مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

الأسد الروسى

 

بوتين

 

بقلم : سامي كليب
..................

 ما أن مضت ساعة واحدة على الإتصال الهاتفي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره السوري بشار الأسد، حتى كشف "الكرملين" نبأ الاتصال. ابتسم الأسد. مجرد الإعلان الروسي حمل دلالات كبيرة. تعمّد بوتين المجاهرة بالمكالمة ليقول أنه إلى جانب سورية، أو على الأرجح إلى جانب الأسد شخصياً.

تعمّد الطرفان الإبقاء على سرّية الاتصال الذي جاء بمبادرة من بوتين. هكذا تكون الرسائل المشفّرة أكثر وقعاً من التصريحات المعلنة.

كلّ ما تم التصريح عنه في الإتصال يخدم الأسد: أولاً ان "الشعب السوري هو من يقرر مصيره". اذاً، روسيا مستمرة في تشكيل الدرع الدبلوماسي والعسكري. ممنوع الضغط الخارجي. ثانياً إن "الحكومة السورية مشكورة في ما تفعله لانجاح جنيف 2". اذاً، الكرة في ملعب الآخرين من معارضة ومسلحين وداعميهم. ثالثاً "إنّ الإرهاب والتطرّف هما لبّ المشكلة"، وبالتالي فان موسكو ستستمر في الضغط على أميركا لتضغط على حلفائها بغية وقف إمداد الإرهابيين بالمال والسلاح.

في بداية الأزمة السورية، كان الروس يتفادون اللقاءات العلنية مع مسؤولين سوريين. كانت الأوضاع ضبابية ومحرجة لموسكو. الآن يعرفون تماماً هوامش السياسة ووضع الجبهة الداخلية. يعرفون، أيضاً، أن الأميركي قابل بما يجري. أو مضطر.

ما أن مضى يومان على الإتصال المباشر بين الرئيسين، وهو على الأرجح ليس الوحيد وانما الوحيد المعلن، حتى بدأ الإعلان عن سقوط قارة. اتخذ القرار بمعركة القلمون. في معارك كبيرة كهذه، على مساحة هائلة تضم نحو مليون شخص و19 قرية ومنطقة وبلدة، لا بد من قرار سياسي. في معارك كهذه ضد مجموعات كبيرة ومتنوّعة من المقاتلين العازمين على اسقاط النظام بالقوة لا بد من قرار عسكري كبير. اتخذ القرار.

الباقي تحددّه الخطط العسكرية. وفي الخطط تطورات كبيرة. بعض ممن كانوا يقاتلون الجيش السوري صاروا يقدّمون له معلومات واحداثيات. حصل هذا. وُجِّهَت ضربة إلى قيادة "لواء التوحيد" في مهين. الإغراءات المالية وغيرها تهيّئ لمفاجآت. لكن الطرف الآخر يعد هو الآخر بمفاجآت ضد السلطة السورية وحلفائها، والحشد يبلغ في هذه المرحلة ذروته. "من الصعب ان تقبل السعودية بالخسارة"، يقول احد دبلوماسيي الجامعة العربية.

ربما اتخذ القرار أيضاً بالنسبة إلى حلب وريفها. هناك، سياسة القضم أنجع حالياً، تماماً كما حصل في ريف دمشق. ستتغير المعادلة، ربما، بعد ان يقتنع التركي نهائياً بأن قرار الأميركي والأطلسي هو التسوية.

يبدو أنه بات يقتنع. الحركة التركية صوب العراق وايران لافتة. هل كان وزير الخارجية التركي احمد داوود اوغلو يستطيع القيام بزيارة ناجحة إلى بغداد والنجف والمرجعيات الشيعية من دون غطاء ايراني؟ ألم يمهّد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لهذه الزيارة حين زار هو نفسه أنقرة قبل فترة؟ لماذا حصلت الزيارة بعد زيارة المالكي إلى واشنطن؟ هل ثمة تقاطع ايراني ــــ اميركي في شأن العراق؟ الأكيد نعم.

ذهب داوود اوغلو إلى العراق بشروط ايران. هكذا يبدو مما تسرّب من الغرف المغلقة. كانت شروط المياه والنفط وسورية حاضرة بقوة. لوحظ، بعد الزيارة مباشرة، أن رئيس اقليم كردستان مسعود بارازاني ذهب إلى معاقل اكراد تركيا في ديار بكر. لم يكن دخان الهجوم الذي نفذّه مقاتلو حزب العمال الكردستاني ضد الجيش والشرطة التركيين قد تبدد بعد. رجب طيب أردوغان في حاجة في زيارة بارازاني. فشل في سورية ومع كردها.

ما عادت تركيا قادرة على الاستمرار في مغامرات "مهندس سياسة صفر مشاكل" داوود اوغلو. كادت تصبح في وضع "صفر صديق" في كل المنطقة. في مصر سعيٌ لطرد السفير التركي بسبب وقوف انقرة ضد الحكم الحالي ودعمها للإخوان المسلمين. في العراق كان المالكي قد اتهم انقرة مراراً بالتورط بالإرهاب. في سورية، الكرد يعلنون اقامة ادارة مدنية. مع اسرائيل العلاقات ضبابية رغم استمرار الإتفاقيات العسكرية الهائلة. لا شك في أن داوود اوغلو بات على شفير الأسئلة والمصير.

خطوة كرد سورية سبقت الإتصال الهاتفي بين بوتين والأسد. يبدو أنها تزعج خصوم الأسد بقوة. تركيا والسفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد (هو أيضا قد يرحل) ومسعود بارازاني هاجموا بشدة الخطوة. قالوا في تصريحات، متتالية في الزمن متوافقة في المضمون، ان الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري هو سبب ما حصل وإنه حليف النظام. ربما يبتسم الأسد. ما سرّ كل هذه التحولات؟

إيران القضية

فتش مرة ثانية وثالثة ومليون عن ايران. مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو يقول "إن ايران، ومنذ مجيء الرئيس حسن روحاني، أبطأت انشطتها النووية وخصوصا التخصيب وهذا تطوّر ايجابي". يتنفس الرئيس الأميركي باراك اوباما الصعداء. جاءه من المنظمة ما يساعده على اقناع الكونغرس بتخفيض العقوبات عن ايران. ينتفض رئيس الوزارء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. يكتشف أن الكونغرس الأميركي نفسه، أي وكر اللوبي اليهودي المؤيد لإسرائيل، صار اقرب إلى نظرية اوباما. تتعلق اسرائيل بأهداب ضيف فرنسي تريده بديلاً موقتاً للأميركيين. يصدّق الرئيس فرانسوا هولاند ذلك. لا بأس من الأوهام في هذه الفترة.

روسيا المندفعة

ثم فتش عن روسيا. وزيرا الخارجية والدفاع الروسيان سيرغي لافروف وسيرغي شويغو زارا مصر. هذا حدث كبير لدولة كانت غارقة حتى الأذنين في التحالف مع الأميركيين والتغطية على اسرائيل في عهدي انور السادات وحسني مبارك. ليس الأمر عابراً، رغم ان من السابق لأوانه القول إن القاهرة ستغيّر مجرى سياستها الخارجية.

الفريق اول عبد الفتاح السيسي ليس رجلاً عادياً في التاريخ الحديث لمصر. يذكر مسؤول ناصري كبير في القاهرة كيف استدعاه السيسي ليلاً مع رفاق له قبيل اطاحة الرئيس الإخواني محمد مرسي. تحدّث الرجل ساعة وربع الساعة عن مصر الجديدة وعن بعث روح عبد الناصر وعن ضرورة استقلال القرار المصري. قال ان الإخوان سيخربون مصر ويكبلوننا مجددا مع اسرائيل واميركا. ذهب الوفد الناصري في اليوم التالي للقاء الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل بدعوة منه. كان هيكل حريصاً على معرفة كل التفاصيل: كيف يتحدّث السيسي؟ هل ينظر في عيونكم؟ هل يرفع يده وهو يتحدث؟ ماذا قال عن مرسي؟ ماذا قال عن عبد الناصر؟ لم تمض أيام حتى كان السيسي ومعه هيكل وصحب من الناصريين وغيرهم على ضريح الزعيم.

لا تريد مصر عبد الفتاح السيسي ان تغرق بين الكماشة المالية الخليجية، وتحديدا السعودية، وبين الضغط الغربي. لا بد من تنويع المصادر. روسيا جاهزة. بوتين يجد في الأمر فرصة هائلة لدخول المعاقل الأميركية. ثمة من يقلق على مستقبل السيسي. الخطر يزداد على الرجل... ولكن شعبيته أيضاً.

لبنان الضحية؟

العالم كله يذهب صوب روسيا وايران. وحده لبنان يعاكس مجرى الرياح. يذهب الرئيس ميشال سليمان صوب السعودية. يفاجئه السعوديون بحضور رئيس الوزراء السابق سعد الحريري. يرتبك. لو لم يرتبك لكان أجلس الحريري بعيداً، ووضع إلى جانبه وفده التقني. جلس الوفد بعيداً فلم يسمع شيئاً مما كان الملك يقوله. صوت الملك عبدالله هو بالأساس خافت ووضعه الصحي يتراجع. اللهجة المحلية غريبة قليلاً على الزوار. ومع ذلك فما تم سماعه يكفي للإستنتاج بأن الملك حين استقبل سليمان في المرة الماضية كان يستخدم صفات قاسية ضد سورية وايران وحزب الله، تحدث هذه المرة عن الإعتدال وعن "جنيف 2" وعن التسويات السياسية. ربما تأثير وزير الخارجية الأميركي جون كيري كان لا يزال حاضرا.

حول الرئيس سليمان مستشارون امضوا أعمارهم في فن الدبلوماسية الراقية والمفيدة. في مقدمّهم السفير المخضرم ناجي أبو عاصي. هل ثمة من يسمع فعلاً نصحهم؟ ربما، ولكن الأكيد لو أن سليمان اكمل الرحلة بعد السعودية إلى ايران لما كان سمع كلاماً يفيد بانه بات جزءاً من جبهة ضد جبهة. كيف سيتم تخريج الزيارة محلياً؟ لننتظر خطاب الإستقلال.

لم تقصد السعودية التقليل من شأن سليمان. على العكس تماماً، قابلته بحفاوة. هي أرادت فقط بعث رسائل عبر الحريري. لم يتأخر الرد. الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كان جاهزاً. اكمل هجومه على السعودية. لكن الأهم أنه ظهر مرتين متتاليتين أمام جمهوره. يعرف تماماً ان درعه العسكري والدرع الدبلوماسي الإيراني والروسي ما عادا يسمحان بالمغامرات. جنّ جنون اسرائيل. طالب بعض إعلامها بقتل سيد المقاومة. يبتسم السيد نصرالله.

ماذا عن المستقبل؟

لو نجح الاتفاق الغربي ــــ الإيراني، فان وجه المنطقة سيتغيّر. حينها يعقد "جنيف" في حضور ايران، وينصاع الجميع للرغبات الروسية ــــ الأميركية، ويستمر القضاء على الإرهاب، ويتم تجفيف منابع السلاح والمسلحين، وتشكّل حكومة في لبنان بوجود حزب الله، ويبتسم بوتين.

أما اذا نجحت اسرائيل وحلفاؤها القدامى والجدد في تعطيل الإتفاق، فان المنطقة ستبقى مفتوحة على المجهول حتى أجل مجهول.

يقول مثل فرنسي: المهم من سيبتسم في آخر المطاف... يبدو ان الزمن الراهن هو للربيع الإيراني على مستوى العالم.
 



06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية