| | | | نهْب مصر
| | نهْب مصر | |
محمد المنسي قنديل ........................
أصابنى يسرى فودة، مذيع «أون تى فى» اللامع، بالفزع والأرق، وجعلنى أنتظر إعادة حلقة «آخر الكلام» للمرة الثانية لأتأكد من أن ما سمعته كان صحيحًا، لم أتصور أن يصل الهوان والخوف بنا إلى هذه الدرجة من التخاذل، أن نرى ثرواتنا من الغاز الطبيعى تسرق جهارًا نهارًا من شريكين متحالفين، العدو الإسرائيلى وجزيرة قبرص الصغيرة المقسمة، ولا نجرؤ نحن على الاعتراض ولو بكلمة واحدة، بل إن أجهزة سيادية المفترض أن يكون هدفها وهمها الأوحد حماية مصر، تتواطأ لتساعد اللصوص على سرقتها، يحدث هذا والأزمة الاقتصادية تمسك بخناقنا، ونحن نمد أيدينا لنطرق أبواب العالم طلبًا للمساعدة بأسلوب الشحاذين، لقد كشفت الحلقة عن حجم هائل من الحقائق التى تم حجبها بواسطة النظام السابق، ولأن رجال النظام ما زالوا قائمين فما زال الحجب متواصلًا، إنه الصندوق الأسود الذى تحدث عنه الأستاذ هيكل، وطالب بفتحه لنعرف سوآت الماضى حتى نستطيع النظر إلى المستقبل، لكنه ما زال مغلقًا، حرص المجلس العسكرى على إغلاقه خوفًا على مصالحه المتشابكة مع نظام مبارك، وعلى مكاسب قادته، وها هى القوة الدينية ترث التركة كاملة وتتعامل معنا بنفس أسلوب التجهيل، لكن الحقائق تتكشف، الدكتور وائل الشافعى خبير الاتصالات والأستاذ الزائر بمعهد «ماسوسيتش» للتقنية، بحكم تخصصه فى مجال الاتصالات، واهتمامه بكابل الإنترنت الذى يربط مصر بأوروبا اكتشف أن قاع البحر ليس بريئا، وأن الغواصات الإسرائيلية تقوم بالاستكشاف داخل مياهنا الإقليمية، وقد نشرت صور هذه الاستكشافات حتى ومن بينها صور واضحة لمصب النيل، والأخطر أن هناك جبلًا غارقًا فى المتوسط يدعى جبل «أراتوستينس» داخل حدود مصر من قبل الميلاد، ومع ذلك فمعظم اكتشافات الغاز الكبرى التى أعلنت عنها إسرائيل وقبرص فى ما بعد، التى تصل قيمتها إلى 200 مليار دولار، تقع على السفح الجنوبى لهذا الجبل، السفح الذى يواجه شواطئنا، فهذا الحقل لا يبعد إلا بنحو 190كيلومترا شمال دمياط، بينما يبعد 235 كيلومترا عن شواطئ حيفا، و280 كيلومترًا عن ميناء ليماسول القبرصى، أى أن هذه الاكتشافات تغوص فى داخل لحمنا الحى، ومع ذلك نلتزم الصمت ونحاول التغطية على هذا السطو الواضح، بل إن أحد العاملين فى مجال اكتشاف الغاز مثل المهندس مصطفى البحر نائب مدير شركة الغاز بدا محرجًا، فى البداية أنكر كل المعلومات، لكنه لم يستطع عندما واجهته الصور التى نشرتها إسرائيل، ثم حاول أن يقدم أرقامًا خاطئة عن موقع الحقل، لكنه اضطر فى النهاية إلى الرضوخ أمام قوة المعلومات، وهو يغمغم بكلمات غير واضحة عن حق مصر الذى لن يضيع، ولا أدرى من أين أتته هذه الثقة ونحن على هذه الدرجة من التخاذل، كل ما فعله دفاعًا عن قصور شركته أنه أبرز خريطة تقيد حدود مصر، وتضيع ثرواتها، مدعيا أن هذه هى الخريطة التى أعدتها القوات المسلحة، لذا فهى مقدسة بصورة أو بأخرى، حتى ولو كانت المواقع تكذبها، وكذلك الأمر مع عضو مجلس الشورى طارق مصطفى الذى بدا أنه لا يعرف شيئًا حول أبعاد هذا الموضوع رغم مناقشته فى المجلس، واكتفى بأن يردد كالببغاء أن كل ما يقال غير علمى، وأخذ على عاتقه محاولة الهرب إلى موضوعات أخرى.
الأمر واضح، تخاذل مصرى يصل إلى حد التواطؤ، وأفعال مشبوهة قام بها النظام السابق، ومن المؤسف أنها متواصلة حتى الآن، أول هذه الأفعال غير البريئة عندما قامت مصر فجأة فى عام 2005 بطلب ترسيم حدودها البحرية مع قبرص، وهى واحدة من تسع بلدان أكثر أهمية تتشارك مع مصر فى حدودها البحرية، تنازلت مصر فى هذه الاتفاقية عن حدودها التاريخية بلا مبرر، وأعطت قبرص مساحة أكثر مما تستحقها، وفرضت على الاتفاقية نوعًا من السرية مثيرًا للريبة، ووزارة الخارجية المسؤول الأول عنها ما زالت تتمسك بهذه السرية وترفض إعطاء أى إيضاحات، الأمر الذى يجعلنا نعتقد أنها كانت جزءًا من مؤامرة فرضت على مصر، فقد سارعت قبرص بعد ذلك بعقد اتفاقية مماثلة مع إسرائيل ضمنتها المساحات التى كسبتها منا، وبدأت كلتاهما تتحدث عن هذه الاكتشافات التى وصفت بأنها أكبر حقل بحرى للغاز على مستوى العالم، وثانى الأفعال غير البريئة هو اعتماد حدودنا الاقتصادية وفقًا للخريطة التى يقال إن القوات المسلحة هى التى قامت برسمها، وهى تمتلئ بالخطوط المائلة التى تتيح لإسرائيل مساحات أوسع للعمل داخل مياهنا الإقليمية، ولا أحد يدرى الظروف التى تم فيها رسم هذه الخريطة، فالنظام السابق كان يحرص على مراضاة إسرائيل، باعتبار أنها الضامن لمواصلة مشروع التوريث، فهل مارس ضغوطا على خبراء المساحة فى القوات المسلحة؟ وهل كان للمعونة الأمريكية التى تكبل الجيش المصرى تأثيرًا سلبيا جعل الخطوط تميل إلى صالح إسرائيل؟ رغم ذلك فالجيش المصرى ما زال هو الجهة الوحيدة المنوط بها استرداد حقوقنا وليس ضياعها، وإذا كانت السياسات الفاسدة قد كبلت إرادته فى الماضى، فعليه أن يعيد النظر فى هذه الواقعة الخطيرة، وأن يقوم بمهمته الوطنية مجردًا من أى ضغوط سياسية، ثالث الأفعال غير البريئة هو التخلى المفاجئ للشركات العالمية التى كانت تقوم بالتنقيب عن الغاز فى شمال الدلتا عن استثماراتها، فشركة «بيرتيش بتروليوم» التى كانت قد أعلنت بالفعل عن اكتشاف حقلين مهمين فى المياه العميقة لمصر، ساد حولها غموض متعمد، ثم عرفنا بعدها أن هذه الشركة قد تخلت عن هذا المشروع، وسحبت كل معداتها، واضطرت مصر إلى عمل مزايدة جديدة فى مناطق غامضة غير محددة، ولا أعتقد أن أى شركة عالمية ستجرؤ على الإقدام على تحدى إسرائيل والدخول إلى هذه المناطق، فرعب الحكومة المصرية وعجزها عن تحديد مناطقها الإقليمية سيخيف هذه الشركات ويمنعها من المغامرة، خصوصا مع دولة لا تستطيع أن توفر الحماية لها، فحتى اليونان قد تجرأت علينا، وأعلنت عن اكتشاف حقل جديد للغاز لا يبعد عن مرسى مطروح إلا عدة كيلومترات، وهكذا بينما نعلن نحن عن إنشاء أول شركة لاستيراد الغاز، تعلن إسرائيل عن استعدادها لتصدير الغاز إلى أى مكان، وقد عقدت بالفعل صفقة مع الهند قيمتها 14 مليار دولار، وفى الغالب سيكون هذا الغاز من ثروات مصر الطبيعية، وسيضطر أولادنا مستقبلا إلى البحث عن عقود عمل فى كل من إسرائيل وقبرص، على حد تعبير الدكتور نائل الشافعى، ما العمل وسياسات النظام السابق ما زالت سائدة، ورجاله الذين لم يفقدوا مراكزهم يمارسون تواطؤهم السرى لصالح العدو الإسرائيلى كما تعودوا أن يفعلوا، الأمر يتطلب وقفة حاسمة من قمة النظام، إن لدينا الآن رئيسا مصريا منتخبا بإرادة شرعية، وقد وضعت الأقدار بين يديه هذه القضية القومية، مشروع لإنقاذ مستقبل مصر بدلا من مشروع النهضة الذى لا وجود له، عليه أن يقف ويعلن تبنيه هذه القضية، بدلا من أن يقف ويتحدث عن إنجازاته فى النظافة والمرور ورغيف الخبز، وكلها إنجازات لم تتحقق فضلًا عن أنها لا تليق بمقام رئيس الجمهورية، عليه أن يعلن خطة محددة لإنقاذ ثروات مصر التى يسارع الجميع لنهبها، وإذا فعل ذلك سيحل بقية المشكلات الثانوية، وسيجد لنفسه مكانًا فى التاريخ، فهل يفعل؟
عدوان إسرائيلى جديد على مصر
06/11/2014
مصرنا ©
| | | |
| | | | |
|
|