مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 الأفذاذ الأربعة
...............................................................

بقلم: محمود الفقي
.................

محمود الفقي

أرجو بَدءة ذي بَدء منك يا قارئي - أصلحك الله - أن تتفرغ من كل ما بيديك من شغل وأن تحتسب معي هذه الدقائق كيما تتعرف على أعلام ظلمهم الإعلام وعاشوا خاملين فكانوا جنودا مجهولين في الدفاع عن تراث الإسلام وحضارته في عصرنا الحديث. في كتاب "مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي" للدكتور محمود الطناحي التلميذ الأثير للعلامة محمود شاكر وأقرب خلصائه إليه (وتلميذ أبي زهرة وحسن عباس وعبد السلام هارون وعالم المخطوطات محمد رشاد عبد المطلب) اخترت لك يا قارئي ما أسماه كاتبنا الكبير بالمرحلة الرابعة وهي مرحلة الأفذاذ الأربعة الذين بذلوا مجهودا عظيما للدفاع عن تراث الإسلام ونشره. بدأها العلامة المحدث أحمد شاكر بتحقيقه كتاب الرسالة للشافعي في عام 1358 هـ 1939م عن أصلٍ بخط الربيع بن سليمان صاحب الشافعي وقد وضع له الشيخ فهرسا لغويا هائلا حيث يقول عن الشافعي:" الشافعي لغته حجة لفصاحته وعلمه بالعربية ولم يحفظ عليه لحن أو خطأ ولم يدخل على كلامه لٌحنة...." كما حقق جزأين من سنن الترمذي، وأخرج الجزء الأول من صحيح ابن حبان، واشترك مع الشيخ محمد حامد الفقي في إخراج وتحقيق وتهذيب سنن أبي داود. غير أن أعظم ما قام به في رأيي يا قارئي هو تحقيقه لمسند الإمام أحمد فضلا عن مؤلفاته وبحوثه بل واختياراته الفقهية. وما قيل عن أحمد يقال عن أخيه محمود الذي فاق نفسه في تحقيقه لتفسير الطبري وطبقات فحول الشعراء لمحمد بن سلام الجٌمَحيّ وما قام به ابن خاله عبد السلام هارون من تحقيقه لآثار الجاحظ، وأما رابعهم فهو العلامة المحقق السيد أحمد صقر الذي تابع وحقق آثار ابن قتيبة. لقد أخرج هارون على مدار خمسين عاما الحيوان للجاحظ في ثماني مجلدات والبيان والتبيين في أربعة ورسائل الجاحظ في أربعة (وتشتمل على 45 كتابا ورسالة) ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس في ستة مجلدات ومجالس ثعلب في مجلدين وقد نال عنه جائزة المجمع اللغوي بالقاهرة في عام 1950 فضلا عن شرحه حماسة أبي تمام للمرزوقي في أربعة مجلدات والاشتقاق لابن دريد وجمهرة (يعني بلغتنا المعاصرة موسوعة وجمعها جماهر) أنساب العرب لابن حزم وأمالي الزجاجي والكتاب لسيبويه في خمسة مجلدات والأغاني للأصبهاني الجزء الخامس عشر وأجزاء من تهذيب اللغة للأزهري وخزانة الأدب للبغدادي، كما شارك أحمد شاكر في تحقيق إصلاح المنطق لابن السكيت، والمفضليات، والأصمعيات، وشارك في تهذيب إحياء علوم الدين للغزالي، وسيرة ابن هشام، والحيوان للجاحظ، والألف المختارة من صحيح البخاري. وإلى هنا يا قارئي لعلك الآن تدرك عظمة هارون حتى أن أستاذنا الدكتور الطناحي يقول عنه:" لم يخط أحد في التراث سطراً إلا ولهذا الرجل عليه مِنّة (منة هذا اسم ابنتي الحبيبة يا قارئي باركها الله وبارك أمها وأباها) وذلك أنك لا تكاد تجد قائمة مراجع تراثية إلا وفيها كتاب من تحقيقات شيخنا، حفظه الله."

وأما الرابع يا قارئي فهو أولاهم بالترجمة في رأيي أولاً لأنه مجهول برغم علو قامته وعظم نتاجه وثانياً لأنه شيخ شيوخي. وقد بدأ اشتغاله بالتراث في المرحلة الثانوية تخيل عندما أخرج ديوان علقة بن عبَدَة عام 1353هـ 1935 م وقد كان والده عالما أزهريا جليلا وأستاذا بكلية أصول الدين. يقول المؤلف عن العلامة الشيخ السيد أحمد (السيد أحمد اسم مركب) صقر إنه أديب من الطراز الأول ولو أنه أطلق لملكاته الأدبية العنان، لكان من كبار أدباء العربية، ولكنه انصرف إلى تحقيق النصوص، ثم كانت عنايته أخيرا بعلوم الحديث ومصنفاته بعد أن خلت الساحة بوفاة المحدث أحمد شاكر. وهو كما يقول المؤلف من أقدر الناس على تقديم كتاب، وتقويم نص، وتوثيق نقل، وتخريج شاهد، واستقصاء خبر، ثم إن له من وراء ذلك كله علما جامعا بالمكتبة العربية، وإدراكا للعلائق بين الكتب. ومن أراد أن يعرف علم الرجل وبصره فلينظر مقدمته لكتاب تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة وإعجاز القرآن للباقلاني (الذي حصل به على جائزة مجمع اللغة العربية) وحواشيه على أسباب النزول للواحدي، والصاحبي لابن فارس، والإلماع للقاضي عياض. بل إنه قد نقد الشيخ أحمد شاكر في تحقيق الشعر والشعراء لابن قتيبة ونقد أخاه محمود في تحقيق طبقات الشعراء لابن سلام الجمحي. وقد شارك البحاثة المحقق الشيخ صقر أحمد أمين في تحقيق الهوامل والشوامل وهي أسئلة من أبي حيان التوحيدي وأجوبتها لمسكويه. كما حقق مقاتل الطالبيِّين لأبي الفرج الأصبهاني، والموازنة بين أبي تمام والبحتري للآمدي، ودلائل النبوة للبيهقي. ويذكر المؤلف هنا أنه الشيخ رحمه الله كان حوله من يترصده فإذا علم بنيته لتحقيق كتاب أو مخطوطة معينة سبقه إليها فأضاع على الشيخ بعضا من جهده.

 ومن جميل ما قرأت في هذا الكتاب ثناء الدكتور الطناحي على وزير الاقتصاد المصري آنذاك وعشقه للتراث وحبه وتقريبه للعلماء وهو الدكتور حسن عباس زكي ويا ليت وزير التعليم أو الثقافة عندنا الآن يهتم بهؤلاء الأفذاذ كما يهتم بكتب مترعة بالجنس واللامعقول وينشرها على أنها أدب وفكر يستحق الإشادة. ما علينا يا قارئي الكريم بقي لنا أن نتحدث عن العلامة محمود شاكر وهو ما أفردت له بالفعل مقالا كاملا خصصته لدراسة كتابه: رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، وأورد هنا حكم العقاد عليه نقلا عن واحد من خلصاء العقاد وهو الأستاذ أحمد حمدي إمام صديق المؤلف حيث نقل عن العقاد رأيه في كتاب المتنبي الذي ألفه محمود شاكر:" إنه خير ما كتب عن المتنبي، ومحمود على رأس المحققين لأنه أديب فنان." ولا يخفى عليك يا قارئي عمق العلاقة التي ربطت بين أديب العربية الكبير مصطفى صادق الرافعي والعلامة محمود شاكر حيث يقول الورَّاق الشهير حسام الدين القدسي لمؤلف الكتاب إنه سأل الرافعي لما زاره في مكتبه بمعهد المخطوطات في القاهرة عمن يرى أنه خليفته في الكتابة فلم يقل له أحمد حسن الزيات ولا صادق عنبر وإنما قال: محمود شاكر." وقد نافح عن الإسلام والعربية وجاهد طويلا لحمايتهما وهو ما يظهر في كتابته لمقدمته في كتابه الماتع أباطيل وأسمار وما مدحه به صديقه الشاعر محمود حسن إسماعيل. وينتقل المؤلف للتأكيد على كذب الفرية التي أشاعها كثيرون بحدة لسان محمود شاكر حيث يقول إنه صحبه سبع عشرة سنة فلم يجد منه إلا كل رفق ولين وود لكنه كان يحتد فقط عندما تنتهك حرمة من حرمات الدين أو اللغة أو العلم واستدل المؤلف على ذلك بحديث ضعيف أورده الألباني في السلسة الضعيفة وهو:"الحدة تعتري خيار أمتي." وأختم حديثي بتأكيد المؤلف على الصحبة الكبيرة التي كانت بين محمود شاكر ويحي حقي وعبد الرحمن بدوي ممن كانوا يحضرون بانتظام الندوة التي كان يقيمها في بيته الذي كان مأنوسا بالعلم والدين والأدب والفكر الرفيع. أسأل الله تعالى أن ينزل سحائب الرحمة والرضوان على آبائي العظام أحمد شاكر ومحمود شاكر وعبد السلام هارون والسيد أحمد صقر وغيرهم من الجنود المجهولين في تاريخنا وتراثنا وأن يجعلنا ممن يسيرون على دربهم ويهتدون بهدي الله وكرمه في سبيل خدمة ديننا وتاريخنا ولغتنا والله المستعان.

حواش (هذه المرة ابتسامة خفيفة واعذرونا في استخدام العامية لضرورتها في هذين الموقفين):

- بص ياد انت وهو والله (لاحظ القسم) أنا قعدت مع أليكسندر ديماس (لاحظ إن ديماس روائي فرنسي قديم جدا وهو مؤلف رواية الفرسان الثلاثة) مؤلف كتاب إكسيل بتاع الوزارة ده وطلعتله أخطاء عليه وقعدنا مع بعض 8 ساعات متواصلة لحد ما كان بيشر عرق ومش عارف يرد عليه انتوا مفكرين ايه بس هو الواحد اللي مش لاقي حظه في البلد دي.....مدرس أول لغة إنجليزية أيام كنت في المرحلة الثانوية..كم كان والله طيبا ورقيقا وكريما ودمث الخلق.
- كانت هناك - وأنا في الرابعة الابتدائية - معلمة حبيبة إلى قلبي وكلهن كن لنا أمهات. منهن الأبلة ليلى وهاكم هذ الحوار الظريف من أكثر من عشرين عاما:
ولاه! إنت! خد أيوا انت يا أمور يا أبو شعر سايح تعالى يا حبيبي يا نغة. انت بترضع لماضة يا ابني أه وعمال تناكفني وتقرص في ده وتزغد في ده وتاكل سندوتشات العيال الغلابة دول طفحتني وهدّيت حيلي. أصوّت وألم الناس عليه يقولوا هبلة يا ابني ...الله يكون بعون أمك دا انت بعشر تولسون (بلغة أبلة ليلى جمع لسان). عمال تقلد صوت المعزة والكلب والحمار، لا وبتقلد صوت الحمار باقتدار فيه ايه انتو عندكوا حمار: أيوا يا أبلة. عند مين: خالي. خالك؟ لا أنا مش قصدي إني خالي حمار يا أبلة أنا قصدي إن خالي عنده حمار وعنده كمان معزة وكلب عشان كده أنا أقدر أقلد صوت المعزة والكلب. هو حمادة ابن حضرتك فين يا أبلة؟ لا أرجووووك ابعد عن حمادة. وتضحك أبلة ليلى الحنون جدا ملء فمها أسأل الله الكريم أن يبارك فيها أيا ما كانت وتختم حوارها بقولها:
- ربنا يهديك يا حبيبي ربنا يهديك....آمين.

.................................

mfiqy@yahoo.com

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية