مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 لغة الكلام في أفعال عيون الآنام
...............................................................

أحمد فوزي
..................

أخبرنا سعيد بن مسعود الشافعيّ عن العز بين يوسف السكندري أنه قال:

- في غرة العام الأول من تسعينيات القرن الماضي ، حاضرنا أحمد بن اسماعيل محاضرة عنوانها لغة الكلام، استهلها متهما إيانا وإياكم بما لا أحب أن أذكره، معللا اتهامه بأننا نقول مالا نفهم ، ومن ثم نفعل مالا نقصد، فنصل إلى ما لا نهدف ، وأن ذلك سر التأخر والانحدار كلما سعينا حثيثا للتقدم والبعد عن البوار.

فقاطعه ابن سويلم المعروف بغضبته للكرامة المصرية والشهامة العربية قائلا:
- إن اللغة العربية هي سيدة اللغات ولا ريب ، والعرب هم سادة الكلام دون شك.

وأفاض ابن سويلم في مدح اللسان العربي، وأشياء أخرى كثيرة أجد أنه من السخف إعادتها على الأسماع لأنه لايوجد إلا ما يكذبها في حاضرنا المعاش من المهانة وتردي الأوضاع.

بعد أن سكتت عن ابن سويلم غضبته وهدات عنه سورته، قال أحمد:
- إن كنتم قد غضبتم للسان العربي ، فهل لي أن أتناول العين العربية بالتحليل والنقد؟

فسكتنا حتى نعرف كيف تنتقد عيون المها الواسعة الكحيلة، التي من فتنتها سقط الجبابرة صرعى في عجز دون حيلة فأنشد مغنيا " داري العيون داريها .. فالسحر ساكن فيها" ، فلما لم يجد ابن اسماعيل منا إلا الصمت قال:

- السؤال هو ماذا تفعلون بعيونكم التي وهبها الله لكم وحثكم على استخدامها بألا تبصرون وألا تنظرون وغيرها من الأفعال التي تؤتى بالعين، ولكني أجدكم لا تفتحون عيونكم للاستخدام إلا لتحدقون أو لتتفرجون ، ثم يقول القائل منكم نظرنا وشهدنا وأبصرنا وغيرها من الأفعال التي يمكن أن تمارسها العيون.

همّ ابن سويلم بالمقاطعة ، فطالبناه بالانتظار والتعقيب آخر المحاضرة ، فتململ بضيق لكنه والحق التزم الصبرحيال ما فرضناه عليه من تضييق، وبعد حذف المقاطعات سواء بالاعتراض أو الاستحسان والتهليل إليكم ما قاله ابن اسماعيل:

- العين أداة متعددة الاستخدامات وفقا لما نمارسه بها من أفعال، وسأعرض بعضها موضحا ما بينها من فروق، ثم نتناول المعاني الموصلة للغرض من هذه المحاضرة :

• الاستخدام المباشر للعين هو أن نفعل بها " المعاينة " فنقول عاين زيد ويعاين عمرو، وأشهر المعاينة هو ما تستخدم الشرطة أو النيابة فيه عيونها في موقع الجريمة. فالمعاينة تسجيل بالعين للصورة كاملة وكأنها آلة تصوير، فالصورة لا تكذب ، وصورة واحدة تغني عن صفحات كثيرة من الوصف بالكلمات.

• وقد دابت الشرطة على استخدام عيونها في فعل آخر هو " البص"، فنقول بص زيد ويبص عمرو وأن عبد العال بصاصا. والبص فعل تستخدم فيه العيون للتسجيل خفية دون أن يفطن لذلك المبصوص عليه، وقديما في عصور كانت أقل من عصرنا نفاقا كان يطلق على المخبرين السريين اسم البصاصين ، فالبص من حيث التخفي إذن يشبه التجسس الذي يوظف الجلد " للجس " بالطريقة التي توظف بها العين في "البص" ، وأشهر البص هو البص من ثقب يحدثه البصاص في جريدة خاصة وهو يرتدى المعطف الشهير، وكذلك البص من ثقب الباب.

وبعيدا عن عيون الشرطة يستخدم غيرهم عيونهم في فعل البص المخفف الذي هو "البصبصة " وهو البص خفية للمبصوص عليه مع التلميح أو التصريح بما تم تسجيله بالعين، وهو ما كان يفعله ظرفاء ذكورالزمن الجميل مع ذوات الملاية اللف قبل أن يهتفوا قائلين " أحبك يا أبيض " ، وهو نفسه الذي يفعله ذكورهذه الأيام بفجاجة عرفت بالتحرش.

فعل البص إذن يربط العين بمراكز إدراك هي مراكز خبيثة دون شك، تلك التي تحث على الحرص على التخفي وإتيان المبصوص عليه من حيث لا يدري ، وكتمان ما يتم تسجيله بالعين إما ليكون دليل اتهام ضد المبصوص عليه أو موضوع ابتزاز له أو ليكون متعة محرمة لمن بص، أما في حالات عدم الكتمان التي تلزم البصبصة فإن التصريح إن لم تغلفه استعارات لطيفة يكون تحرشا يعاقب عليه العرف والقانون.

• أما استخدام حدقة العين فقط فهو فعل "التحديق"، فنقول حدّق عمرو ويحدق زيد، والتحديق هو تسليط حدقة العين على المحدق به، وهو الفعل الذي عادة ما يستمر فترة طويلة، إذ يقال عادة " أدام التحديق" أو " حدق طويلا "، وهو ما يمثل محاولة ضبط عدسة الكاميرا قبل تسجيل الصورة.

فعل التحديق إذن يربط العين بمراكز قصورالإدراك ، تلك المراكز ذات الصلة بضعف القدرة على استيعاب المحدق به، إما لاتساعه أو لعدم وضوحه أو لغرابته أو لأي اسباب أخرى، فيسقط المحدق في هوة الحيرة والتردد والعجز. وغالبا ما نجد أن فعل التحديق يكون مصحوبا بانطباعات مثل " حدق مبهوتا " و" اتسعت حدقتاه"، وغالبا ما لا يؤتي المحدق فعلا إيجابيا بعد أن تتسع الحدقتان بل نجده حائرا عاجزا حتى يقضى أمرا كان مفعولا.

• نأتي لاستخدام آخرأكثر تعقيدا للعين هو فعل " الملاحظة "، فنقول لاحظ زيد ويلاحظ عمرو، والملاحظة فعل يوظف فيه ذلك الجزء من العين الذي يعرف باللحظ وجمعه ألحاظ ، ويبدو أن توظيفه يحتاج لمهارة الجراح ودقته، إذ يقال " جرحني لحظك " بمعنى لمس شيء من عينيك قلبي فجعله متعلقا ولهانا بذلك الشيء ، كما يقال " دقة الملاحظة" لالتقاط العين للتفاصيل الصغيرة و"قوة الملاحظة" لالتقاط العين لما لا يمكن أن تلقطه بدون توظيف ذلك اللحظ.

فعل الملاحظة إذن يربط العين بمراكز الإدراك المختصة بالجزئيات والتفاصيل الدقيقة لتلتقطها وتسجلها وتحتفظ بها هي فقط لفترة طويلة ، تجعل الملاحظ يتذكر الموضوع كله بواسطة تلك الجزئية التي تمت ملاحظتها، فيتذكر الحلو " أبو شامة على جبينه " ويهيج به الشوق للموضوع الذي تظهر بوجنته اليسرى غمازة صغيرة متى تبسم.

• وللعين استخدام خاص حين نمارس بها فعل " الشوف "، أو كما نقول شاف زيد أو يشوف عمرو، ولارتباط الشوف بالشفافية لفظا، فأظن أننا نمارس فعلا عجيبا بعيوننا على الموضوع الذي نشوفه ، ذلك بأن نفعل بعيوننا ما يجعله شفافا كالبللور فنشوف محتوياته التي يحجبها مظهره الخارجي عن العيون التي لا تمارس الشوف.

وفعل الشوف ليس من الأفعال البسيطة بالتأكيد، فهو يرتبط بالمراكز الداخلية التي تبحث عن الحقائق أو تتشوف لها، إذ يقال " اللي يعيش ياما يشوف" إما لتآكل الغلاف الخارجي للأشياء بفعل الزمن فتبدو محتوياتها الداخلية، أو لأن من يعيش طويلا يكتسب الخبرة المطلوبة على استخدام عينيه لفعل الشوف ، واستكمال المثل الشهير يؤكد ذلك إذ يقول "واللي يلف يشوف أكثر" لما يكتسبه المرء من خبرات أكيدة خلال رحلة اللف والسعي في مناكبها. وإذا قال لك شخص ما : "شفت ما حدث لعبد العال ؟" فهو على وشك أن يخبرك بحقيقة ما حدث لعبد العال، وأنت نفسك كنت ترغب في معرفة ما حدث لعبد العال وإلا لماذا يخاطبك أنت دون غيرك؟ وإذا قال لك أحدهم : " شوف لنا أخبارحسنين" فهو يتوقع أن تعود إليه بالحقائق بكامل أبعادها وأعماقها لأنه يعرف بعض أخبار حسنين ويريدك أن تبحث بحثا حثيثا لتستكملها له.

• وفعل " النظر" من الاستخدامات الأكثر تعقيدا للعيون ، فنقول نظر زيد وينظر عمرو، والنظر فعل مباشر بالعين يغوص عميقا ليسبر أغوار ما ينظر إليه، إذ يقال " نظرة ثاقبة" و"نظرة عميقة" ، فكأنما تستخدم العين مثقابا للوصول إلى أعماق المنظرلفحص كينونته ومعرفة أسباب علته، ويختلف النظر عن الشوف اختلافا بينا، فالنظر يثقب ما ينظر إليه بينما الشوف يعري كساءه الخارجي، ولعمل الثقب الذي ينظر منه يلزم تحديد زاوية إحداث الثقب لما لها من تأثير كبير في النظرومن ثم كان هناك دائما " وجهات نظر" تختلف باختلاف تلك الزاوية، كما تختلف باختلاف موقع من ينظر من حيث البعد أو القرب.

وفعل النظر بهذا يربط العين مباشرة بالعقل العملي ، ألم تصادف إمعة يدلي بدلوه فيثني عطفه ويقول لك " أنت لا تفهم النظرية" !! فكأنما يهدف فعل النظر لوضع نظرية عن المنظور، ووضع النظرية كما هو معلوم عملية عقلية معقدة لها مراكز الإدراك الفكرية التي تختص بالمناهج العلمية والتجريبية بغرض الوصول إلى نظرية يمكن تعميمها وأخذها كمسلمة بديهية لاستنتاجات وتطبيقات أخرى ، ما أعنيه هو أن فعل النظر يقود إلى تلك المراكز العقلية وكأنك عندما " تنظر في الأمر" فكأنما تسعى لوضع نظرية عن ذلك الذي الأمر.

والنظر فعل معقد يتم بطريقة دائرية تبدأ " بالنظر إلى الشيء" بمعنى المعاينة وتحديد موقع من ينظر وزاوية الثقب أو التناول الذي يتم النظر منها ، ثم " النظر في الشيء" بمعنى سبر اغوار الكينونة والوصول للعلة والأسباب ووضع النظرية، ثم " النظر إلى الشيء" مرة أخرى كنظرية تم اثباتها لتستخدم عند "النظر إلى" موضوعات أخرى.

• أما فعل " الابصار" الذي تستخدم فيه العين عندما نقول أبصر زيد أو يبصر عمرو، ففعل يربط العين بالقلوب التي في الصدور، والعلاقة اللفظية واضحة بين " البصر" الذي هو مصدر الفعل وبين " البصيرة " التي هي أعمق أعماق الإدراك ، كما أنه يتم الجمع بينهما عند ذكر العمى الذي هو تلف العيون فيقال " أعمى البصر والبصيرة " والمقصود بالعمى هنا عدم القدرة على استخدام العين للبصر ومن ثم تنعدم القدرة على إدراك اليقين، وكم من الأمثلة لعيون سليمة لكن أصحابها لا يبصرون بها، وكم من الأمثلة لأناس تبدو عيونهم تالفة لكنهم أجادو استخدامها فقط في البصر أو وجدوا من يبصرونهم فكانت لهم بصائر مشهود لها.

و" الاستبصار" هو مرحلة بين الابصار والبصيرة، وهي مرحلة تحليل ومحاولة فهم عن طريق يختلف عن طريق التحليل النظري الذي يمر فيه ما يتم تحصيله بفعل النظر، وتستخدم فيها آليات تحليل وفهم مختلفة فهي هنا القلوب التي في الصدور وليست العقول التي في الرءوس، والنتيجة في هذه الحالة يقينية وليست نظرية نعلم جيدا أنه سيتم تعديلها ولو بعد حين.

• ومن استخدامات العيون فعل " الرؤية " ، فيقال رأي زيد ويرى عمرو، والرؤية فعل بالعين يوظفها في ربط ما يرى بمراكز الإدراك المختصة بتشكيل " الرأي " وجمعه "الآراء"، فأنت عندما تري الشيء بعينيك فكأنما تسعى لتشكيل رأي ما سواء فيما يتعلق بالمرئي أو يكون المرئي من المخلات في تشكيل الراي.

والتعبير الشائع " فلترى ما تراه " يقصد أن تفعل بعينيك فعل الرؤية حتى يمكن توصيل المرئي إلى مراكز الادراك المعنية بتشكيل الرأي ثم تتخذ من الأفعال ما تراه، أي وفقا لذلك الرأي الذي تم تشكيله بفعل الرؤية.

ولفعل الرؤية أبعادا أكثر تعقيدا، فكما تتجلي الصورأثناء النوم أو اللاوعي فيما يعرف بالأحلام، أي أن هناك فعلا ما يعادل فعل العين أثناء اليقظة ، نجد أيضا ذلك التوظيف لذلك الفعل المعادل الذي يطلق عليه ايضا فعل "الرؤية"، إذ يقال " رؤية رأيتها " ويقصد بها في المنام، وفي هذه الحالة يمكن أن يوصل فعل الرؤية إلى مراكز إدراك الغيبيات وهو ما يطلق عليه " الرؤيا" وهي مناطق لا أجد في محاضرتي هذه مجالا للخوض فيها.

• لا أرغب في إطالة أكثر من ذلك، لكن لا يمكنني أن أترك الموضوع دون أن أتحدث قليلا عن استخدام هام للعيون هو فعل " المشاهدة " ، إذ يقال شاهد زيد و يشاهد عمرو ، والمقصود بالمشاهدة فعل بالعين تجاه المشهد يهدف إلى تسجيله كاملا وربطه بمراكز الذاكرة حيث يتم حفظها جيدا، واستدعائها في وقت لاحق دون تحريف أو تشويه تجعل بالإمكان " الشهادة " عن طريق إعادة وصف ما تم مشاهدته، ويقال شهد زيد أو يشهد عمرو.

والعجيب أنك كثيرا ما تجد أناسا كانوا موجودين وعيونهم مفتوحة في موقف ما يحدث فيه ما يحدث ، وعندما تستدعيهم للشهادة عن ذلك الموقف بعينه، فإنهم لا يقدرون على الشهادة لأنهم غير واثقين مما "شاهدوا" أو تجدهم يصفون احداثا لم تحدث وكأنهم شاهدوا موقفا آخر، بمعنى أنهم "لم يشاهدوا" بالرغم من جزمهم بأنهم كانوا هناك وعيونهم مفتوحة، لكنهم بالتأكيد كانوا يستخدمونها في أفعال أخرى غير المشاهدة.

هذا ويلزم التنويه أن من "شاهد" أو "يشاهد" الموقف ليس كمن "شهد" أو "يشهد" الموقف، حيث أن هناك اختلاف في درجة التفاعل، فمن يشهد الموقف أكثريكون إيجابية ومشاركة في الموقف، فيقال " شهد فلان الموقعة " أي شارك فيها ، لكن في كل من الحالتين يجب أن يكون من شاهد أو شهد قادرا على الشهادة بما شاهده أو شهده.


هنا همّ ابن سويلم بالتعقيب، فأشار أحمد بن اسماعيل بالصبر، واستطرد:


- قلت في مستهل حديثي أننا لا نستخدم عيوننا إلا للتحديق أو للفرجة ، وبعد أن استعرضنا بعضا من الأفعال التي يمكن أن نستخدم بها عيوننا ومنها "التحديق" ، بقى أن نعرض لفعل غريب ينسب للعيون قهرا، ألا وهو فعل "الفرجة".

وفعل " الفرجة " يصحبه دوما الاستخفاف والاستهجان، فكم من مرة وجدت قوما يتكأكأون حول حريق أو حادثة ولا يفعلون شيئا فلم تتمالك نفسك من أن تصرخ فيهم : " الدنيا تحترق وأنتم تتفرجون!!" أو " الناس يموتون وأنتم تتفرجون !!" وهو الأمر الذي يفسر قصور المسرح العربي إذ أن الناس الذين يذهبون إليه ليسوا "نظارة" أو "مشاهدين" بل هم "متفرجون".

ما هي طبيعة فعل الفرجة إذن ؟

الفرجة من الفرج ، والقرج يأتي بعد الكرب، والأصل أن يكون الفاعل مفرجا للكرب، "فمن فرّج عن مؤمن كربة فرّج الله عنه كربه يوم القيامة" ، أي أن الأصل أن يقوم الفاعل بتفريج كرب الآخرين، أما أن يتفرج بمعنى أن يفرج كرب نفسه فذاك أمر فيه إلتواء، ولتتأمل معي من يقوم بذلك ، لإنه لا يبدل إنما يتبدل، إنه لا يغير إنما يتغير، إنه لا يفعل بل يتفعل، لكن كيف يمكن أن يتفرج المرء من كروب ألمت به فملأت جوفه وصدره بالهموم ؟

الأصل في ذلك أن يحاول أن يفعل شيئا يخرج به تلك الشحنة من الهم والغم ، وذلك يكون غالبا عن طريق الغضب أو الثورة في حالاته القصوى، أما أن اللجوء إلى تنفيس الهم والكرب عن تفريغ الهم وتنفيس الكرب عن طريق العين عند تسليطها على موقف يحدث أمامها فهو نكبة الفرجةن إنه تحايل على العيون لاستخدامها ليس كأداه لاستيعاب مدخلات العالم الخارجي بغرض إدراك العلل والحقائق بل لاستخدامها كثقب لتنفيس للهموم والكروب للتخفف منها دون تغييرها أو التعامل معها، ومن ثم نجد المتفرج لا يتعامل ما يتفرج عليه إلا ليتفرج من كروبه أو يتخفف بعض الشيء من همومه فيقلل مما قد يثير غضبته أو يهيج ثورته وبالتالي يظل قادرا على احتمال ما سبب له كربه وهمومه فيشعر براحة كاذبة لفترة مؤقتة.

هذه هي طبيعة فعل الفرجة الذي يجعل من يمارسونه يوجهون للحريق عيونا لكنهم لا يحاولون إطفائها، ويسلطونها علي من يحترق لكنهم لا يحاولون إغاثته ، وتجعل من يشاهدهم أو يبصرهم أو ينظر إليهم يصرخ مستنكرا مستهجنا لأنهم كالجمادات لا يحركون ساكنا، لكنه لا يدرك وهو يرى عيونهم مفتوحة أنهم في ذلك الموقف إنما يتفرجون مما بهم من هموم وكرب طلبا لشيء من الراحة الكاذبة.

أخبرنا أخبرنا سعيد بن مسعود الشافعيّ عن العز بن يوسف السكندري أنه بعد انتهاء محاضرة ابن اسماعيل نظر تجاه ابن سويلم ليتابع معارضته ودفاعه عن العيون العربية الكحيلة وخصالها الأصيلة ، لكنه لم يجده مكانه، فحسبه قد انصرف من فرط غيرته وحدة غضبته ، فتلفت حائرا فوجد ابن سويلم مسجى على أرض القاعة في وقد أخذته غيبوبة وإغماءة والجمع حوله بين متمتم ومحوقل لكن أيا منهم لا يمد يدا لاسعافه أو يخرج معطرا لافاقته، فأدرك أنهم ولا شك يتفرجون، فسارع يدلك صدرابن سويلم وأطرافه الباردة حتى سرت الحرارة في بدنه وعاد إلى قلبه نبضه وارتعش جفنيه وفتح عينيه وهمس قائلا:

- الحمد لله فقد عاد إليّ الوعي.

27 مايو 2009
 

 

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية