لكشف عن مومياء أخناتون والد توت عنخ آمون.. ونفرتيتي ليست أمه
...............................................................
القاهرة: رياض أبو عواد ومحمد فتحي يونس
|
زاهي حواس يتحدث إلى وسائل الإعلام العالمية أمس في المتحف المصري وبجانبه مومياء الملكة تي جدة توت عنخ آمون |
حسم الدكتور زاهي حواس، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر، الجدل المثار منذ سنوات بين علماء المصريات حول لغز وفاة الفرعون الشاب الملك الذهبي توت عنخ آمون، وحقيقة نسبه في سلالة الأسرة الثامنة عشرة، التي تشكل واحدة من أعظم حقب الحضارة الفرعونية.
وأكد حواس في مؤتمر صحافي عالمي عقده أمس بالمتحف المصري بالقاهرة أن دراسات وتحليلات أجريت على 16 مومياء، بينها 11 ملكية، بحثا عن نسب الفرعون الذهبي توت عنخ أمون، كشفت عن مومياء والده فرعون التوحيد إخناتون للمرة الأولى.
وأمام أكثر من مائتي صحافي يمثلون مختلف الصحف والقنوات الفضائية المحلية والعربية والعالمية، احتشد بهم المتحف المصري في سابقة لم يشهدها من قبل، أعلن حواس عن أن «العثور على مومياء إخناتون يحل لغزا كبيرا في تاريخ الأسرة 18، حيث لم يعرف أحد مصير إخناتون بعد وفاته»، خصوصا أن إخناتون «وقف وراء تغيير ديني كبير في مصر، وفرض عبادة الإله آتون بدلا من الإله آمون، وقاد تغييرا كبيرا ضد كل القديم وخصوصا في المعنى الديني، وهذا عكس نفسه على الحياة في مصر خصوصا في الحياة الثقافية والفنية التي شهدت قمة تطورها في عصر الأسرة الـ18 (1550 - 1307 قبل الميلاد) وتحديدا في عصر والده أمنحتب الثالث وعصره فيما بعد».
وأضاف حواس «في تلك الفترة انطلقت في البلاد حملة تمرد عنيفة ضد التغييرات الدينية التي أجراها إخناتون، أدت إلى انطلاق الكثير من التوقعات حول مصيره ومصير زوجته نفرتيتي، وجعلت من هذه الفترة الحيوية في التاريخ المصري القديم لغزا لم يجد أحد حله، ويحتاج إلى زمن أيضا لنتمكن من إيجاد أجوبة علمية محددة عن الكثير من الأسئلة المرافقة له».
وأوضح حواس أن البحث عن مقبرة الملك إخناتون استمر منذ العثور على أولى مقابر وادي الملوك في القرن الـ19 وفي القرن العشرين دون الوصول إلى نتيجة حاسمة، حتى بدأت الدراسات التي أجراها المجلس الأعلى للآثار وجامعة القاهرة على المومياوات، حيث اكتشف الفريق عبر تحليل البصمة الوراثية وتحليل الجينات أن «مومياء في المقبرة 55 في وادي الملوك هي مومياء والد الملك الذهبي توت عنخ آمون، وكان يعتقد أن المومياء تعود لرجل توفي بين سن 20 و25 عاما، إلا أنه تبين من نتيجة الأبحاث أنه توفي بين سن 45 و50 عاما، وهو ابن لأمنحتب الثالث والملكة تي، مما يشير إلى أنه هو نفسه إخناتون».
وفي السياق نفسه، قال حواس إن «المعلومات حول السيدة الكبيرة التي عثر عليها في مقبرة أمنحتب الثاني أكدت أنها الملكة تي زوجة أمنحتب الثالث وأم اخناتون وجدة توت عنخ آمون من جهة الأب والأم».
|
مومياء أخناتون تعرض لأول مرة في المتحف المصري |
ويشير التاريخ إلى أن الملكة تي تعتبر من أقوى الملكات في التاريخ المصري القديم، وكان يتم نحت تماثيلها بما يتساوى مع حجم تماثيل زوجها الملك أمنحتب الثالث الذي وصلت الأسرة الـ18 في عصره إلى أزهى عصورها.
وأعلن حواس أنه «تأكد من التحليلات التي أجريت أن مومياء الفتاة الشابة في مقبرة أمنحتب الثاني نفسها هي أم توت عنخ آمون وزوجة شقيقها إخناتون من أمه تي ووالده أمنحتب الثالث».
وقال إن الفريق لم يستطع الكشف عن اسم أم توت عنخ آمون من بين البنات الخمس اللواتي أنجبتهن الملكة تي، ولكن في كل الظروف فإن زوجة إخناتون القوية نفرتيتي لم تكن أم توت عنخ آمون الذي تولى العرش إثر تنازل والده عنه بعد التمرد الديني عليه».
وأعادت الفحوصات التي أجراها فريقان مصريان وأكدها مستشاران ألمانيان هما كارتش بوش وألبرت زينك، إلى جانب ثمانية خبراء تابعين لمجلة «جاما» المتخصصة، أسباب وفاة الملك الذهبي توت عنخ آمون في سن مبكرة جدا، ولم يكن يتجاوز التاسعة عشرة في عام (1324) قبل الميلاد، إلى «إصابة حادة بالملاريا، وأنه من المرجح أن يكون توفي بسببها، وهذا ينفي كليا فكرة مقتله أو تعرضه للاغتيال».
وأضافت «الكسر الموجود في ساقه قد يكون نتيجة سقوطه خصوصا أن نتائج الفحوصات تدفعنا للاعتقاد بأن قصورا في الدورة الدموية في أنسجة العظام أضعفها»، واستبعد فريقا الكشف «أن يكون الثقب في الجمجمة يعود لحادث قتل، لأن هذا الثقب كان يستخدم في التحنيط لسكب السائل داخل الجمجمة».
وأجري هذا التشخيص بعد أن أظهرت التحاليل الجينية سلسلة من التشوهات لدى عائلة توت عنخ آمون، بينها مرض كوهلر الذي يدمر الخلايا العظمية، وكان الفرعون الشاب يعاني من تشوه ولادي في القدمين يعرف باسم «التفاف القدم» أو «حنف القدم»، حيث يكون فيه كعب القدم وأصابعها معقوفة إلى الداخل.
وكشفت تحاليل الحمض النووي عن وجود ثلاث جينات متصلة بطفيلية المتصورة المنجلية التي تسبب الملاريا لدى أربع مومياوات، من بينها المومياء العائدة لتوت عنخ آمون.
وأوضح حواس أن «ما عثر عليه في مقبرة توت عنخ آمون يعزز هذه الفرضية بما في ذلك أكثر من 130 عصا بينها واحدة كتب عليها أنه صنعها كصيدلية لحياته الثانية»، مشيرا إلى أن «هناك مناظر لتوت عنخ آمون تصوره وهو يرمي في السهام جالسا، وهو يحمل العصا ويسير وراء زوجته، وهو يتكئ على عصاه».
وأوضح حواس أن «مومياء أحد الجنينين اللذين عثر عليهما في مقبرته يبلغ من العمر 9 أشهر، وهي مومياء لطفلة تبين أنها ابنة توت عنخ آمون، لكننا لم ننجح حتى الآن في إجراء التحليلات الكافية على الجنين الثاني البالغ من العمر 5 أشهر لسوء حالتها، وهي لصبي ولكننا سنستمر في البحث ويتوقع أن تكون أيضا لابنه». واعترف حواس بأنه رغم الكشف عن «ألغاز الأسرة الـ18 بعد الكشف عن مومياء الملكة حتشبسوت، وفيما يعد أهم الاكتشافات بالعثور على مومياء إخناتون وأم توت عنخ آمون، إلا أنه ما زالت هناك ألغاز كثيرة قد يجيب عنها العثور على مومياء الملكة نفرتيتي صاحبة التمثال الشهير المتنازع عليه بين مصر وألمانيا ومومياء زوجة توت عنخ آمون، عنخ اسن آمون.
|
مومياوات الملكة تي جدة توت عنخ آمون ووالده أخناتون |
وحول أهمية هذا الكشف قال الدكتور أشرف زكريا، مدرس الآثار الفرعونية بكلية الآداب جامعة المنصورة، إن تحليلات الحامض النووي لها تأثير إيجابي كبير على سد الثغرات التاريخية وفك الكثير من الأسرار التي تخص العصور التاريخية أو عصور ما قبل الأسرات، مشيرا إلى أن توت عنخ آمون كان معروفا أنه من الأسرة الإخناتونية، لكن لم يثبت أنه ابن إخناتون المباشر إلا عبر تحليل DNA.
وبحسب زكريا فإن تصميم مقبرة توت عنخ آمون باحت بالكثير من المؤشرات الدالة، فهي تخلو مثلا من الممرات الحجرية المنحوتة، وتمت الاستعاضة عن ذلك بالمقصورات الخشبية المتداخلة، وهو ما يدل على أن الملك الشاب مات خلال فترة قصيرة وفي سن مبكرة، ولم يكن هناك وقت لتدشين مقبرة تليق بمكانته، لكن التحليلات الحديثة تمنح معطيات ونتائج أكثر دقة من مجرد الاستنتاج والملاحظات المباشرة. وفي السياق ذاته، ثمنت الدكتورة علا العجيزي، أستاذ اللغة المصرية القديمة بكلية الآثار جامعة القاهرة، الاعتماد على التقنيات الحديثة خاصة تحليلات الحامض النووي في فك أسرار المومياوات، لافتة إلى أنه في فترات سابقة تم جمع أعداد كبيرة من المومياوات في أماكن واحدة خشية سرقتها، وأدى هذا الجمع إلى خلط شديد بينها، والاعتماد على تلك التقنيات يعيد الأمور إلى نصابها.
ونفت العجيزي الانتقادات الموجهة إلى المجلس الأعلى للآثار المصري والتي تعترض على كثرة التجارب على المومياوات، لأنها تؤثر سلبا على حالتها، وقالت إن شعرة واحدة من المومياء تكفي للتحليل، وإثبات النتائج.
وطالبت العجيزي بإنشاء بنك جيني للمومياوات الأثرية لزيادة فاعلية تلك التقنية والوصول إلى نتائج أكثر ثراء.