مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 رئيس مصر الذى لم يكن

 

عبدالناصر

 

بقلم : يسرى فودة
.....................

عقب الهزيمة المدوية فى يونيو ١٩٦٧ علم أقوى رجلين فى مصر، جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر، أنهما فقدا شرعيتهما فاتفقا على التنحى وتسليم الأمانة إلى رجل آخر هو شمس بدران الذى كان أيامها وزيراً للحربية وكان محل ثقة الرجلين. كان عامر، مساء الخميس ٨ يونيو، فى مقر قيادة القوات المسلحة يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه بينما كان عبدالناصر يتصل من منزله فى منشية البكرى بعقله الإعلامى محمد حسنين هيكل، كى يكلفه بصياغة أفكار بعينها فى خطاب التنحى. جاءه هيكل صباح اليوم التالى بخطاب عاطفى غيّر فيه عبدالناصر سطرين. غيّر أولاً أنه «على استعداد لتحمل نصيبى من المسؤولية» إلى أنه «على استعداد لتحمل المسؤولية كلها»، وغيّر ثانياً اسم رئيس مصر الجديد دون أن يخبره ودون حتى أن يخبر الرئيس الأجدد الذى اختاره وحده: «فلقد كلفت زميلى وصديقى وأخى زكريا محيى الدين بأن يتولى منصب رئيس الجمهورية»، فيما وصفه البعض بـ«خديعة أبى موسى الأشعرى».

من تلك اللحظة بدأ فصل من التاريخ المصرى الحديث أشبه ما يكون بالمأساة الإغريقية. احتمى عدد من الضباط بمنزل المشير عامر فى الجيزة (مكتبة مبارك الآن)، وقناعتى أنه كان رجلاً صعيدياً أصيلاً لم يكن ليرد من احتمى به ولم يكن أبداً ليغدر بأعز أصدقائه عبدالناصر. فى الوقت نفسه عزل عبدالناصر كلاً من شمس بدران، وزير الحربية، وصلاح نصر، مدير المخابرات، (المقربين من عامر) من منصبيهما ووضع سلطاتهما معاً بين يدى رجل واحد هو أمين هويدى الذى كان من أكثر الحانقين عليهما وعلى عامر فى سعيه إلى التقرب من الزعيم. وكان عبدالناصر قبلها قد عين الفريق محمد فوزى قائداً عاماً للقوات المسلحة بدلاً من المشير عامر.

فى سعينا نحن لتدقيق التفاصيل فى تلك الفترة الحاسمة أتيحت لنا فرصة اللقاء بكل من حسين الشافعى، نائب الرئيس، وأمين هويدى - رحمهما الله - وسامى شرف، مدير مكتب الرئيس للمعلومات، أمد الله فى عمره. وقد حاولنا أكثر من مرة إقناع شمس بدران فى بريطانيا بالحديث لكنه كان يتراجع فى كل مرة. ونظراً لحالته الصحية لم يعد زكريا محيى الدين، متعه الله بالصحة، فى حالة تسمح له بالشهادة.

على مدى سبعة أسابيع اتسعت الهوة بين جمال وحكيم، وتراكمت الشكوك، يغذيها أصحاب المآرب الشخصية على الجانبين إلى أن وصلنا إلى ليلة ٢٦ أغسطس، ليلة العشاء الذى لم يكن، عندما أخذ عبدالناصر بنصيحة بعض مساعديه فاتصل بعامر كى يدعوه إلى عشاء فى منزله فى منشية البكرى.

بمجرد خروجه من بيت الجيزة وصلت قوة بقيادة الفريق محمد فوزى فحاصرت المنزل وجرت مواجهة كلامية مثيرة عبر البوابة الحديدية بين فوزى من الخارج وشمس بدران وجلال هريدى من الداخل. وبمجرد وصوله إلى منزل الرئيس جُرد عامر من سلاحه وقبض على حارسه وسائقه واقتيد إلى حجرة الصالون فلم يجد عشاءً وإنما وجد رؤوس البلد: عبدالناصر والسادات والشافعى ومحيى الدين.

كانت تلك أشبه بمحاكمة خاصة شهودنا عليها ثلاثة: الشافعى من الداخل، وأمين هويدى يسترق السمع من الصالة، وسامى شرف يسجلها على شرائط فى مكتبه المقابل لمنزل الرئيس.

وقع أثناءها تبادل لعدد من الكلمات القوية من أكثرها أدباً أن عامر فوجئ بتدخل السادات الذى بدأ يدرك رجحان الكفة فى صالح عبدالناصر فقال بعد صمت، ما معناه: «ما خلاص بقى يا عامر البلد مش مستحملة»، فما كان من عامر إلا أن أجلسه فى موضعه: «بقى إنت كمان بقالك حس يا ... ؟». ثم انتهت الجلسة بإعلان عبدالناصر تحديد إقامة عامر فى منزله.

عندما عاد عامر إلى منزله قرب الفجر لم يجد به سوى زوجته وأولاده بعد أن ألقى بكل من لجأ إليه إلى غياهب السجون القبيحة، عدا شمس بدران الذى ألقى به إلى معتقل القلعة. وبعد ذلك بنحو أسبوعين كانت فرقة خاصة بقيادة محمد فوزى وعبدالمنعم رياض تجر المشير عامر حرفياً إلى استراحة المريوطية حيث لقى حتفه، فيما تطرح الرواية الرسمية أنه انتحار، وتطعن بعض الملابسات فى صدقية هذا الطرح.

وبعد ذلك بنحو ثلاث سنوات يغادر شمس بدران مصر كى يبدأ حياة جديدة فى جنوب إنجلترا فى إطار صفقة مع النظام أحد بنودها كما يبدو، ألا يتكلم. اليوم، بعد نحو أربعين سنة من الصمت، يقرر شمس بدران أن يتكلم لأول مرة، لكنه حين يتكلم لأول مرة يتكلم عن الحياة الجنسية لجمال عبدالناصر.

بدأت القصة عندما اتصلت بى وكالة الأهرام كى تقول إن اسمى قد تم ترشيحه بقوة لإجراء ثلاثين حلقة من الحوار مع شمس بدران فى بريطانيا. تحمست للموضوع، لكننا لم نتفق فى نهاية المفاوضات لأسباب لا يصح طرحها فى مقال. ورغم ذلك كنت ومازلت سعيداً بأن تتاح لنا فى مصر وفى العالم العربى فرصة الاستماع إلى شهادة إحدى أبرز الرؤوس فى تلك الفترة الحاسمة من تاريخ العرب الحديث. ففى بيئة سياسية لا تؤمن بحرية الوصول إلى الوثيقة والمعلومة الدقيقة لاتزال شهادات المعاصرين للأحداث – بكل ما يصيبها من مناظير شخصية – إحدى أهم المفردات فى الطريق إلى توثيق الأحداث وكتابة التاريخ عن طريق المقارنة للخروج منها بأقرب صورة ممكنة إلى الحقيقة.

وبينما نوجه تهنئة لوكالة الأهرام على هذا السبق الصحفى الذى تم توثيقه، كما نعلم الآن، فى ست وثلاثين ساعة مسجلة على شرائط، فإننا لا نستطيع، فى الوقت نفسه، مقاومة إحساس بالاستغراب من السماح لرجل كان على خلاف مع رجل آخر هو الآن فى ذمة الله بالحديث عنه بما يمس عرضه وشرفه دون سند موثق ودون محاولة لمساعدة الناس على وضع المزاعم والادعاءات فى سياقها الأكبر الذى يفيدنا فى فهم الصورة الكلية أكثر مما يستثير غرائزنا ويلهينا عن واقعنا الحقيقى ويخدم أغراض طرف على حساب طرف آخر.

يزعم رئيس مصر الذى لم يكن، شمس بدران، بأن جمال عبدالناصر كان ضعيفاً جنسياً وأنه لذلك كان يستمتع بمشاهدة أفلام «خاصة» للفنانة سعاد حسنى لعل وعسى أن تساعده فى زمن لم تعرف فيه الفياجرا. ورغم أنه من السهل الرد على ذلك بالقول: نعم كان الرجل من الضعف الجنسى بحيث إنه لم يستطع أن ينجب أكثر من خمسة أطفال، فإننا حين نفعل هذا نكون قد بدأنا حواراً سافلاً لا يفيد أحداً سوى أعدائنا وأصحاب الأجندات المغرضة، ونحن على يقين بأن الدكتور عبدالمنعم سعيد، رئيس مجلس إدارة الأهرام، أكثر رقياً من أن يسمح لمنتج رخيص كهذا بأن يصدر، على هذا النحو، عن الأهرام.

استقيموا يرحمكم الله.
 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية