يجب أن تكون هناك دولة أو تنظيم مسلح فوق القانون. والعجز عن تحقيق العدالة على ضوء الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبت خلال الحرب سيكون له أثر مزعج على العدالة الدولية وسيعكس نفاقا غير مقبول، وتجب محاسبة من قاموا بالانتهاكات الخطيرة من أجل مئات المدنيين الذين قضوا من دون حاجة ومن أجل تطبيق العدالة الدولية بالتساوي.


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية