سيناء
...............................................................
أشرف العنانى
................
صبية بدوية علي مسافة ليست بالقريبة تتطلع إليهم وهم في استراحة
صحراوية يتناولون طعامهم ,، ينتبه هو لذلك فيهمس لمرافقه البدوي بأن يذهب إليها ببعض الطعام ,, يفهمه الرجل بأنها سترفض لكنه يصر ,, يذهب الرجل بالطعام فيحدث ما توقعه ,, ترفض الصبية لكن وبعد دقائق معدودة تسقط مغشياً عليها من الجوع ,, كنت حدثتكم عن هذا المشهد الذي ذكره نيكوس كازنتزاكس في كتابه عن رحلته التي قام بها الي سيناء في القرن السابع عشر ,, انه اعتزاز البدوي بنفسه ,, حتى لو قتله الجوع أو العطش ,,
وما حدث مع كازنتزاكس يحدث الآن ولمسته أنا في رحلاتي في عمق صحراء سيناء ,, في وديانها وفي شعابها ,,
وإذا كان لكزانتزاكس قصة عن ذلك فلي أنا الآخر قصص لكنني لن أنسي أبداً ما حدث في تلك الليلة القارصة البرد ,, كنت نزلت ضيفاً علي أحدهم هناك ,, ومن يعرف الصحراء جيداً يعرف برد لياليها ,, خمدت النار بعد أن تناولنا عشاءنا ,, الحكايات الليلية هي الاخري نفدت ،، جهز الرجل لي فراشي كي أنام ،، دلف إلى الداخل وعاد وهو يحمل غطاءً ,, عندما لمس الغطاء جسدي كان دافئاً فأدركت في نفسي أنه رفعه عن أطفاله كي يجعلني أتدفأ ,, خليط من الجود والاعتزاز بالنفس كان الموقف ,, كنت أتعذب وأنا أدرك أن الأطفال حرموا من غطائهم من أجلي ,, لم أنم ليلتها لكن لم يكن بيدي أن أعترض ليس فقط لأن الضيف أسير المحلي ولكن لأن اعتراضي سيجرحه فآثرت الصمت واحتمال العذاب علي أن أفعل ذلك ,,
هي الصحراء إذن شحيحة الموارد ,, الجوع والعطش قدر من اختارها واختارته ,, واحتمال كل هذا لا سبيل إليه إلا بالاعتزاز النادر بالنفس ,, لا أحد في هذه الصحراء يشكو ,, لا أحد يلعن أيامه ولياليه وقدره ,, نعم امتلأت الطرق والوديان والدروب بآثار السيارات الفاخرة وعربات الدفع الرباعي ,, نعم صعدت طبقة جديدة في سيناء سميتها في مكان سابق بالأثرياء الجدد ,, لكن ليس كل أبناء سيناء مهربون أو تجار مخدرات ,, بينهم من لا يملك حتى مزرعة خوخ أو زيتون تجعله يشعر بالحد الأدنى وهو الكفاف ,, في عمق الصحراء من يبيت هو وأطفاله ليال كثيرة ومعدته خالية ,, إنهم فقراء سيناء الذين لا يشعر أحد بهم لا لشيء إلا لأنهم لا يشتكون ,, العالم كله الآن عينه علي غزة وفقراء غزة وبؤس غزة ,,
لكن لا أحد يتذكر وهو يتوجه بعدسته لتصوير الوضع هناك أن يدير زاوية التصوير قليلاً فعلي مرمي حجر من غزة ,, هنا في سيناء هناك من يواجهون ظروفاً أقسى دون أن يلتفت إليهم أحد ,, علي الأقل هناك من يمد يد العون للناس في غزة ,, هناك الأونوروا ,, ومليارات الدولارات من المساعدات الأهلية ومنظمات الغوث ,, أما في سيناء فلا الدولة ولا حتى الأثرياء الجدد الذين لا هم لهم سوى أنانيتهم ,, لا أحد يلتفت لهؤلاء ,, وليس أمامهم سوى الله يرفعون أياديهم النحيلة إليه.
|
سيناء تعانى من الاهمال |
|
06/11/2014