مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 إنقاذ القرية المصرية.. ضرورة حتمية
...............................................................

بقلم: عبدالعزيز السباعي صالح
...................................


حتى وقت قريب كنا نسمع أحد الأشخاص وهو يقول لمحاوره "حط في بطنك بطيخة صيفي" ويقصد "اطمئن".. الآن –بعد استخدام المبيدات السامة والكيماويات الضارة والبذور المريضة- تحول البطيخ من رمز للأمان والاطمئنان إلى أحد مسببات القيء والإسهال والإصابة بالمرض اللعين "السرطان" والعياذ بالله!!
غير أن البطيخ الصيفي ليس المحصول الوحيد الذي فقد دلالته الرمزية في حياتنا فقد سبقه الأرز ولم يعد الناس يشبهون الشيء المتوافر الرخيص بأنه "زي الرز" بعد أن ارتفعت أسعاره واختفت أصنافه الجيدة.. وما يقال عن الأرز ينطبق أيضاً على الليمون، كما أنه لم يعد من المنطق تشبيه الخدود المتوردة بالتفاح بعد ظهور أنواع منه صفراء وخضراء وباهتة.

هذا وقد أكد كثير من الباحثين أن الأدبيات الشعبية –وعلى رأسها الأمثال والأقوال المأثورة والعبارات التي تتردد كثيراً على الألسنة- تعبر عن ثقافة المجتمع، وغيابها يحمل دلالات مؤكدة على تغير ظروف المجتمع ككل نتيجة تبدل سلوكيات أفراده.. وما يهمنا في هذا السياق أن تغير الأنماط الزراعية يؤثر بالضرورة على معيشة المزارعين أنفسهم، فالمسألة هنا لم تتوقف عند تهجين أحد النباتات أو استخدام مبيد ضار بالصحة العامة أو سماد غير طبيعي له آثار جانبية، بل المثير للقلق هو امتداد هذه الآثار إلى مستوى معيشة الفلاح المصري وكفاءته الإنتاجية ومدى إسهامه في الاقتصاد القومي وبالأخص قدرته على توفير احتياجاته ومتطلبات من يعولهم. ولم يعد يخفى على أحد ما لحق بالزراعة المصرية من تدهور وانهيار علماً بأن الزراعة هي الحلقة الأولى والأهم في منظومة الإنتاج فهي بداية العمران وعموده الفقري ومنها تتفرع الأنشطة والمهن والتخصصات والصناعات. ودون مبالغة فإن القرية المصرية التي كانت وما زالت تمد الحضر والعاصمة بالعقول المبدعة والطاقات الخلاقة والأيدي العاملة إلى جانب المنتجات الزراعية تتعرض في الوقت الراهن لخطر التدمير ومسخ الهوية وتغيير الأنماط المعيشية والأخلاقيات التي اشتهرت بها على مدى تاريخها الطويل. وهذا الخطر ظهر تأثيره في غياب الترابط والتلاحم والتآلف والتراحم بين أفرادها ولا أدل على ذلك من انتشار الجمعيات الخيرية بشكل ملحوظ إضافة إلى اعتماد أهالي القرى في توفير كثير من احتياجاتهم الغذائية على السلع المستوردة المعروضة في المدن.. ومن عجائب الأمور أن يشتري فلاح اليوم لحوماً مجهولة المصدر لا يمكن التأكد من سلامتها وصلاحيتها لإطعام الآدميين، ناهيك عن كيفية ذبحها ومطابقتها للشريعة وما إذا كان أكلها من المحرمات!!

الفلاح الذي كان ينتج ما يكفيه ويزيد عن حاجته من الغذاء بالأساليب البدائية البسيطة يعجز الآن في ظل التقدم العلمي وتوافر المعدات الحديثة عن توفير حاجته من الغذاء الضروري!!
أما عن انتشار الجمعيات الخيرية ودوافع تواجدها فإن ذلك يدل دلالة قاطعة على تفشي الفقر والمرض بين جموع الفلاحين وإن كانت هذه الجمعيات تقدم علاجاً مؤقتاً أشبه بالمسكنات فإن هذا لا يكفي بالطبع بل يستوجب أن يعمل جميع المخلصين من أبناء الوطن بجدية من أجل الوصول إلى حلول فعالة لهذه المشاكل بالقضاء على مسبباتها واستئصال جذورها.. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، عندما جاءه سائل فلم يكتف بالتصدق عليه بل حرص على إرشادنا إلى ضرورة توفير فرصة حقيقية للكسب الحلال بأن اشترى له قدوماً وأمره أن يحتطب ويبيع لينفق على نفسه وأهله. من هنا لا يجوز التعامل مع مشاكل الفقر والمرض على أنها واقع مقبول يمكن التعايش معه بل لا بد من العمل الجاد لتقديم الحلول الجذرية لكل ما يقابلنا من مشاكل وذلك باتباع منهج واضح يعتمد على الوقاية وليس الاكتفاء بالعلاج المؤقت فالوقاية –كما قالوا قبلنا- خير من العلاج والوقاية تهدف إلى منع وقوع المشاكل والأزمات عكس العلاج الذي يكتفي بمحاولة التغلب على آثارها.

لا بد والحال هكذا من وقفة واعية وأمينة مع أحوال القرية المصرية "عصب الوطن" وذلك بدراسة مشاكل الزراعة والعمل على القضاء عليها مع الاهتمام بالمزارع وظروف معيشته وبيئته.
المفارقة الخطيرة هنا تكمن في أن الحلول الكفيلة بالقضاء على كل هذه المشاكل موجودة وكثيرة ومطروحة على الرأي العام ولا ينقصها إلا صدق الإرادة لتنفيذها على أرض الواقع، من هذه الحلول المنطقية الفعالة ترشيد الاستيراد خاصة من السلع التي يمكن زراعتها في مصر لحماية المنتج المحلي ومساعدة المزارعين على الاستمرار في الزراعة والتوسع فيها وتشجيعهم على استصلاح الأراضي.. أما الاستمرار في الاستيراد الأهوج بهذه الوتيرة فإنه يغرق السوق المحلية ويتسبب في خسائر فادحة للمزارع المصري وهذه الحقيقة أكدها وزير الزراعة السابق أحمد الليثي عندما اتهم وزير التموين بدعم المزارعين الأجانب على حساب المصريين مدللاً على ذلك بقرار وزير التموين الخاص باستيراد القمح في حين ترفض وزارته استلام القمح من الفلاحين، وأكد الليثي أيضاً أن قرار وزير التموين تسبب في تلف كميات كبيرة من محصول ذلك العام كانت مخزنة لدى المزارعين بعد رفض مخازن وزارة التموين استلامها بحجة عدم وجود أماكن لتخزين القمح (كانت النتيجة الإطاحة بالليثي في أقرب تشكيل وزاري)!!

ومن الحلول الناجحة أيضاً التوسع في استصلاح الأراضي القابلة أصلاً للزراعة وإتاحة تمليكها لكل من يرغب في ذلك ويقدر عليه بالتيسيرات التي يتمتع بها كبار رجال الأعمال والمستثمرين مع توفير المرافق والخدمات اللازمة للحياة حتى تختفي مشاكل شباب الخريجين وصغار الملاك من ندرة مياه الري وملاحقة بنوك التسليف والعجز عن تسويق المنتجات..

الحلول كثيرة بالفعل لدرجة لا يتسع المجال هنا لسردها تفصيلياً، ويكفي الإشارة إلى تصفية مشروع البتلو بالإسماعيلية مما تسبب في ارتفاع أسعار اللحوم من سبعة جنيهات في أواخر الثمانينيات إلى ما وصلت إليه الآن ناهيك عن عجز المنتج المحلي عن تلبية الطلب المتزايد ولجوء المصريين لذبح الحمير واستيراد اللحوم "المجمدة" مجهولة المعالم من أثيوبيا والسودان ومن الهند والبرازيل وغيرها من البلدان.. وهناك أيضاً من الحلول التي تحتاج إلى إرادة حقيقية الاقتراح الذي تقدم به العالم المصري الكبير د.فاروق الباز منذ سنوات طويلة مدعماً بالدراسات المستفيضة وصور الأقمار الصناعية لتسهيل إقامة تجمعات سكنية وزراعية وصناعية خارج الدلتا المزدحمة مما يسهل نقل المنتجات من أدنى البلاد إلى أقصاها في سرعة وسهولة ويسر.

هذه مجرد أمثلة تثبت للمتابع أننا بالفعل أمام واقع مأساوي يحتاج التغلب عليه أو التصدي له إلى تضافر كل الجهود لإنقاذ الفلاح المصري والقرية المصرية بل إنقاذ الوطن ذاته من خطر التخريب المتعمد مع سبق الإصرار الذي يخطط له الحاقدون لصوص الجغرافيا أدعياء التاريخ والذين وقعوا في حبائلهم وبراثنهم من محدودي الوعي ومعدومي الضمير.

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية