مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 يا خالد سلّم لنا على «أبو الفقراء»

بقلم: جمال فهمي
..................

عادة لا أميل إلى المقارنات، وقد أنفر منها، خصوصا إذا أقحمت فى أمور السياسة وحالاتها التى هى بطبيعتها متغيرة ومختلفة باختلاف ظروف ومعطيات الزمان والمكان، غير أن منطق المقابلة والمقارنة فرض نفسه فرضا على العبد لله، بينما كنت سابحا فى دموعى متوحدا تماما مع آلاف البشر الذين أخذوا يبثون فى الأجواء من حولى عاصفة مشاعر متأججة وحارة، بدت خليطا راقيا من الحزن العميق والحنين الجارف وإحساسا موجعا بالفقد والخسارة.. خسارة مَن؟!

الدكتور خالد عبد الناصر، ذلك الصديق الكبير الذى فقدته مبكرا وفقده الوطن والأمة قبل أيام، وانطلقت جنازته المهيبة بعد صلاة الجمعة الماضية من مسجد وضريح والده الزعيم الخالد جمال عبد الناصر.

أحب ضريح عبد الناصر، أعترف، مع أننى دربت نفسى وروضتها على أن لا أترك مجالا للقبور والأضرحة أن تفرض قيودها على تفكيرى ومواقفى، لكن حبى لضريح هذا القائد الثورى النبيل كثير الأخطاء عظيم الإنجازات، نُسج من أشياء إنسانية وذكريات شخصية، يصعب شرحها وسردها كلها، ربما أصغرها شأنا هذه البساطة الأنيقة التى تميز تصميم عمارته، أما أقواها فهو اسم صاحب الرفات الطاهر المسجى فى التراب تحته.

وفى لحظة -وأنا ذائب بين الآلاف الحزينة المشاركة فى توديع صديقى خالد- داهمنى خوف أننى ربما على وشك أن أكره هذا الضريح الجليل، فأغمضت -من شدة الجزع- عينىَّ على صورة خالد، تلك التى كان فلاح بسيط يرفعها فوق رأسه، وقد كتب عليها بيده وبخط جميل «أمانة يا دكتور خالد تسلّم لنا على أبو الفقراء أبو خالد».

طال انطباق جفنىّ على مقلتىّ، وبقيت مغمضا حتى وأنا أتبادل عناق العزاء مع عشرات من رفاق الحزن الذين أعرف بعضهم، ولا أعرف أكثرهم.. أحد هؤلاء قطع استغراقى فى الهروب، وهمس، وهو يخلط ماء دموعه الحارة بدموعى: هل تلاحظ مظاهر الفرق بين ابن وابن، ورئيس ورئيس؟

لم أرد على رفيقى، غير أن سؤاله المباغت استحضر فى خاطرى مقارنة قسرية بين مشهدين محملين بعدد لا يحصى من المعانى والعِبَر. المشهد الأول ذلك الذى كنت غارقا فيه وأنا أشيّع ابن رئيس عاش (أى الأب) عمره القصير ثائرا نزيها فقيرا، ومات وقد لقبه ملح الأرض من شعبه وأمته بـ«أبو الفقراء» فلم يترك -بعد رحيله- لأولاده من متاع الدنيا شيئا يذكر سوى ما أتاحه حكمه لأبناء البسطاء والفقراء أمثالنا من فرص متكافئة لتحصيل العلم الذى نهل منه خالد، فصار أستاذا مرموقا فى الهندسة.

وأما المشهد الثانى فهو الذى يخطف أبصار الدنيا هذه الأيام، إذ يجتمع فيه رئيس آخر مع ولدَيْه فى قفص حديدى بمحكمة جنايات، تحاكمهم بتهم بشعة، ليس أقلها الفساد واللصوصية واكتناز الثروة والمال الحرام، وليس أسوأها قتل المئات من زهرة شباب هذا الوطن وجرح وإطفاء نور البصر فى عيون آلاف آخرين، لأنهم انتفضوا وثاروا على حكمه الإجرامى الطويل، وعبروا مع الشعب كله عن الشوق لبلد ومجتمع يزهوان بالحرية والكرامة والعدالة.

تداعت فى رأسى مظاهر التناقض الفاحش بين الابنين والرئيسين، فذاك رئيس مات (عن اثنين وخمسين عاما) منذ 41 سنة كاملة، لكنه بقى وسيظل حاضرا خالدا فى ضمير شعبه، وهذا رئيس طال عمره حتى هرم وشاخ، لكنه يعانى -وهو الحى- من موت معنوى مخز ومروّع!

هذا ابن رباه أبوه على عشق الوطن وأهله، وكراهية أعدائهم والاستعداد الدائم لمقاومتهم وقتالهم، ولو كان الثمن الاستشهاد على حبل مشنقة (تذكر قضية تنظيم ثورة مصر الذى شارك خالد فى تأسيسه) وفى المقابل هناك ابن تربى على عبادة المال وعشق السلطة، لدرجة التحالف مع العدو وموالسته وإغداق الهدايا المجانية عليه (الغاز وغيره) لكى يرضى ويكفله ويدعم طمعه فى وراثة حكم أبيه.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

***********

خالد عبدالناصر يرحل بأسراره


 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية