مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 قصة حب الزعيم الراحل الوحيدة .. تراجيديا العادات الشرقية
...............................................................

 

جمال الطالب

 

بعد سنوات من الثورة وطغيان شعبية الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر... وزعامته للأمة العربية من أدناها إلى أقصاها... لم تصدق سعاد هانم أن هذا الزعيم، هو نفسه الشاب الخجول الذي طلب يدها... ورفضته أمها.

الغرام الوحيد في حياة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر... لايزال شاهده الوحيد على قيد الحياة، أما مستندات الحب الكبير فلم تمتد إليها يد العبث بعد... رغم مرور سنوات كثيرة على مولد هذا الغرام ... معظم هذه المستندات عبارة عن خطابات بخط يد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر... يتحدث عبر سطورها إلى صديق عمره المستشار حسن النشار عن صاحبة أغلى حب في حياة زعيم الأمة العربية من المحيط إلى الخليج.

بطلة القصة اسمها سعاد... أو سعاد «هانم»... كما كان يحلو لجمال عبدالناصر أن يذكرها... كتب القدر لهما 3 لقاءات وجها لوجه ...الأول شهدته إحدى المدارس الثانوية ... والثاني كان مسرحية أحد شوارع حي الظاهر «بالقرب من وسط القاهرة» ... أما اللقاء الثالث فكانت وقائعه المثيرة في قلب أكبر الميادين بالقاهرة ... ميدان التحرير... ولم يبخل القدر بعشرات اللقاءات الصامتة التي لم ير فيها الزعيم وجه حبيبته... إلا من مسافة تبعد عشرات الأمتار عن بيتها... الحكاية غريبة ... وقلما تتكرر أو يعيدها الزمن.

اللقاء الأول

المكان: فناء مدرسة النهضة الثانوية «المختلطة» .
الزمان: الثانية ظهرا بعد انتهاء ساعات الدراسة .
المشهد: الطالب جمال عبدالناصر يسير مع صديق طفولته وزميله بالمدرسة حسن النشار «أصبح فيما بعد أحد كبار المستشارين في مصر» ... جمال يرتدي ملابس بسيطة متواضعة ... ينطلق من خلف قميصه شعر صدره الممتلئ ... فوق وجهه الأسمر علامات استفهام حائرة لم تفارق ملامحه منذ ترك صعيد مصر قريته بني مر بأسيوط «وسط صعيد مصر»... وجاء إلى القاهرة لمواصلة تعليمه ... لقد قضى بعض سنوات طفولته بالإسكندرية في رعاية زوجة عمه الحاج خليل عبدالناصر.

لكن علامات الاستفهام الحائرة لم تجد جوابا هناك ... كان جمال شابا هادئ الطباع ... ثائر الأعماق ... ذاق المر منذ نعومة أظافره ... ماتت أمه الفقيرة، نحيلة الجسد، وعرف الطريق إلى المرضعات فكانت صداقة عمره مع حسن ... ابن السيدة التي أرضعت جمال عبدالناصر وكانت صديقة لأمه ... أما والده موظف البريد البسيط فقد سارع إلى الزواج بعد وفاة زوجته « أم الأولاد»... وهكذا شعر جمال بيتم الأبوين ...

كانت السيدة الفاضلة التي أرضعت جمال تحاول أن تفك طلاسم وجه الصغير ... لكنه كان يصر على الصمت وهو يؤكد لأم صديقه حسن أنه لا يشعر باليتم أبدا عندما يكون إلى جوارها... لأنها هي التي عوضته عن الأمومة ... ظل زميلا لحسن حتى أصبحا معا بالمرحلة الثانوية ... جمعت بينهما مدرسة النهضة الثانوية المختلطة... ومعهما شقيقة حسن... أخت جمال في الرضاعة!

كان جمال وحسن قد أنهيا يومهما الدراسي وسارا نحو فناء المدرسة ... كانت خطواتهما بطيئة ... ليس هناك دافع للإسراع ... الصديقان ينتظران شقيقة حسن ليعودوا معا إلى البيت ... وشقيقة حسن لم تصل بعد ... حوار هامس يدور بين الصديقين ... توقفا أسفل شجرة عتيقة كأنها شاهد على أحداث الدهر.

لمح حسن أن صديقه جمال يتأمل الشجرة العتقية كأنه لم يرها غير تلك اللحظة ... سأله عما شرد بذهنه ... قال جمال لصديقه إن الشجرة تضفي على هذا المكان رهبة ترتعش لها الأبدان .... وتغض أمامها الأبصار.
ثم همس جمال في نبرات خاشعة : « ... كأنني أراها لأول مرة يا حسن ... لابد أن آلاف الشباب والفتيات وقفوا هنا من قبل ... وربما أفضوا إليها بأسرارهم .... بقيت هي ... ورحلوا هم ....أشعر أن أغصانها تبكي ... وأوراقها تعطف علينا جميعا ... أريد أن أعترف لك يا حسن بأن هذا المكان سوف يصبح هدفا لي كل صباح عندما نصل إلى مدرستنا .... وعندما ننصرف منها ... أشعر أن المكان يدعوني للبقاء... و...!

قاطعه صديقه حسن: جمال... لقد وصلت أختي ومعها صديقتها سعاد...
انتبه جمال إلى كلمات صديقه... عاد إلى الواقع... لكن رهبة المكان لم تبرح صدره... بينما تتدلى أغصان الشجرة العجوز لتنشر ظلالها حول مسرح اللقاء! ... كان جمال يعرف شقيقه حسن تمام المعرفة ... لكن وجه صديقتها سعاد أصابه الارتباك والحيرة فجأة ... صافح حسن شقيقته ... وامتدت يد جمال لتصافح سعاد فنسيها معها! لم يكن الحب قد زار قلب جمال من قبل!

لم يعش جمال مراهقة شبابه ... إحساس جارف بالرجولة والمسؤولية ملأ صدره منذ صباه ... الغرام في نظره نوع من العبث بين رجل وامرأة ... أو كما قال نابليون بونابرت «الحب عمل لكل عاطل وعطلة لكل عامل» ... الغرام بين شاب وفتاة في عيون جمال «ميوعة» لا تليق بمقام الرجال ... وسهم يمزق كبرياء الأنثى وينهش شرفها ويقدمها فريسة سهلة للشائعات والقيل والقال ... لكن الغرام الذي يعتنقه جمال ولم يجربه بعد... يجب أن يظل تحت حراسة مشددة ... يغفله الكتمان ...ولا يستباح الكلام فيه إلا بعد أن ينتهي دور المأذون... الغرام عند عبدالناصر جزء لا ينفصل عن رجولة الرجل وكرامة الأنثى.

طالت اللحظة ولاتزال يد عبدالناصر تصافح يد سعاد تيار صاعق سرى في عروق جمال عندما لمست راحة يده كف يد سعاد ... تبادلا نظرة لم يعرف عشاق العالم كم كانت حلوة (!) كانت الطريق الذي افتتح رحلة الحب الكبير بين الشابين الصغيرين ... الشجرة العتيقة كانت تشهد اللحظة، وتسجلها، وتكتب مولدها... ورهبة المكان تضاعفت.

وانخلع قلب جمال عندما جذبت سعاد يدها من يد جمال في رقة مثيرة ... دق قلب جمال ... نسي المكان والزمان ... كأن الأرض انشقت ولم يبق فوقها من المخلوقات غير جمال وسعاد ... كلاهما لم يجرب هذا الإحساس حتى كان لقاؤهما ... الشيء الوحيد الذي خشيت منه سعاد أن يسمع الناس دقات قلبيهما ... بينما الذي أصاب جمال بالرعب هو لسانه الذي تلعثم أمام الجميع وكأنه فقد النطق فجأة ... حالة مفضوحة لحب صرع الشاب الآمن.

ظل جمال يتابع أخبار سعاد من صديقه حسن، وظلت سعاد تتلصص على أخبار جمال... إن سعاد تبادله الإعجاب الشديد... وعرفت سعاد أن جمال قد رشحها للزواج، فلم تسعها فرحة الدنيا! ... تعمدت أن تتواجد في الحفلات المدرسية التي يحضرها جمال .... وهناك يدور حوار الحب الكبير بالنظرات ساهمة الطرف.

لكن الرياح غالبا ما تأتي بما لا تشتهي السفن... انتهت الدراسة... نجح الحبيبان الصامتان... التحق جمال بالكلية الحربية ضابطا بالجيش المصري... يهرول إلى منزل حبيبته، يفاجئه الجيران بأن سعاد قد تركت شقتها مع أسرتها ... عنوانها الجديد لا يزال مجهولا ... لابد أن شقيقة حسن تعرفه ...لكن أين حسن نفسه... لم يره جمال منذ التحق بكلية الحقوق... الشوق يكاد يعصف بالضابط الشاب ... يدركه اليأس... لكن طيف حبيبته يؤكد له كل لحظة أن قصتهما لم تنته بعد.

اللقاء الثاني

 

جمال الضابط

 

يستأجر جمال شقة بحي الظاهر... ذات يوم أثناء عودته من عمله ... لا يصدق عينيه اللتين وقعتا على سعاد في أحد شوارع الحي ... صدفة أهداها إليه القدر ... صدفة مثيرة قد تكتمل بها الحكاية ... إلى النهاية ...الصدفة في عالم الحب غريبة .... تصل بين قلوب وتقطع بين أخرى ... تمنح السعادة وتصنع الشقاء ... معظم العشاق يعتمدون على الصدفة ... لا يرتبون اللقاءات ولا يملكون القرارات ... كثيرا ما تحركهم الصدفة عندما يعز اللقاء.

كانت سعاد تمضي في خطوات جادة ... لا تعتمد أن تلفت إليها أنظار المعجبين ... أو اهتمامات المعاكسين ... المرأة المحترمة تعرف كيف تسير بالطريق وكيف تتحدث مع الآخرين ... وكيف تدفن فتنتها ومتى تبعث فيها الحياة ! ... ظل جمال يتابعها عن بُعد ... الخجل يملأ ملامحه ... ودقات قلبه تتظاهر في صدره ... وتهتف لبطلة الصدفة ... كم زارته في أحلامه عندما ينام ... ويطارده طيفها حيثما يذهب ... الحب عند جمال لا يتجاوز أحاسيس القلب ونظرات العين وأمنيات الارتباط الذي تباركه السماء... كان جمال حريصا على ألا يلمحه أحد وهو يتبع سعاد ... أراد أن يحميها من مجرد الشبهة ... ويبعدها عن كلام الناس، فهى الحب الكبير والزوجة المرتقبة.

عرف بيتها فتأكد من العنوان... عرف أنها تعمل مدرسة بإحدى مدارس البنات بحي شبرا «شمال القاهرة»... طار من الفرحة ... راح يرتب إجازته الأسبوعية مع أحلى موعد في حياته ... كان يذهب كل إجازة إلى الناصية المجاورة لمنزل سعاد المطل على سينما فيكتوريا بحي الظاهر ... اكتشفت سعاد الحيلة ... لكن قلبها لم يطاوعها على تجاهل جمال ... كانت تقف بشرفتها تختلس معه النظرات الحانية... والناس من حولهما لا يدركون أن تاريخ الأمة العربية سوف يتحول على يد هذا الشاب الذي حفظته ناصية الشارع عاشقاً مهذباً يملأ عينيه الخجل.

قرر جمال أن يتزوج سعاد... لم يعد هناك عائق...

ذهبت أم حسن ـ صديق عمر جمال- إلى بيت سعاد، وانتظر جمال نتيجة المفاوضات أسفل المنزل... على الناصية نفسها التي اعتاد عليها ... أخطر مفاوضات العمر ... راحت أنفاسه تتلاحق ... دب الخوف في قلبه ... الوقت يمر في تثاقل ... عقارب الساعة لا تتزحزح عن مكانها إلا بأعجوبة ... سعاد تخرج إلى الشرفة ... تحتضن نظرتها نظرات جمال ... غرام صامت لا يحتمل رهبته إلا جمال وسعاد في تاريخ جميع العشاق.

سارع إليها ... لم يكن وجهها يبشر بأنها تحمل خبرا سعيداً ... أسقط في يد عبدالناصر ...ألح على أم صديقه أن تعاجله بالخبر لأنه لم يعد يحتمل ... اضطرت الأم أن تصارحه برأي أم سعاد في نبرات حزينة مرتجفة... «لن تتزوج سعاد قبل أن تتزوج أختها الكبرى ... إما أن يتزوج جمال الأخت الكبرى ... أو ينتظر حتى يأتي دور الزواج على سعاد» .

دمعت عينا عبدالناصر ... لم يعد أمل في سعاد إلا أن ينتظر دورها في الزواج ... ملأت المخاوف قلبه... فالأيام لا أمان لها!

ويبدو أن جمال كان صادقا في إحساسه ... ومخاوفه من حكم الزمن ... انشغل في حرب فلسطين ... والفالوجا ... تشكلت الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار بعد أن أصبحت الثورة على الفساد هدفا للضباط الشرفاء ! ... انشغل عبدالناصر في أعظم المهام الوطنية ... لكنه لم ينس دقة قلبه تحت الشجرة العتيقة في فناء مدرسة «النهضة».

تزوج جمال ... أخلص لحياته الجديدة ... وظل حبه لسعاد سرا لا يذيعه إلا لصديق عمره حسن النشار ... يسأله عنها في الخطابات... يذكرها بأيامه الحلوة مع إحساسه البكر بالرومانسية الرقيقة ... وقامت الثورة ... أصبح جمال عبدالناصر اسما تتناقله وكالات الأنباء إلى جميع بقاع العالم ... صورته تتصدر الجرائد والمجلات في قارات الدنيا ... أحاديثه يدرسها الخبراء والمحللون في عواصم أوروبا ... قلوب العرب تهفو إليه ... وآمال أفريقيا تنعقد عليه... ومشاعر المصريين مفتونة بعشقه ... كانت سعاد قد تزوجت من أستاذ بالجامعة ... تخلص هي الأخرى لعشها الهادئ ... لكن اسم جمال عبدالناصر يطاردها حيثما ذهبت ... في الجرائد... الإذاعة ... الشوارع ... أحاديث الناس ... حياة الملايين تصنعها قراراته ... ومصير الأمة يرسمها فكره ... لم تنس سعاد لحظة واحدة أن صاحب هذا الاسم العريض في العالم كله رفضته أمها عريسا لها.

ومضت السنوات ...والغرام الصامت يزداد رهبة.

 

جمال الزعيم

 

أحيانا نصنع البداية ... لكن النهاية دائما من القدر... ذهب الرئيس إلى مكتبه ذات صباح... اعتاد أن يقلب الصحف قبل ممارسة عمله في قصر الرئاسة ... لا تشغله الأخبار العالمية والمحلية التي قدمتها له التقارير لحظة استيقاظه ... يهتم دائما بمقالات كبار الكتاب واتجاهات أقلامهم ... لكنه لا يترك الجرائد قبل أن «يذاكر» صفحة الوفيات بعناية .في هذا الصباح وقعت عيناه على مفاجأة ... خبر ينعي انتقال حبيبة العمر سعاد ... الموت لم يخطئها... ماتت لتودع الحياة إلى الأبد ... ارتعشت أهداب الزعيم ... ملأت حلقه غصة حزن ... طعم « العلقم» فوق لسانه ... أشعل سيجارة رغم تحذيرات الأطباء ... اتخذ قرارا غريبا ومثيراً ... قرار لم يتخذه رئيس دولة من قبل .... وربما لن يتخذه زعيم إلى الأبد.

خرج جمال من مكتبه ... طلب من سائقه الانتظار ... قاد سيارته المرسيدس السوداء بنفسه ... أسدل ستائرها، كتم دموعه، رفض رجال الحراسة ... وموكب التشريفة ... اختفى في لمح البصر ... اندست سيارته وسط شوارع القاهرة من دون أن يشعر بها أحد ... اتجه الرئيس بسيارته إلى مسجد عمر مكرم... حيث سيخرج الموكب الأخير يحمل سعاد إلى العالم الآخر.

توقفت سيارة الزعيم بالقرب من المسجد ... هتافات الجماهير كانت تدوي باسم جمال تهز هذا الميدان، تكاد أن تقلعه من مكانه ... لا أحد يتوقع أن يكون الزعيم الكبير متخفيا خلف ستائر سيارته.

تخرج سعاد داخل صندوق خشبي، يبتلع الرئيس ريقه ... لاتزال في يده حلاوة اللقاء الأول أسفل الشجرة العتيقة ... ولاتزال في أذنيه كلماتها القليلة كأنها لحن جنائزي... جهش الرئيس بالبكاء ... هزمته ذكرياته ... موكب الجنازة زلزله ... تمنى لو استطاع أن يحمل سعاد فوق كتفيه ... لكن أعباء الأمة وتقاليدها منعته من الحركة... ظل يودع الجثمان بنظراته المبللة بدموعه... لم يتوقع ثمة لحظة أن يكون لقاؤهما الثالث... هو لقاء الوداع تحت عباءة الموت!

ارتدى جمال نظارته السميكة وأدار محرك سيارته ... عائدا إلى مكتبه بعد أن اختفى في السيارة السوداء القاتمة، وأصبحت ذكرى غالية في حياة الزعيم الخاصة.

الغريب أن عبدالناصر لحق بسعاد ومات هو الآخر بعد 29 يوما من وفاتها.

 الراي الكويتية

يا ابنتي‏..‏ هذا هو جمال عبدالناصر


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية