مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 مــن فــات قديمــه تــاه

 

ماهر ذكي

 

بقلم: ماهر ذكى
...................


ما من شك ان التاريخ المصري هو واحد من أعرق الثقافات في العالم .. و ان الحضارة المصرية القديمة هي أيضاً أكبر و أهم حضارة في التاريخ البشري على الإطلاق وذلك لأنها وضعت أساس مهم في كل العلوم التي عرفها البشر تقريباً .. فهذه الحضارة كانت حاضر و مستقبل بالنسبة لهم و ماضي عطر بالنسبة لنا .. كلام جميل .. ( ممتاز ) على رأي أخواننا الشوام .. لكن هو يعني علشان المصريين عندهم تاريخ قديم و حضارة كبيرة يقوموا يعيشوا طول عمرهم في الماضي ؟ .

انا بحثت و فتشت عن سبب عشق المصريين للماضي فلم اجد إلا سبب واحد منطقي من وجهة نظري وهو .. ان ماضي المصريين كان ماضي عظيم .. و انه لشرف لكل من ينتمي لهذه الأرض ان أجداده كانوا هؤلاء الناس .. و طبعاً انا أقصد الفراعنة .. لأنهم الوحيدون في تاريخ مصر على طول إمتداده هم من فكر في صنع تاريخ يتشرف به الأحفاد .. فأقاموا حضاراتهم العريقة و جعلوا من مصر وحدها مقراً و مستقراً لأكثر من ثلث الحضارة البشرية في العالم.

ظل المصريون على مدى قرون يتباهون بهذه الحضارة .. ( من حقهم ) .. حتى الفراعنة أنفسهم كانوا يتباهون بأجدادهم و لم يتجاوزوهم أبداً في محاكاة أثارهم .. فمثلاً كان الحفيد إذا بنى هرماً ليقلد الجد كان يبنيه أصغر من هرم الجد إحتراماً للتاريخ أكثر ماهو إحتراماً للجد.

و يبدو ان إحترام التاريخ ظل ملازماً للمصريين حتى وصل القرن العشرين .. و بحث المصريون الجدد عن حضارة يصنعونها فإكتشفوا أن أجدادهم أقاموا كل الحضارات .. و لذلك إتخذوا قراراً بالتوقف عن العمل .. و تفرغوا للكلام عن التاريخ و الأجداد و الحضارة .. مر عليهم الزمان سنين تلو سنين .. وهم متفرغون للحديث عن التاريخ و الأجداد و الحضارة .. و العالم يتقدم من حولهم و يصنع حضارة حديثة تكاد تضاهي عظمة حضارة المصريين القدماء .. و هم مازالوا متفرغين للحديث عن التاريخ و الأجداد و الحضارة .. و أنشأت الصدفة البيئية دويلات بالقرب من مصر .. وهذه الدويلات أخذت تكبر و تكبر حتى أصبحت تتحكم في قرار مصر .. بل و بدأت تمارس عليها دور الوصي .. و مازال المصريون يتحدثون عن التاريخ و الحضارة و الأجداد .

أنا أفهم من كل ما تقدم ان المصريين كانوا محقين في الحديث عن الماضي بكل هذه الغزارة .. لكن ما لا افهمه هو لماذا يصر المصريون على التفرغ للكلام .. ألا ينفع العمل و الحديث عن التاريخ في نفس الوقت مثلما كان يفعل المصريون القدماء؟؟ .

و لعل المتابع للشأن المصري يجد ان موسم الكلام عند المصريين يكون كبيراً جداً مع نهاية فترة حكم الحاكم ( البائد ) .. على عكس أجدادهم الفراعنة تماماً .. أي ان الفراعنة كانوا يمجدون أجدادهم و يؤلهونهم و يعظمونهم في كل صباح و مساء .. أما مصريوا هذا الزمان فتجدهم قد أمسكوا ( بالطبلة ) ليزفوا الحاكم السابق بكل مافيه و ماهو ليس فيه من سوءات .. و إن لم يجدوا له سوءات يخترعون له ( مالقوش في الورد عيب قالوا له يا احمر الخدين ) .. علماً بأن حكام هذا الزمان الذين تعاقبوا على حكم مصر بكل مافيهم من سوء .. كانوا يقولون إنا نحن بشر مثلكم .. نحكمكم فقط .. و كانت الرعية هي رعية محكومة فقط و لها ان تغضب على الحاكم .. أما في زمن الفراعنة فكان الحاكم إله .. يحكم و يُعبَد .. و كانت الرعية تـُحكم و تـَعبُد .. و لم يكن لها حق الغضب أو الإعتراض .. وبالرغم من ان التاريخ الفرعوني لم يخلو من بعض حكام كانوا طغاة بكل ما تحمله الكلمة من معنى .. إلا إن أحفادهم مجدوهم و عظموهم بل و عبدوهم .. أما مصريوا هذا الزمان فإنهم أول ما يفعلوا مع الحاكم السابق هو أن يلعنوا سلسفين جدوده.

انا لم أقصد مما سبق ما يحدث في مصر هذه الأيام مع الرئيس السابق حسني مبارك فقط .. و لكن المُلاحظ أن الدرس قد إبتدأ من زمان .. من ليلة 23 يوليو من عام 1952 .. مع إنقلاب الضباط على الملك .. لأنه و لكل من يقرأ صفحة واحده في تاريخ مصر المعاصر .. لن يجد كلمة تخص هذا الملك ( فاروق ) إلا و كانت كلمة بذيئة .. و لم يجد فعلاً منسوباً له إلا مسيئاً .. و لم يجد تصرف صدر عنه إلا و كان مشيناً وذلك في عهد محمد نجيب .. على عكس محمد نجيب نفسه في مطلع الخمسينات .. الذي تحول بقدرة قادر إلى خائن للثورة و الثوار في عهد جمال عبد الناصر .. على عكس عبد الناصر باقي الخمسينات و الستينات .. و الذي تحول بقدرة قادر إلى طاغية و جبروت و ظالم و حرامي و خائن و متآمر في عهد السادات .. على عكس السادات في فترة السبعينات .. و الذي تحول هو الأخر بقدرة قادر إلى عميل و خائن و ذليل و حرامي و نصاب و مخادع في عهد مبارك .. على عكس مبارك في فترة الثمانينات و التسعينات و العقد الأول من الألفية الثالثة .. و الذي تحول هو الأخر إلى كل ما كان موجود في الملك فاروق و عبد الناصر و السادات و غيرهم من بني شيطان في عهد ثورة 25 يناير المجيدة.

الغريب في الأمر .. انك تجد في التاريخ المصري حاكماً طاغية .. طاغية يعني طاغية .. بإشارة واحده من خنصر يده اليسرى يموت المئات .. و مع ذلك ترك لنا تمثال من الحجر .. تجد مصريوا هذا الزمان يمجدونه و يعظمونه بل و يجبروك على قطع تذكرة لمشاهدة تمثاله هذا .. و يدوسون بأحذيتهم على حاكم من حكام هذا الزمان بنى لهم سداً مائياً ليحفظ مائهم ويحمي زراعتهم و يقيم صناعتهم .. حاكماً أعلى كلمتهم و رفع أمتهم و وضع فيها حجر أساس لحياة كريمة .. و كذلك تجدهم يدوسون بأحذيتهم على حاكم حرر أرضهم و نصر جيشهم و رفع رأسهم و جعلهم في الصفوف الأولى .. و كذلك تجدهم يدوسون بأحذيتهم على حاكم ساهم في تحرير أرضهم و وفر أمنهم و أمانهم ووضع لهم البنية التحتية لحياة قادمة و أقام لهم مشروعات عملاقة كان يستهزؤن به حينما كان يتحدث عنها و هي أفكار في المهد .. و أقام لهم مدن و صناعات وطرق و غيره .. لكنك تجد المصريين الجدد ينسون أفعال هؤلاء الحكام هذه و يذكرون لهم سوءاتهم فقط .. و كأنهم كان من المفروض انهم أنبياء لابد و ان يكونوا معصومون من الخطأ .

و الأن أسأل سؤالاً غبياً .. ماهي علاقة المصريين اليوم بالقدماء المصريين ؟؟

انا لا افهم لماذا توقف المصريون عن العمل .. لماذا تعطلت حياتهم .. لماذا لا يكتبون تاريخهم و هم يعملون .. لماذا و لماذا و لماذا .. لماذا لا يفكر المصريون في صناعة حاضر راقي يكون في المستقبل ماضي لأحفادهم يذكرونهم به و يتباهون بهم مثل أجدادهم الفراعنة .. لماذ يفهمون ان الحضارة هي تماثيل و برديات و بقايا ملك إله .. لماذا لا يفهمون ان الحضارات تـُصنع في كل يوم و لن تتوقف إلى يوم الدين .

و الأن أسأل سؤال أغبى من سؤالي السابق .. هل لو تم إعدام حسني مبارك غداً هل ستهبط مظلة الديمقراطية و الرخاء على مصر بعد غداً ؟؟ هل هذا منطق ؟ لماذا لا يتركونه للقضاء ليحاكمه قضائياً و للتاريخ ليحاكمه تاريخياً .. لماذا يصرون على كتابة تاريخ الحاضر بأيديهم .. لماذا لا يفهمون ان التاريخ يصنعه اصحابه و يكتبه أناس أخرون .. لماذا لا يقنعون بأن الرخاء لن يأتي إلا بعملهم و إنتاجهم .. و ان الديمقراطية لن تأتي إلا بتغيير سلوكياتهم .. لماذا يصرون على ان تتوقف عجلة التاريخ عند مبارك .. هل تعتقدون انكم من الممكن ان تمحوا من تاريخ مصر ثلاث عقود بكل مافيها من سيئات و حسنات .. لن تستطيعوا فعلها .. و ان حاولتم .. إعلموا انه سيأتي يوم تنكشف فيه حقيقة التاريخ بحلوه ومُره و لن يسامحكم أحفادكم على ذلك .. التاريخ لن يكتبه من شارك فيه لأنه لن يتمتع بمصداقية و هذا بديهي .. أرجوكم .. عودوا إلى مصر .. عودوا إلى أجدادكم الذين تحبونهم و قلدوهم .. اتركوا التاريخ للتاريخ .. إبدأوا الإنتاج فكروا في صناعة ماضي مـُشرف لأحفادكم حتى تستمر عجلة المصريين مع الماضي و عشقهم له .. بدلاً من ان يأتي يوماً يلعن فيه المصريين ماضيهم .
 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية