مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 لغز الصمت

نهْب مصر

محمد المنسي قنديل
........................

الحديث عن ثروات مصر المنهوبة فى قاع البحر المتوسط لم ينتهِ، ويجب أن لا ينتهى ما دمنا نواجه بهذا الصمت الرسمى المصرى، وهو صمت محيِّر للجميع، أطلقتُ عليه تعبير «السبات المصرى»، لكن الكاتب الكبير فهمى هويدى كتب مؤخرًا عن هذه القضية المصيرية وأطلق عليها «الغيبوبة المصرية»، وهو تعبير أكثر تشاؤمًا، فالسبات تتبعه يقظة، لكن الغيبوبة هى عرض مرضى قاتل قد يتبعه الموت، والأستاذ هويدى، ليس واحدًا من الكتاب المهيِّجين، ففضلا عن آرائه الموضوعية، هو من المناصرين للتيار الدينى، ومن الراغبين بشدة أن نترك له الفرصة لممارسة فرصته فى الحكم، لذا فيجب أن يأخذه نظام الحكم الحالى بمثابة الناصح الأمين، لكنه هنا يصطدم بقضية قومية لا مجال فيها للتحيزات الشخصية، لأنها تخص أمن مصر وثروتها ومستقبلها أيضًا، ولا يثير الصمت لغزًا واحدًا، لكن ثلاثة ألغاز مجتمعة باعثة على الحيرة ومثيرة للحسرة، وعنوانًا على مدى العجز الذى وصلنا إليه.

اللغز الأول هو موقف المؤسسة العسكرية، وبكلمات الأستاذ هويدى فقد وصل إلى علمه موضوع سرقة إسرائيل للغاز المصرى الموجود فى المتوسط منذ أكثر من عام، وأمده أحد خبراء البترول المصريين بعدد من الوثائق المهمة التى توضح أماكن حقول الغاز التى تقوم باستنزافها، ولم يشأ الكاتب إثارة الأمر علنًا، ربما بسبب حالة البلاد المضطربة، لكنه لم يتخل عن واجبه كحامل للحقيقة، وسلم كل ما لديه من أوراق ووثائق إلى المجلس العسكرى، الحاكم الفعلى فى ذلك الوقت، ومن المؤكد أن المؤسسة العسكرية كان لديها معرفة تامة بهذا السطو، لأن حماية حدود مصر من التدخل هى جزء أصيل من اختصاصاتها، ومن المفترض أنها تملك التجهيزات التى تؤهلها لمسح قاع البحر، الجزء الذى يخصنا على الأقل، لكنها ظلت صامتة، وتَوَاصل الصمت حتى بعد أن افتضح الأمر ولم يعد سرًّا عسكريًّا، وبعد أن تغيرت القيادات العتيقة، وانكشف أمر الخريطة غير الدقيقة التى أعدتها عن حدودنا الاقتصادية فى البحر، أصبح الصمت معيبًا، فالأمر لا يحتاج إلى مكابرة، لكن إلى تغيير فى العقلية، والتمسك بثوابت الأمن القومى، فلا يجب التغاضى عن حقيقة أن الغواصات الإسرائيلية تتجول فى مياهنا الإقليمية، وهى لا تخفى ذلك، بل تدعمه بالصور، كما أن الصفقات التى تعقدها لبيع الغاز المصرى لحسابها الخاص معلنة أيضا، ولا يجب التغاضى أيضا عن أن اليونان قد اقتحمت مياهنا وأقامت حقلا لاستخراج الغاز لا يبعد إلا بضع كيلومترات عن مرسى مطروح، لقد تمت ترقية قائد القوات البحرية، وأهديت إليه إدارة مرفق قناة السويس بدلا من محاسبته على تقصيره فى حماية حدودنا البحرية، وهو لغز آخر، لكن غيبوبة القوات المسلحة هو لغزنا الأكبر، وأكثر نقاط الموقف المصرى ضعفًا.

واللغز الثانى هو صمت الرئاسة. ويروى الدكتور نائل الشافعى الذى جاء خصيصًا من الولايات المتحدة يحمل عديدًا من الوثائق عن هذا النهب الإسرائيلى، أنه بعد تسعة أشهر لم يتصل به أحد من المسؤولين، وظل التجاهل سائدًا حتى ليلة سفره، وفى اللحظة الأخيرة تقابل معه اثنان من لجنة الطاقة التابعة للرئاسة، كانا شخصين طيبين، حسنى النوايا، على حد تعبيره، لكن لا شأن لهما بالموضوع، لكن هذا يعنى أن الرئاسة كانت تعلم، وفضّلت الصمت، وفى لقاء تليفزيونى مع مساعدة الرئيس للشوون السياسية، وهى المساعدة الوحيدة وسط جيش من الرجال، أظهرت دهشة مبالغًا فيها، وسذاجة تقارب الجهل بهذا الموضوع، ووعدت فقط أنها ستبلغ الرئيس بهذا الأمر، وتحاول أن تقنعه بمقابلة الدكتور الشافعى الذى غادر البلاد من فرط حنقه ويأسه، لم يكن عليها أن تمثل دور المندهشة، فهى تعلم ونحن نعلم أن الرئيس يعلم، فبحكم موقعه كمسؤول أول فى البلاد، وبحكم خطورة القضية يجب يكون لديه معلومات أفضل منا جميعًا، وكنا بحق نريد منه تصرفًا مختلفًا، فهو ليس كنزًا استراتيجيًّا لإسرائيل، وليست عنده مشروعات للتوريث يسعى لتمريرها، وكل ما نريده أن يتذكر وهو يقوم بإتمام عقد قرض من صندوق النقد الدولى الذى قيمته 4.8 مليار دولار، أن إسرائيل قد عقدت بالفعل صفقة مع الهند تورّد لها الغاز المستخرَج من الأراضى المصرية قدرها 14 مليار دولار، إذا لم يهتز لهذه الأرقام ويخرج عن صمته، فمتى سيهتز؟

هل من المجدى أن نتحدث عن اللغز الثالث، وهو صمت وزارة البترول، الوزارة التى تركنا لها مسؤولية ثرواتنا المعدنية فنهبتها وبددتها برًّا وبحرًا، الجميع يتحدث عن الفساد المستشرى فى هذه الوزارة والمؤسسات التابعة لها، فهى ممتلئة بالشركات الوهمية التى لم تنشأ إلا من أجل أن يستفيد منها أتباع النظام السابق وأولادهم وأقاربهم، عزبة خاصة، المال فيها سائب، وديونها للبنوك متراكمة وفاعليتها مفقودة، تؤكد تصرفات السيد وزير البترول على هذه السمعة السيئة، فهو لا يقوم بأى جهد لإغلاق صنابير الفساد، رغم أنه أعلم الناس به، لأنه تقلَّب فى مؤسساته، وهو أيضا يتحدى المشاعر الوطنية التى تعترض على نهب مصر ويعلن إصراره على تدريب الكوادر القبرصية، ليساعدها على استخراج الغاز المسروق منا والمفروض أن يستخرجه رجال وزارته، وتشارك فى لغز الصمت أيضا وزارة الخارجية التى لا تريد القيام بواجبها وتبطل اتفاقية تقسيم المياه التى عقدتها مع قبرص عام 2006.

كنا نعيب على نظام مبارك صمته الذى يشبه التواطؤ فى مواجهة جرائم إسرائيل، ولكننا نتبع الآن السياسة نفسها، نصمت عن غاراتها المتواصلة وقتلها لإخوتنا فى غزة، وعن اختراقها دولة السودان وقصفها مصنعًا تدعى أنه يقوم بصنع السلاح للمقاومين فى غزة، لكن الأخطر هو ذلك الصمت المخزى ونحن نرى أمننا القومى يتآكل أمام مجسات الاستكشاف الإسرائيلية، وثرواتنا تُنهب، بينما نحن فى أمس الحاجة إليها، لقد أعلن أحد المسؤولين عن الغاز أن ما لدينا من احتياطى أنابيب الغاز لا يكفى إلا أربعة أيام فقط، فهل أنتم راضون عن وقوفنا هكذا على حافة الخطر؟ إلى متى نقتر على الناس حتى تغلى مراجل الثورة فى عروقهم؟ ألا تخشون ثورة الجياع؟ هل نحن خائفون من الولايات المتحدة إلى حد الانتحار؟ لقد هدد الرئيس أوباما النظام المصرى فى مناظرته بصورة مباشرة، قال إن التزام مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل يعد خطًا أحمر بالنسبة إلى الولايات المتحدة، هل يعنى هذا أننا لا نستطيع أن نثير مسألة حقول الغاز المسروقة مع إسرائيل دون أن يعد هذا عدم التزام بمعاهدة السلام؟ هل هذا هو المأزق الذى يجعل الحكومة المصرية على جميع مستوياتها تلتزم هذا الصمت الرهيب؟ وهل هذا ما جنيناه من الثورة؟ أن يأتى نظام أكثر تحفظًا وخوفًا وحرصًا على إرضاء أمريكا وعدم إثارة غضب إسرائيل، أن يكون كل ما فعلناه هو أننا استبدلنا بالخوف القديم آخر جديد، خوف شديد الكلفة، يجعل حدودنا منتهكة وثرواتنا ضائعة ويقوّض المصداقية فى استرداد مصر لكرامتها ومكانتها، إن هناك حاجة ملحة إلى بلورة موقف مصرى واضح من هذه القضية، وعلى الرئيس أن يعلنه فى أقرب لقاء ممكن، حتى لو كان عقب صلاة الجمعة، نريده أن يأخذ الخطوة الأولى حتى تفيق بقية الأجهزة من غيبوبتها وتبدأ فى التحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.


 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية