مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 الشرق الاوسط .. سيناريوهات الحرب
...............................................................

 

الحرب القادمة

 

بقلم : زياد هواش
.....................


الجغرافيا العربية فيها الكثير من نفط الشرق الأوسط , ومن جغرافيتها البرية والبحرية يعبر الكثير الباقي منه إلى أعالي البحار . كانت حرب العام 1948 , حرب إقامة الكيان اليهودي في فلسطين افتراضيا , وحرب تثبيت القاعدة اللوجستية إسرائيل , توصيفا علميا دقيقا , كقاعدة لحماية النفط العربي والإقليمي والعروش المرتبطة به . كانت حرب العام 1956 حرب انتقال ملكية هذه القاعدة الاستعمارية اللوجستية , من التابعية البريطانية الأوربية , إلى التابعية الأمريكية . الحقيقة أنها كانت استكمالا للحرب الكونية الثانية , بمعنى انقضاض أمريكا على إرث الحلفاء الاستعماري وتصفية وجودهم في الشرق الأوسط كله . كانت حرب العام 1967 , حرب معقدة الارتباطات إقليميا ودوليا , ولكنها كانت بداية العمل الأمريكي الاستراتيجي لإخراج السوفييت من منطقة الشرق الأوسط في واحد من أهم أهدافها , وفق آليات وقواعد اللعبة الدولية الثنائية المسماة الحرب الباردة . صمود النظام في مصر وصلابة بنيته الأمنية والسياسية والجماهيرية أفشل تماما تحقيق هذا الهدف .

كانت حرب العام 1973 , حرب أكثر تعقيدا إقليميا ودوليا , وكانت أيضا وفق آليات وقواعد اللعبة الدولية الثنائية المسماة الحرب الباردة . جاءت بعدما تم تثبيت قواعد النظام السياسي الجديد في مصر , والذي نجح في إخراج السوفييت من أرض العمليات .جاءت هذه الحرب لتثبت ونهائيا النظام الجديد القائم على معادة السوفييت والتكامل اللوجستي مع إسرائيل , ولتخرج السوفييت ونهائيا من مصر قاعدة استنادهم اللوجستية في أفريقا . كانت حرب العام 1982 , مواجهة مباشرة بين الأمريكان والسوفييت , عبر سوريا وإسرائيل , على أرض لبنان .

هذه الحرب تحديدا , هي الحرب الشرق أوسيطة النفطية الأكثر تعقيدا على الإطلاق . وهذه الحرب ترتبط بالتغيير الحاد على الأرض في منطقة الشرق الأوسط متمثلا بانهيار نظام الشاه في إيران . وهو الانهيار الذي كان فاتحة لتراجع أمريكي وإسرائيلي تابع له , في هذه المنطقة النفطية شديدة الحيوية تصاعديا . وخسارة السوفييت لمصر , وخسارة الأمريكان لإيران , مشهدين متلازمين في العمق الاستراتيجي .

نجح الأمريكان في هذه الحرب في إخراج السوفييت من لبنان عبر قصفهم المركز لقواعدهم في الشمال والبقاع .فشل الإسرائيليون في الوصول إلى حسم عسكري يفتح طريق دمشق أمامهم سواء عبر فرض سلام على سوريا , أو عبر إسقاط النظام كخيار محتمل . وكان التطور الدرامي الأكثر أهمية , هو دخول إيران الثورة الإسلامية من بوابة هذه الحرب تحديدا , وبرعاية سوفييتية سورية مشتركة , وهذا ما غير قواعد اللعبة الإسرائيلية في لبنان , مرة واحدة , ودفعة واحدة , والى الأبد .

حرب العام 1982 , لها أعماق وأبعاد وتداعيات وآثار ونتائج تعادل الحروب العربية الإسرائيلية السوفييتية الأمريكية السابقة كلها .
وليست حرب تموز صيف العام 2006 على لبنان , إلا الرد المتأخر للغاية على الفشل الإسرائيلي الكبير في صيف ذلك العام المفصلي , عام 1982 .
وهذا الرد الأكثر فشلا بما لا يقارن , فرض فرضا أمريكيا على إسرائيل على وقع تداعيات , ما كان , وما لا يزال , يجري عسكريا مباشرا , على أرض العراق والباكستان وأفغانستان .

وبالمقياس العملياتي نفسه , قد لا تكون هناك أبدا حرب إسرائيلية ثالثة على لبنان , إلا إذا احتاجها الأمريكي لتغطية فشل كبير في أفغانستان , أو انهيار كبير في الباكستان , أو تحول حاد في الوضع اللوجستي المعقد في حوض البحر الأسود , أو تدخل عسكري خاطف في حوض بحر قزوين .
وهذه الاحتمالات كلها على ذات الدرجة من قابلية التحول إلى واقع .
كانت حرب الفوكلاند / المالوين بين بريطانيا والأرجنتين , حرب أمريكية على حليفين استراتيجيين لفرض هيمنة نهائية عليهما , ولتوجيه رسالة قذرة لقارتين بكاملهما , أوروبا الغربية وأمريكا الجنوبية .

كانت حرب يوغسلافيا , حرب أمريكية مباشرة وقذرة , على دولة موحدة وشعب واحد وأمة قائمة بقوة الشرعية , وتمزيقها بتلك الطريقة البشعة , ورسالة أمريكية شديدة الوضوح لأوروبا منطقة اليورو تحديدا , لاحتواء تداعيات ولجم إمكانيات اتحاد اقتصادي مقلق .

وحتى حرب غزة , التي فشلت إسرائيل في تحويلها إلى بوابة عبور لمشهد سياسي فلسطيني يسمح بتجاوز فذلكة المفاوضات وعبثية السلام المفترض .والتي أراد منها الأمريكان , أن تكون جسر العبور من إدارة جورج بوش إلى إدارة أوباما , على خلفيات بدأت تتكشف , وأبعاد بدأت تتوضح ملامحها .
حتى هذه الحرب تشير إلى حجم التعقيدات والتداخلات والتقاطعات , في منطقة الشرق الأوسط , إقليميا ودوليا .حتى تفجيرات الأنفاق في العاصمة اللندنية , كانت رسالة أمريكية إرهابية لأوروبا كلها , وتهديدا بفتح جحيم الإرهاب عليهم , الإرهاب الإسلامي المنظم بقيادة لانغلي , لجرهم عبر قيد الحلف الأطلسي إلى الحروب الاستعمارية القذرة التي تشنها أمريكا عبر العالم بذرائعها الغرائبية العبثية المخادعة .

حتى الوضع الإنساني الكارثي في هايتي , وبغض النظر عن أسباب الزلازل , تشير بوضوح إلى استعداد أمريكي دائم لتحويل أي وضع عبر العالم إلى توظيف استعماري مباشر .

الشرق الأوسط النفطي , لا يزال يتعرض ومنذ خمسينيات القرن الماضي إلى هجمة أمريكية استعمارية نفطية شرسة .شكلت فيها إسرائيل قاعدة لوجستية رئيسية وحقيقية , وقاعدة أمنية هائلة الإمكانيات ضعيفة المردود والنتائج , بل هزيلة .

وبالرغم من تغيرات كونية حادة , قد يكون أهمها زوال الاتحاد السوفييتي , وأكثرها إثارة للقلق قيام منطقة اليورو الاقتصادية , وأكثرها تحديا عودة الحياة إلى روسيا الأرثوذكسية المقدسة , وأخطرها النمو الاقتصادي الهائل للعملاق الصيني .

ولكن السياسة الاستعمارية الأمريكية , يسمونها اقتصاد امبريالي أو عولمة أو رأسمالية عابرة لا فرق , لا تزال , ولأنها لا تستطيع التحول أو التوقف أو الاستدارة أو حتى الالتفاف . لا تزال هذه السياسة الأمريكية تتمدد أفقيا أمنيا , ودولارا ورقيا اقتصاديا عموديا .

قاعدة الهيمنة الأمنية تتوسع , وطباعة الدولار الورقي تتسارع , ونقاط الضعف الأمريكية تتحول إلى مساحات تخلخل تتوسع , والتخلخل يقود إلى الفراغ , والفراغ يقود إلى الكارثة القادمة على الجميع عبر العالم .
الأزمة الاقتصادية الكونية المستمرة , كانت بطريقة ما , آخر مرحلة وقود من مراحل الصعود الصاروخي للدولار الورقي .

هل سيستطيع الدولار أن "يستقر ويستمر" في مدار اقتصادي , يبدو هذا الأمر شبه مستحيل .إذا العالم كله يتجه إلى حرب كونية ثالثة في المحصلة النهائية لكل هذا المشهد الكوني السياسي الاقتصادي الأمني الإعلامي المعقد والمتهالك والشديد الابتذال .بالضرورة كل حرب في جغرافية الشرق الأوسط النفطية , يشعلها الأمريكي ويكون للإسرائيلي فيها دورا ما .ولكن ليس بالضرورة أن يكون لهم سيطرة على تطور مسارها وتداعياتها , أو حتى على توقيت إيقافها .

بل من المنطقي أن نقول أن أي حرب يحتاج لإشعالها الأمريكي من ضمن آليات واقع اقتصادي أمريكي شديد الفساد وهائل التضخم , يستطيع الأمريكي أن يشعلها , ولن يترد , ولا يملك أي خيار .

ولكن من المنطقي أكثر القول أن هذا المسار الحتمي , هو مسار انتحاري , ولن يصل بالأمريكان وربما بالعالم كله إلا إلى الكارثة .

ليس هناك سيناريوهات حروب في منطقة الشرق الأوسط .

هناك واقع اقتصادي أمريكي شديد التعقيد , متغلغل في كل مفاصل الاقتصاد الكوني , هذا الواقع الاقتصادي الأمريكي دخل مرحلة التخلخل وهو يتجه إلى حالة الفراغ , هذا يعني حرب كونية .

الحرب الكونيه هي المحصلة الطبيعية لرحلة الألف حرب التي اندفع فيها الاقتصاد الأمريكي العسكريتاري بعد مسرحية "بيرل هاربر" . وقد وصلت إلى آخر وأخطر مراحلها , بحتمية تلاشي قوتها الدافعة بعد أكثر من خمسين عاما من الاندفاعة الخاضعة لمعايير الفردية المفرطة .

قد يكون السيناريو الإعلامي المطروح , هو سيناريو الحرب على إيران .
ولكن الحرب على إيران عملية غاية في التعقيد , وخصوصا لوجستيا .
كنا سابقا قد وضعنا معيارا ساذجا إلى حد ما , لإطلاق هكذا حرب , في وجود الأجانب في دول الخليج العربي , ولكن الأزمة المالية العالمية أفرغت الخليج من هذا المؤشر السطحي .

بكل الأحوال يبقى احتمال الحرب على إيران موضوعا يحتاج إلى مقدمات دقيقة , وهو موضوع مؤجل إلى قرب انتهاء فترة الرئيس نجاد في أقرب توقيت احتمالي له .

والاهم انه سيبقى مرتبطا , بالواقع على الأرض في أفغانستان , والواقع الأمني للنظام النووي في الباكستان .

وهي عوامل قد تدفع إلى هكذا حرب , وقد تؤجلها , في الوقت عينه .
في حين تبقى قضية توجيه ضربة جوية إسرائيلية محدودة لإيران , عمل انتحاري إسرائيليا , وقائم على أرضية وحيدة , أرضية رغبة أمريكا بإحداث صدمة في الستاتيكو القائم على الأرض , تقود إلى طرح معايير جديدة في الشرق الأوسط .

وهو موضوع مؤجل أيضا , إذ لا مقدمات تشي بالحاجة إلى صدمة , وخصوصا أن الاستقرار السياسي في حوض البحر الأسود قائم .

يبقى هناك احتمال بعيد , في أن تضرب إسرائيل إيران , بغض النظر عن النتائج , بقرار أمريكي سريع وحاسم .

ويرتبط هكذا قرار , وفقط , بهبوط حاد في قيمة الدولار الورقي , أو ضغط حاد عليه , عندها سيتجه الأمريكان إلى صدمة ما , في مكان ما , من الجغرافيا النفطية , وليس بالضرورة إيران .

الشرق الأوسط هو النفط , والنفط هو روح أمريكا , حياتها وموتها .
فتش عن النفط , فتش عن الحروب والكوارث , فتش عن أمريكا .


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية