مصرنا


مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الامريكية عن المركز الامريكى للنشر الالكترونى .. والاراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها
رئيس التحرير : غريب المنسى
............................................................................................................................................................

 
 

 مصر التائهة بين مبادرة أمريكية للهيمنة ومبادرة مباركية لمزيد من الاستبداد: هل يصبح الحل الأخير مبادرة شعبية بالعصيان المدني ؟
...............................................................

بقلم : هويدا طه
...................

إضافة إلى أخبار الشهداء الفلسطينيين التي لم تعد مثيرة، وأخبار العراق التي أصبحت مملة، وصور الجثث والدماء هنا وهناك التي لم تعد تثير جزع نملة في الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه، لم نعش على مدى الأسابيع الماضية إلا الجدل الدائر بشأن نوعين من المبادرات المضحكة، أولهما مبادرة أمريكية(حنون)تعرب عن شفقتها على شعوب الشرق الأوسط- أو بشكل أدق الشعوب العربية- وتبادر إلى إعلان نيتها إنقاذها من القمع الذي تعيشه منذ عقود متواصلة، وهذه المبادرة يتعاطف معها مثقفون عرب يائسون، متشككون في قدرتهم على تغيير حالهم، وقد لا يمكنك لومهم كثيرا على تعلقهم بهذه القشة حتى لو كانوا يدركون أنها(حق يراد به باطل)، كما يرفضها آخرون تخوفا من هذا(الباطل)رغم علمهم بما هم فيه من عجز عن التغيير، ويحار بشأنها آخرون كثر، أما المبادرة الثانية فهي ما لوح به حكام مصابون بخرف الشيخوخة- فكرا وعمرا- وأطلقوا عليه اسم(الإصلاح العربي من الداخل)في مؤتمر بائس عقد في الإسكندرية- شارك فيه مثقفو(وسط العصا)- دون أن يحددوا بالطبع من المقصود تحديدا بهذا(الداخل)؟هل يقصدون أنفسهم باعتبارهم هم الوطن وهم الدولة وهم المالكون للأرض ومن عليها؟ أم يقصدون بالداخل شعوبا لم يسمحوا لها أبدا أن تصلح نفسها أو تصلحهم؟! وبعيدا عن غضب يؤدي بنا أحيانا إلى الرغبة العارمة في البصق على وجوهٍ .. ولدنا وكبرنا وهي لا زالت تطل علينا صباح كل يوم.. من الجرائد والتليفزيون وجدران المباني في الشوارع وحوائط دهاليز المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، وبعيدا عن الاستسلام لرغبة عارمة تتملك كل مواطن عربي الآن في سباب هؤلاء، الذين لم يكتشفوا أنهم في حاجة إلى الإصلاح إلا عندما ركلتهم الولايات المتحدة من خلف ظهورهم!، فإن كل الأمم والشعوب عبر التاريخ عندما تجد نفسها بين خيارين كلاهما أحمق، تبحث بالغريزة عن..(طريق ثالث)، والشعوب العربية لا تعيش في كوكب آخر، وليست مختلفة عن باقي الشعوب في المحددات الأساسية لحاجات المجتمعات البشرية، رغم إيمانها بالتفسير التواكلي الخرافي لاعتبارها خير أمة أخرجت إلى الناس، وكما الشعوب التي حفرت طريقا ثالثا بعيدا عن أطماع الأمم الكبرى واستبداد الداخل الكريه، ربما صار علينا نحن أيضا أن نبحث عن... طريقنا الثالث.

العصيان المدني.. مبادرة ثالثة

المشكلة الحقيقية التي تواجه الشعوب العربية في مأزقها التاريخي أنها لم تحدد لنفسها مطلبا محددا تناضل من أجله!..الديموقراطية؟ لا .. من منكم سمع بائعا متجولا في شوارع مدينته أو امرأة من عائلته أو أحد جيرانه أو رفيقه في القطار أو زميله على محطة أتوبيس أو جاره في طابور الخبز أو خطيبا في مسجد أو عاطلا يتنقل بين مقاهي المدينة أو أي مواطن عربي في موقع ما يطالب بالديموقراطية؟! هذا مطلب النخبة العربية المثقفة المعزولة في برجها العاجي، تطل منه على شعوب هائمة تعاني في الشوارع وفي كل مؤسسات المجتمع دون أن يكون بينهم أي اتصال، فلا نخبة(المثقفاتية)تريد أن تمد يدها إليها ولا تلك الكائنات الصامتة تبحث أصلا عن مثقفيها(الطليعيين)لتنيبهم عنها، هذا بالطبع لا يعني أن الديموقراطية ليست مطلبا ضروريا! وإنما يعني أنه مطلب مشروع يطرحه مثقفون ولا يسانده المعنيون به! ربما لأنهم لا يثقون بهم! أو لأنهم لم يروا فيهم معبرين حقيقيين عن حاجاتهم بدقة تجذبهم وتضمن التفافهم! لذلك يشعر المثقفون العرب الطليعيون.. المتفلسفون.. الواعون.. الحافظون للأشعار ومقولات الفلاسفة ونظريات التفرقة بين البنيوية والتفكيك.. أنهم يؤذنون في مالطا! كما أنهم يتبنون(المطالب)حسب الموضة! فقد كانت الاشتراكية مطلبا استراتيجيا في زمن من الأزمنة، ثم صارت الوحدة العربية مطلبا ملحا! ثم أشرق زمن المطالبة بالديموقراطية.. وفي كل مرحلة كان المثقفون الطليعيون يظنون أنهم يعبرون عن المطالب(الشعبية)، والأمر الآن لا يختلف كثيرا! حتى الحكام العرب شاركوا في اللعبة ولكن من موقع السلطة، فبعض إمارات الخليج الصغيرة صحا حكامها ذات صباح ليقولوا لأنفسهم(لنمنح رعايانا بعضا من هذا الشيء الذي يسمونه ديموقراطية في بلاد الفرنجة)! فإذا بالرعية تصحو ذات صباح تال ٍ ليجدوا إعلانا عن شيء(يساقون)بمقتضاه إلى صناديق أنيقة يلقون فيها بأوراق ذات طباعة راقية يقولون فيها(نعم)! ولم يتساءل أحد(ماذا لو رجع ولي الأمر في كلامه وتراجع عن وجع الدماغ هذا.. هل تتمرد الرعية؟)! القضية إذن ليست في ضرورة الديموقراطية أو استحقاق الشعوب لها، القضية هي من يطالب بها وكيف يراها وماذا يقدم من أجلها! الأوروبيون أصحاب هذا الإبداع العجيب بذلوا دماء أنهارا كي يتمكن أحد أحفادهم في نهاية المطاف من قذف مسؤول كبير بالطماطم أمام عدسات الكاميرات إذا ما قال شيئا لم يعجبه دون أن يخاف من العاقبة، بل يرتجف المسؤول ويخاف بسبب(غضب هؤلاء)، والهنود بما كانوا عليه من فقر مدقع وأمية وضعف أمام قوة عظمى متعالية متعجرفة كبريطانيا، التفوا حول غاندي عندما نزل إليهم في مستنقعات الملح ليفجر فيهم قوة لن ينساها لهم التاريخ، وفلاحو الصين صنعوا معجزة تحير الدارسين عندما التفوا حول ماو الذي لم يغلق باب حجرته ليفكر ويفكر في مطالب الخلاص، وهؤلاء لم(يستوردوا)مطالبهم من الآخرين، وإنما نظروا في خصوصية أهليهم، إذ لا توجد أمة لها خصائصها المميزة في العالم إلا ومن بين روافدها الثقافية فلسفة ما، تدور حول(مقاومة الظلم)، سواء كانت هذه الروافد دينية أو فلسفية أو حكمة شعبية أو نظريات علمية، تجد ذلك في تعبير بعض الرواد فيما كتبوا وقالوا لذويهم، قالها تولوستوي الروسي في كتابه(الخلاص في أنفسكم) وقالها ديفيد هنري ثورو الأمريكي في كتابه(العصيان المدني)وقالها القرآن في الآية القرآنية(لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)وقالها المسيح في(موعظة الجبل)وتبدت في إيمان غاندي الهندوسي بقوة اللاعنف أو ما كتبه جون راسكين الإنجليزي في كتابه(حتى الرجل الأخير)أو ما كتبه عبد الرحمن الكواكبي العربي عن(طبائع الاستبداد)وغيرهم آلاف من البشر، الذين جمعوا في كتاباتهم تجارب الأمم وخلدوها في رؤىً ترسم طرقا مختلفة لمقاومة الظلم، لم تكن أيا منها مستوردة ، ربما استوحت روح المقاومة من تجارب الآخرين لكنها لم تتناولها معلبة، ولم تتم أي منها من شرفة القصر العاجي للمثقفين، والشعوب العربية- والشعب المصري مثالا،لا لشيء إلا لأنني أعيش مصر جسدا وثقافة وأحمل كأي مصري حملها التاريخي والجغرافي والثقافي الثقيل- لا يختلف عن باقي شعوب العالم، فهو يحتاج إلى الخلاص من الظلم الذي حاق به عبر قرون، بل عبر ألفيات مرت عليه الواحدة تلو الأخرى حتى صار يظنه أحد ظواهر الطبيعة كرياح الخماسين أو فيضان النيل، لكنه لا يعطي آذانه لمثقفيه الذين يتحدثون ليلا ونهارا عن(الديموقراطية)، دون أن يعبروا بصراحة حق عما يراه(ظلما)لآدميته تهدر يوميا في الشارع والبيت وأقسام البوليس والمدارس والجامعة والمصانع والحقول، فكيف للفلاحين المهمشين والعمال المطحونين والنساء المقهورات أن يعرفوا تحديدا العلاقة بين هذا الظلم ونقص الديموقراطية، هذا ليس تعاليا، فأغلبنا من هؤلاء المهمشين لكن بعضنا عندما لمس تجارب أمم ٍ أخرى قفز إلى النتيجة التي وصلت إليها وأراد ربما بحسن نية أن ينقلها دون ثمن، المصريون يوشكون على الانفجار بسبب ما يلحق بهم من إذلال وما يرونه من نهب لكل شيء كرامة وقوتا بل وحياة، وفي الوقت الذي يمكن لمثقفيهم الإطلال عليهم بمطالب محددة واضحة تنقل لهم جملة شرطية محددة تربط زوال المعاناة بزوال السبب، لا يجرؤ المثقفون المصريون- إلا قليلا- على إعلان السبب والوسيلة، هذه العبارات الغائمة عن(الإصلاح السياسي)لن تجمع حولها أحدا، لن تضمن التفاف الناس المعنيين أساسا بهذا الإصلاح، هذا الإمساك المقيت للعصا من وسطها لن يمنح المصريين أبدا قوة اندفاع كالتي منحها ماو لفلاحي الصين، أو غاندي لفقراء الهند، نحن في حاجة إلى إعلان صريح يحدد فعلا محددا واضحا يطلب شيئا محددا: ليسقط مبارك فورا طوعا أو كراهية! ليسقط ذلك النظام القمعي الكريه الذي نعته جمال حمدان في وصفه لشخصية مصر بقوله(الديكتاتورية المصرية الغاشمة الجهول)، ليسقط هؤلاء الفاسدون اللصوص الذين اختطفوا بلدنا وروحنا وكرامتنا وقوتنا، كيف؟ ليس بالمطالبة المائعة بالديموقراطية المعلبة وإنما بالعصيان، العصيان المدني الذي جربته من قبلنا أمم وفلحت، فلنتوقف عن دفع الضرائب، ولنقاطع المؤسسات الحكومية ونشل الحركة الهزيلة التي تحفظ مجتمعنا الذي صار هشا مجوفا، لنحارب ثقافة الرضوخ وثقافة(أطيعوا أولي الأمر)التي صنعت من الإنسان المصري ركوبة لكل تافه يريد أن يركبه، لنغضب كما غضب آخرون، ليتقدمنا مثقفونا ويقفوا في الشارع ويعلنوا لحظة البدء، المصريون لن يستجيبوا إذا ما خرج عليهم أحدهم ليقول لهم نحن بحاجة إلى إصلاح سياسي، بل ستأتي استجابة مبهرة إذا قال توقفوا غدا عن الذهاب إلى مؤسسات الحكومة العفنة.. لا تدفعوا الضرائب.. أضربوا عن العمل.. واجهوا البوليس..، نحن بحاجة إلى(جبهة وطنية)من المثقفين تعلن ذلك في وقت واحد، ليجد هذا النظام الكريه نفسه في صدام- ليس مع واحد يمكن افتراسه بسهولة- وإنما مع جبهة ، كفوا رجاء عن القول(نناشد سيادة الرئيس)! كيف نناشد هذا الذي خرب مصر وأوصلها إلى تلك الدرجة المهينة من الفقر واستخفاف الصغار والكبار بها؟ لماذا يتصور بعضنا أن(ثقافة المناشدة)المزرية يمكن أن تأتي بشيء! نحن بحاجة إلى دعوة صريحة بالعصيان.. من الجريدة والتليفزيون.. وفي المقاهي وعلى محطات الأتوبيس، ماذا بقى لدينا نخاف عليه من تبعات العصيان؟ المصريون لم يبق لهم شيء، سلخهم النظام حتى عظامهم من الكرامة والقوت ومقومات البقاء، (المبادرة الوحيدة)التي تجذبهم من يأسهم ليست مبادرة الأمريكان ولا مبادرات النظام الكريه، ما يجذبهم هو إطلاق شرارة البدء... بالعصيان

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية