مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 قراءة غير برئية فى خطاب اوباما تناقض بين الكلمات و الافعال
...............................................................

محمود طرشوبي
.....................

يعطيك من طرف اللسان حلاوةً *** ويَروغُ منك كما يَروغُ الثعلب

لم يكن اختيار أوباما لبدء صفحة من العلاقات مع بلاد العالم الاسلامى عشوائباً فقد انطلق من اسطنبول عاصمة دولة الخلافة العثمانية لمدة اربع قرون كانت فيها الدولة الاولى فى العالم و الذى وقفت سدا منيعا امام سيطرة اليهود على فلسطين مروراً بأرض الحجاز مهد الاسلام و حيث قبلة المسلمين جميعاً , ثم أرض الكنانة رأس الحربة فى النزاع العربي الاسرائيلى لم يختار هكذا خبط عشوائى ، بل إنه يدرك تماما تأثير هذه المحطات الثلاثة فى بلاد العالم الاسلامي , إن الغرب بزعامة امريكا يدركون مراكز القوة عندنا أكثر مما يدركها كثير من المسلمين، فهم يدرسون تاريخنا، ويدرسون ديننا، ويُدركون مواطن القوة عندنا، وخصائص الخير التي تحملها أمتنا، وليس صدفة أن يذكر أوباما الآية الكريمة ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) فيقف عند تعارف الشعوب، ولا يبرحه إلى تكملة الآية (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، فلا يذكر التقوى التي تجعل الأمة الإسلامية هي الأكرم والأعز، وتجعل أمريكا والغرب هى الأدنى والأذل. هو يدرك ذلك، فجاء إلى هذه البلاد يحمل رسالة إلى المسلمين فى ظاهرها الخير و من باطنها العذاب .
. لقد أستعد النظام المصري لأوباما استقبالا ً يذكرك بايام السلطان العثمانى عنما كان يزور احدى و لاياته , فاستقبله النظام المصري ، استقبال الفاتحين! فمنذ الساعة التاسعة صباحاً حيث حطت طائراته، بل وقبل ذلك، وحالة الاستنفار القصوى في المطار وما حوله لا تتوقف، فانتشرت قوى الأمن، ونثرت صنوف الزينة، احتفاءً برئيس أمريكا، ، التي لا زالت جيوشها تضرب فى بلاد المسلمين سواء في أفغانستان أو باكستان أوالعراق...
لقد تزينت القاهرة و شرعت ابواق النظام تعلن النصر و التحرير للمسلمين و ان كل مشاكل العرب قد حلت وكان استقبله موكباً حافلاً، يحف من حوله وأمامه ومن جانبيه، فرسان الشرف "الخيالة"، والسيارات الفارهة المرافقة، والموسيقى...، ثم استقبله رئيس النظام المصري على أبواب قصر القبة، مرحباً ومكرِّماً... ومن ثَمَّ إلى جامعة القاهرة ليعتلي منبرها ويخاطب المسلمين!
وعلى الرغم من أن خطابه لم يختلف من حيث المضمون عن السياسة العامة للرئيس الأمريكي السابق والأسبق، سواء أكان ذلك في موضوع حروب أمريكا على بلاد المسلمين، أم في موضوع قضية فلسطين، والعلاقة الوثيقة بكيان يهود، أم في موضوع السلاح النووي، أم في غيرها من قضايا هامشية وغير هامشية، فإن خطابه لم يخرج عن تحقيق مصلحة أمريكا أولاً وآخراً، محاولاً استقطاب الرأي العام الإسلامي لـ "هضم" حروب أمريكا في بلاد المسلمين.

ومع ذلك فإن خطابه من حيث الشكل كان يمتاز بنعومة خادعة فاقت من سبقوه، ولكن فقط فيما هو لا يتجاوز العلاقات العامة، مما يوجد استماعاً لقوله بسبب إتقانه فن الخداع والتضليل ( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ). هذا فيما هو لا يتجاوز العلاقات العامة، أما فيما هو ذو مساس بالقضايا الحساسة، ذات الشأن والوزن، فقد كان الخطاب حاداً لاذعاً، مُظهرا دون خفاء عداوتَه لقضايا المسلمين .
فهو بدأ، أول ما بدأ، يهدد ويتوعد من سماهم المتطرفين "الإرهابيين" في أفغانستان وباكستان، وأنه لن يتسامح معهم، وأنه يحرض الدول على حربهم، ويفتخر بأنه جمع ستاً وأربعين دولة تقاتل معه في أفغانستان! ولا يقتصر عليها، بل هو يقصف باكستان مباشرة وغير مباشرة، ولا يرى في ذلك بأساً، بل يعُدُّه قتلاً "شريفاً" للنساء والأطفال والشيوخ، حيث قد أصبحت هذه ظاهرة في أفغانستان يبررها جند أوباما بالخطأ غير المقصود!! وإلا فهم يقصدون المتطرفين، وبطبيعة الحال فأوباما يعدّ المسلم المتمسك بدينه، الذي لا يريد احتلالاً أمريكياً لبلده، أو اغتصاباً يهودياً لمقدساته، يعدُّه متطرفاً "إرهابياً"!

ومع كل سوء صنيعه، ورغم القتل الوحشي المستمر في أفغانستان وباكستان والعراق، فهو يكرر مقولته التي قالها في تركيا بأنه لا يريد حرباً على الإسلام والمسلمين، فإن الجيش الأمريكي يرتكب المجازر في بلاد المسلمين، ويشن حرباً ضروساً ضد المسلمين في الليل والنهار، ففى اليوم الذي كان يلقى خطابه من القاهرة كان مبعوثه الرسمى هولبرك فى باكستان للاطمئنان على حملة الجيش الباكستانى فى وادى سوات , متظاهراً بالعمل الانسانى بمحاولته طلب 2,8 مليار من اجل النازحين بسبب المعارك الى اشعلها اوباما فى باكستان .
و ليس من العجيب ان يكون خطابه العاطفى متناقضاً تماما مع افكاره و سلوكياته , فعندما انتقل إلى فلسطين في خطابه، صدع بقوة بعلاقة أمريكا الأمنية وغير الأمنية التي لا انفصام لها مع دولة يهود المغتصبة لفلسطين، وأن هذه الدولة باقية في ما اغتصبته وأقامت كيانها عليه، وأنه لا يرضى عن ذلك بديلا! ثم إنه أكد حلَّ الدولتين، أي بإقرار الحق ليهود في معظم معظم فلسطين، مقابل شيء هزيل، هذا يسميه دولة لأهل فلسطين. ثم أثار مشاعر السذج من الناس بأنه يريد وقف الاستيطان، أي ليس إزالة المستوطنات، بل وقف الجديد منها، بعد أن لم يبق مكان يراه كيان يهود صالحاً أمنياً لكيانهم إلا وأقاموا فيه قلعة وحصنا! وحتى هذه التي أراد وقفها، فقد اشترط لها وقفاً لأي مقاومة لعدوان يهود، مذكِّراً ومؤكداً خارطة الطريق الفاشلة !

و بعد انتهاء زيارته لمصر ذهب الى المانيا وهناك دعا فى مؤتمر صحفى ، مع ميركل الفلسطينيين والدول العربية إلى «خيارات صعبة» عبر تقديم تنازلات لإسرائيل، مؤكداً أن الرئيس الفلسطينى محمود عباس «أبومازن» "أحرز بعض التقدم «ولكنه ليس كافياً».
وقال أوباما: «إنه متفهم جداً لتعرض رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو لضغوط سياسية بشأن طلب واشنطن وقف الاستيطان اليهودى فى الضفة الغربية»، وأكد ثقته فى إمكانية تحقيق تقدم جاد فى عملية السلام فى الشرق الأوسط العام الحالى، مشيراً إلى أنه على الفلسطينيين أن يحسموا القضايا التى تخصهم وإلا ستجد إسرائيل صعوبة فى تحريك عملية السلام فى الشرق الأوسط قدماً .
و لست اعرف ماهو التنازل الذى يطلبه اوباما من الفلسطنين , لم يبقى مع اهل فلسطين شئياٍ لكى يتم التنازل عنه , فالارض قد سلبت و الديار قد سكنت , و الشعب الفلسطينى جزء فى المخيمات و جزء فى الشتات , و الاقصى بيد اليهود , حتى حدود 67 تملاؤها المستوطنات . و فى اليوم الثالث لزيارته للقاهرة , يعلن تأجيل نقل العاصمة الامريكية من تل ابيب الى القدس لمدة 6 اشهر , وليس الغاء النقل تماشياً مع لغة خطابه و لكنه لايستطيع تحمل غضب بنى اسرائيل .
ثم يُعَرِّج في خطابه على السلاح النووي، ويركز على إيران، وأنه يريد الشرق الأوسط خالياً من الأسلحة النووية، والحيلولة دون سباق التسلح النووي فيه، ولا يذكر كيان يهود بشطر كلمة، وهو يعلم أنها دولة نووية!


ومع كل ما ورد في خطابه من تحدٍّ لقضايا المسلمين، فقد صفق له اذناب النظام المصري الحاضرون 14 مرة سواء اكان حقا ام باطل ليبدو المشهد وكأن هناك قبولاً من أهل مصر للسُّم الذي ينفثه أوباما في خطابه.

إن هذا التصفيق الزائف كان واضحاً لكل ذي عينين، وإلا فكيف يُصفَّق لمقولته في حل الدولتين؟ وهل يرضى مسلم، ناهيك عن أن يُصّفق، بقسمة الأرض المباركة، أرض الإسراء والمعراج، بين أهلها ومغتصبيها؟!

وكيف يصفَّق له وهو يُحرِّف الكلم عن مواضعه، فيشير إلى الآية الكريمة ( مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)، متوجهاً بها لما سماهم المتطرفين من المسلمين، مع أن الآية نزلت أول ما نزلت في بني إسرائيل، ولكن أوباما يرى دفاع المسلم عن دينه وأهله، وقتاله للمعتدين عليه، يراه بذلك قَتَلَ الناس جميعا، ولا يرى كيان يهود الذي قتَل الناس، واغتصب أرضهم، وشرَّدهم من ديارهم، وانتهك الحرمات والمقدسات، وفسد وأفسد، لا يرى قتله لهذه الأنفس قتلاً للناس جميعا، بل ولا يرى مجازر أمريكا للمسلمين قتلاً للناس جميعا، (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا).

وكيف يُصفَّق له وهو يُعلن أن المشكلة ليست في الاستيطان، بل في الاستمرار في الاستيطان، فهو الذي ليس شرعياً!

ثم كيف يُصفَّق له وهو يُعلن القدس أرضاً سلطتها مشتركة بين اليهود والنصارى والمسلمين؟ وبطبيعة الحال كل ذلك في القدس المسمى "شرقية" وليس في تلك المسمى "غربية"!
إن ذلك التصفيق كان واضحاً زَيفُه، ولم يستطع النظام إتقان إخفائه، على الرغم من أنه أعدّ المسرح لأوباما إعداداً ظنه يجّمل وجهه، ويُظهره فارساً سمحاً عدلاً، وفي الوقت نفسه يغطي عورة النظام المصري بتبعيته لأمريكا ، لدرجة الحياد في نظرته لفلسطين بين كيان يهود المغتصب لفلسطين وبين أهل فلسطين، بل جاوز الحياد إلى الانحياز إلى كيان يهود!
غير أن أوباما إن كان ذكياً فطناً، كما حاول أن يظهر في خطابه، فعليه أن يدرك أن الذين استقبلوه سواء فى السعودية او مصر هم الانظمة الذى صنعها و ليس الشعوب , فان هذه الانظمة لا علاقة لها بشعوبها فهى تحكمه بالحديد و النار و المعتقلات فى مصر و السعودية شاهدة على ما أقول .

وعليه أن يدرك أيضاً أن السياسية الهادئة , و الالفاظ الناعمة بدون افعال تساندها لن تذهب بعقول المسلمين، وأن التصفيق الذي سمعه ليس إلا عملاً وظيفياً يؤديه عملاء الأنظمة التي استقبلته.

 

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية