مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 فزاعة الوطن البديل
...............................................................

 

الوطن البديل

 

بقلم : زهير كمال
....................


يطلع علينا بعض السياسيين كل فترة باسطوانة ان هناك حل للمشكلة الفلسطينية على حساب الاردن وشعبه. والفكرة هي اقامة كيان فلسطيني شرق النهر بديلاً عن الكيان الحالي بهدف ارضاء الفلسطينيين وتعويضاً لهم عن كيانهم الذي فقدوه غرب النهر . وتبدأ المناوشات بين طرف مؤيد وطرف معارض وينتج عن ذلك الخوف والقلق والشك. مثل هذه الفزاعات تعتمد على تصريحات لأفراد ليس لهم علاقة بالتفكير الاستراتيجي للمخطط الاسرائيلي . ربما يذكر البعض اقوى تصريح لمسؤول اسرائيلي، قائد المنطقة الوسطى في بداية هذا القرن حيث قال ان الملك عبدالله الثاني ملك الاردن سيكون اخر الملوك الهاشميين ، يومها ثارت مخاوف سكان الاردن بمختلف اصولهم من هذا التصريح الخطير واعتقدوا ان اسرائيل وللخلاص من المشكلة المعقدة سترحل الفلسطينببن شرق النهر .

لم يعرف مغزى التصريح السابق في ذلك الوقت وهل هو من قبيل النبوءة او رمي جزرة للفلسطينيين او تشجيع المخاوف الشرق اردنية من بعض اهلهم الفلسطينيين.

ولكن تصريحاً كهذا ابرز شعاراً جديداً بدأ يبرز في وسائل الاعلام وبين اوساط المثقفين وهو شعار (الاردن اولاً) وكان هذا شعاراً غريباً على اهل الاردن المعروف عنهم تاريخياً انهم اصحاب نفس وحدوي في منتهى القوة ويظهر ذلك في مواقفهم القومية الواضحة في كافة القضايا من اقصى الغرب في موريتانيا الى اقصى الشرق في العراق.

طبعاً هذا الشعار كان نتيجة حتمية لعمل حقيقي على الارض بدأه السادات بانتهاجه لسياسة مصر اولاً التي طبقها بحله المنفرد في كامب دايفيد.
شعارات مصر اولاً والاردن اولاً والجزائر اولاً ، وغير ذلك اولاً ليس لها مستقبل وثبت عملياً انها تعني: اسرائيل اولاً كما يظهر جلياً في السياسة المصرية ان مصلحة اسرائيل تأتي قبل مصلحة مصر وبيع الغاز المصري بسعر بخس وانشاء الجدار الفولاذي خير دليل على ذلك. واذا كان تطبيق الشعار وضع اقوى واكبر دولة في موضع التبعية الذليلة للحكومة الاسرائيلية وارضاء رغباتها فكيف بباقي الدول العربية الصغيرة والتي ليس لها نفس القدرات والحجم...

يمكن لشعاراولاً هذا ان ينطبق على احدى الدول الاوروبية مثل فرنسا او المانيا ولكن نظرة الفرنسي وغيره انه يمكن التوفيق بين الشعار وكون بلده عضواً في الاتحاد الاوروبي المتنفس الحقيقي للاقتصاد والقوة السياسية ، ولو نظر المنادين بالاولوية الاقليمية الى المصلحة والاقتصاد فقط وتناسوا القومية والدين والتاريخ وغيره من العوامل الموحدة لما نادوا بشعار ضد مصلحتهم وضد مستقبل الاجيال القادمة، فعصرنا هذا هو عصر القوى الكبرى مساحة وسكاناً واقتصاداً وسيأتي يوم تصبح فيه دولاً بحجم اندونيسيا وباكستان وايران وتركيا دولاً صغيرة لا وزن لها على الكرة الارضية.

وحدة الشعوب وبقاءها صفاً واحداً ضد التطبيع والتعامل مع اسرائيل هي اقوى الاسلحة العربية ، واشد فتكاً من كل قنابل اسرائيل النووية. والهدف من رمي هذه الفزاعات هي شق وحدتها بخلق معارك دونكيشوتية والتفريق حتى بين العائلات الواحدة. لابد من التذكير هنا ان شعب بلاد الشام او سوريا الطبيعية هو شعب واحد فالمسافات بين اربعة عواصم حالية (بيروت-دمشق-عمان- القدس) نتيجة تقسيم سايكس بيكو هي مسافات ضئيلة تعتبر كأنها مدن في دولة واحدة ومقارنة نستطيع وضع هذه المدن الاربعة في خط وهران عنابة في الجزائر بدون ان نغطي كامل المسافة.
المصالح والحسابات الدقيقة فقط هي التي تحدد التخطيط الاستراتيجي للدول وغير ذلك يعتبر غباءً منقطع النظير فليس هناك امل او رجاء او شفقة بل توزين لكل بند بدقة متناهية انطلاقاً من تحديد الهدف ودراسة الواقع ومعطياته ، ومشكلة الامة العربية انها ابتليت بقادة وسياسيين لا يعرفون هذه الامور او يتجاهلونها في علاقاتهم مع الغير في موضوع المقال نجد انور السادات وتصريحه الشهير ان 99 في المائة من اوراق الحل بيد امريكا، في السياسة لا يعطي عاقل تصريحاً مثل هذا الا اذا كان يريد تطمين الخصم من اجل تغيير المعادلة ولكن ثبت انه تصريح رفع الراية البيضاء فكل ممارسات الرجل كانت استسلاماً كاملاً للارادة الامريكية ولمصالح امريكا في المنطقة على حساب المصالح العربية.

ياسر عرفات المتعب من مسيرة طويلة كانت نتيجتها الفشل والمنفى، نتيجة طبيعية لاخطاءه الاستراتجية أوهم نفسه انه اذا تنازل للأعداء عن 78 في المائة من اراضي فلسطين فسيقبلون بذلك بل سيهللون فرحاً وسيعتبرون ذلك مصالحة تاريخية بين الشعبين اولاد العمومة والى اخر هذا الكلام الرومانسي الذي يعكس تفكيراً احادي الجانب لا علاقة له بتفكير الخصم وحساباته الباردة .

محمود عباس ايضاً مثل صارخ على رومانسية تصل الى حد الغباء المطلق فهو ينادي بالسلام الذي اوصله الى حد الاستسلام الكامل نتيجة لعجزه ومحاولات فرض هذا العجز على كل الشعب الفلسطيني واوصله ذلك الى طريق مسدود كنتيجة حتمية لقصر نظر مذهل .

وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
رسالة واضحة في بيت شعر قصير لاحمد شوقي هي عصارة الحكمة العربية والانسانية ربما قرأها المذكورين سابقاً ولكنهم اهملوها وكانت النتيجة مأسوية لشعوبنا التي وثقت بقادتها واعتقدت انهم سيوصلونها الى بر الامان.

في الطرف المقابل برودة اعصاب وتخطيط وحسابات تنطلق من مفاهيم تصب في المصلحة العليا لاسرائيل وشعبها :

المفهوم الاول: انه لا يوجد شعب فلسطيني بل افراد عرب ومنهم من يعيش على ارض اسرائيل
المفهوم الثاني: اذا وجد سكان على ارض اسرائيل (يهودا والسامرة او الضفة الغربية) من غير اليهود فان حل مشكلتهم يكون عن طريق اعطائهم حكماً ذاتياً لادارة شؤونهم الخاصة وليس لهم اي علاقة بالارض او بالسيادة.
المفهوم الثالث: اذا وجد عرب كانوا يسكنون ارض اسرائيل في الدول العربية المجاورة فعلى هذه الدول حل مشاكلهم وتوطينهم فهناك متسع كبير من الاراضي يستوعب القادمين الجدد.

هذه مفاهيم استراتيجية لا تتغير وهي في صلب العقيدة الصهيونية لان اي اعتراف بشعب فلسطيني كان على ارض فلسطين هو نفي للوجود الاسرائيلي الذي تكوّن.

وهي مفاهيم واضحة مثل الشمس في سماء صافية عز الظهيرة.
ولا تحتمل اللف او الدوران وعلى الطرف المقابل المكوّن من الفلسطينيين والعرب القبول بها ومن يرفضها فهو عدو يجب التعامل معه.

يدخل ضمن الحسابات الاسرائيلية ايضاً التخطيط للمستقبل القريب وقد يمتد التخطيط الى عشرة سنوات او خمسة عشر سنة قادمة. وهو ما يدخل ضمن علوم المستقبليات التي يمارسها العالم الاول المتقدم.

وفي اعتقادي ان المخطط الاسرائيلي يدرس الان القنبلة الديمغرافية الفلسطينية ويحاول ايجاد حلول لها وكنت طرحت في مقال سابق طرحهم النازي لفكرة الدولة اليهودية النقية ومبادلة الاراضي والسكان في الجليل والضفة الغربية.

من ضمن الحسابات ايضاً المزاج الجماهيري لشعوب المنطقة ، فبعد مدة طويلة من عقد اتفاقيات الصلح مع مصر والاردن وتبادل السفراء فان شعوب المنطقة لا تزال على حالها ترفض الوجود الاسرائيلي ، اما بالنسبة للفلسطينيين فهم ما زالوا يطالبون بحق العودة ويحتفظون بأوراق ملكية اراضيهم التي سرقت منهم وبمفاتيح بيوتهم القديمة بتطبيق ما سبق من معطيات ( المفاهيم والحسابات والمستقبل والمزاج العربي) على فكرة الوطن البديل نجد ان هذا يتنافى كلياً مع المصلحة الاسرائيلية بل بالعكس سيقاتلون الفكرة بكل قوتهم .

ولتأكيد رفض اسرائيل للفكرة ، نفترض بطريقة ما قيام كيان فلسطيني موال لاسرائيل في الاردن ولنفترض ان محمود عباس او ما شابهه كان رئيساً لهذا الكيان، اي اوضاع مواتية جداً وكما ترغب اسرائيل وليس الفلسطينيين.

ولكن بوجود مزاج جماهيري رافض لفكرة الوجود الاسرائيلي يتزايد بدلا من ان ينقص مع الزمن فان احتمال سقوط هذا النظام وتغيره الى كيان معاد وارد جداً ، والنتيجة عدو له حدود مفتوحة براً وبحراً وجواً وبامكانه التسلح كما يريد وتهديد كل مدن اسرائيل ومفاصلها بالصواريخ، سلاح الفقراء الجديد.

نموذج غزة واضح، في عام 2005 انسحبت اسرائيل من القطاع بعد ان كانت تملأه بمستعمراتها ومستوطنيها وجيشها وكانت تصدر منه منتجات زراعية الى العالم وكان انسحاباً مذلاً لها بسبب ضربات المقاومة وتضحياتها الجسيمة تلك الايام كان صديق اسرائيل الحميم محمود عباس يسيطر على غزة وكانت هذه اول مرة يجلو فيها الاسرائيليون عن ارض فلسطينية بالقوة. ذهب عباس وبقي في غزة اعدى اعداء اسرائيل الذين لا تسمح لهم مبادئهم التنازل او التفريط او التلاعب فهذا يتنافى مع عقيدتهم واقصى ما يستطيعون منحه لاسرائيل هدنة طويلة تمتد خمسة عشر عاماً او عشرون عاماً منتظرين تغير ظروفهم واسرائيل بالطبع ليست بهذا الغباء لتمنحهم هذه الفرصة .

ما يساعد الاسلاميون في غزة ، واقوى سلاح لديهم هو عدد السكان الكبير الذي يتركز في مساحة صغيرة من الارض هي الاكثف في العالم. وقد سقط كل امل في تغييرهوى السكان او اضعاف وحدتهم الوطنية بعد سقوط الرأس الاخر في قيادة القطاع منظمة فتح- عباس ، وسقط معها قصر النظر وقصر النفس، اضطر اسرائيل الى خوض حرب شرسة في نهاية عام 2008 ، حرب رابع جيش في العالم ضد المدنيين العزل وضد المدارس والمستشفيات والمساجد ومراكز الامم المتحدة.

حرب عام 2008 هي اول حرب فعلية تدور على ارض فلسطين بين كيان اسرائيلي وكيان فلسطيني بعد نكبة 1948 الكيان الاسرائيلي في اوج قوته والكيان الفلسطيني الصغير ما زال ضعيفاً يتلمس الخطا ويحمل هموماً ومشاكل لا تقدر الجبال على حملها ومع هذا فان عظمة الشعب الفلسطيني وصلابته التي سقيت مثل الفولاذ عبر المحن والمصائب الكثيرة وبامكانات بسيطة كانت قادرة على الصمود .

كان الفعل الاسرائيلي في الحرب مدفوعاً بجنون وقسوة ولاحظ جميع المراقبين في العالم مدى عدم التكافؤ والاستخدام المفرط للقوة ووصل الامر الى عدم المبالاة بتعريض القادة المسؤولين عن الحرب الى المساءلة بتهم جرائم الابادة الجماعية، لسبب بسيط ارجاع الفلسطينيين الى المربع الاول: ان يبقوا افراداً ولا يتحولوا الى كيان.

هذه الحرب ما تزال مستمرة بأساليب اخرى لمنع الفلسطينيين من الاتصال بالعالم الخارجي بالحصار الذي يصل الى تجويع السكان وحرمانهم من ابسط متطلبات الحياة بسبب انهم اصبحوا كياناً والهدف واضح افشال التجربة الفلسطينية باستعمال كل الوسائل ووصلت الى حد التضحية بأقطاب النظام المصري وجعلهم يرتكبون جرائم ضد الانسانية.

كما ان اشتراك الولايات المتحدة في عهد اوباما في هذه الجرائم يزيد من عداء الشعوب العربية والاسلامية ويفقدها الامل نهائياً في مصداقية الولايات المتحدة وفي دفاعها عن الانسانية وحقوق الانسان وكل ذلك يأتي بسبب الانقياد الاعمى للصهيونية ومصالحها الانانية التي جرت على الولايات المتحدة الكثير من المصائب.

من سيربح الحرب الحالية الشعب المحاصر في غزة أم كل القوى العاتية التي تحاول هزيمته بكل ما في جعبتها من اسلحة؟

الجواب واضح شعب مصمم وصلت قسوة اوضاعه الى اخر المطاف وظهره في الحائط هو الذي سينتصر في النهاية وسنرى جبهة الاعداء تنهار تدريجياً بعد ان وصل انحطاطها الى الحضيض، وما مظاهرات الناس العاديين في هذا العالم والتي وصلت الى تل ابيب الا مؤشرات على ذلك .
بالنسبة للمخطط الاسرائيلي تجربة غزة هي الاخيرة في كيان مستقل للفلسطينيين يكون له اتصال حر مع العالم الخارجي.

قدر الفلسطينيين ان يظلوا داخل فلسطين، وهو ما يريدونه بالطبع، ولكن هل يخضعون لرغبة اعدائهم الذين يريدونهم مجرد افراد ام سينجحون في التغلب على ذلك وفرض شروطهم كشعب .
طبيعة الامور ان الضعاف هم الذين يغيرون مجرى التاريخ.
 

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية