مصرنا


مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الامريكية عن المركز الامريكى للنشر الالكترونى .. والاراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها
رئيس التحرير : غريب المنسى
............................................................................................................................................................

 
 

             القوة الناعمة
...............................................................

بقلم : مأمون فندى
....................

البيان الختامي لقمة الرياض جاء مربكا للصحافة العربية، التي لم تتعود أن تتصدر قضايا مثل التعليم والثقافة بيانات القمم العربية. فراح الصحافيون يبحثون عن تلك الفقرة الخاصة بإعادة تفعيل المبادرة العربية لعام 2002، التي جاءت فقرة سادسة في البيان، ثم تلتها القضية النووية. الصحافيون العرب مغرمون بالقضايا الكبرى كما يرونها، ومن منظور الكثيرين منهم، فإن الحديث عن التعليم والثقافة ترف أو خضوع للإملاءات الأميركية. وقد قال ذلك عبد الباري عطوان، رئيس تحرير جريدة «القدس العربي»، عندما كنا ضيفين في برنامج حواري على محطة الـ«بي بي سي»، (أنا في استوديو لندن، وهو في الدوحة). لم ير عطوان في القمة سوى خنوع وخضوع وتخل عن سقف المطالب العربية، إلى آخر هذا النوع من الكلام قليل التكلفة. لكنني أرى أن البيان الختامي احتوى على كل القضايا الأساسية، وربما لم تسعفه الصياغة. ولعل الفقرة الخامسة الخاصة بتفعيل مؤسسات الأمن العربي هي المحور الرئيسي لهذا البيان، كما أفهم.. فأي دارس لموضوع الأمن يدرك أن للأمن قوتين هما، (القوة الصلبة) التي تتمثل في المفهوم التقليدي للأمن من سلاح وجيوش وما يتعلق باستخدامهما في القضايا الكبرى، مثل النزاعات الحدودية وسباق التسلح إلى آخر ما هنالك.. أما قوة الأمن الثانية، فهي (القوة الناعمة)، المتمثلة في القدرة الحضارية والثقافية. أي أن القوة الصلبة هي المعادل الموضوعي لمسألة «الهاردوير» في الكمبيوتر، بينما القوة الناعمة هي الموازي لفكرة «السوفت وير». ويطبق الكثير منا هذا المفهوم في تحليلاته عن الإرهاب، فنتحدث مثلا عن حل أمني لمكافحة الإرهاب (أي استخدام القوة الصلبة للدولة)، أو حل للمواجهات الفكرية (أي استخدام القوة الناعمة للدولة)، دونما معرفة بالسياق التحليلي المتعارف عليه في مراكز الدراسات الأمنية. الفقرة الخامسة في البيان الختامي، أكدت أن قضايا (القوة الناعمة) هي التي يجب التركيز عليها. وهذه هي المرة الأولى، التي يعكس بيان قمة واقع الحال العربي. فرغم ما لدينا من جعجعة ثقافية، وما لدينا من محطات تلفزيونية أرضية وفضائية، ومئات الآلاف من المدارس والمعاهد والجامعات، إلا أن ثقافتنا اليوم وكذلك هويتنا مهددتان من خارج إسرائيلي وأميركي وفارسي، فأبناؤنا غير محصنين بأي نوع من المعرفة القادرة على المواجهة في هذا المضمار. ولا أتردد هنا في ذكر تجربة شخصية حتى تتضح الصورة، عندما ذهبت إلى الولايات المتحدة لأول مرة، كنت نتاج التعليم الحكومي المصري، وكنت كسائر أبناء جيلي، أؤمن بعدالة القضية الفلسطينية إيمانا فطريا، أي إيمانا لم يعزز بأي دراسات تاريخية أو جغرافية جادة، إيمانا ملخصه أن الإسرائيلييين جاءوا فطردوا الفلسطيني من بيته وتكرموا عليه بإبقائه في غرفة واحدة وبدأوا يفاوضونه عليها.. هذا المثال الذي كانت تردده على أسماعنا الإذاعات والصحف والمدارس، ولكن عندما كانت تدور النقاشات بين الطلبة في جامعة جورج تاون، كنت أفاجأ بأسئلة لست معدا تعليميا ولا ثقافيا للإجابة عليها، وأذكر أن طالبا سألني عن تاريخ بداية ظهور كلمة فلسطين في المعاجم (انطولوجيا فلسطين)، لم يكن لدي الرد المناسب، فأجبته أن كلمة القدس موجودة في القرآن، فرد علي: لو وافقتك أن القرآن هو الحكم، فهل كلمة فلسطين موجودة في القرآن؟ بينما كان بعض الطلبة اليهود النابهين يقدمون شرحا مطولا من منظور آركيولوجي، يدل على استمرارية الوجود اليهودي في أرض فلسطين. لم أدرس علم الآثار في الجامعة المصرية، رغم دراستي للأدب، كما يدرسه طلاب الجامعات الأميركية كجزء من الدروس الأولية، في ما يسمى بمدارس الآداب الحرة (Liberal Arts). لم أكن معدا على الإطلاق للانخراط في نقاش جاد وعلمي حول قضايانا العربية، كنت فقط محملا بشعارات ومقولات جاهزة كالتي يقولها إعلامنا ليل نهار، ولكنها لا تصمد في مواجهة الأسئلة الصعبة. هذا كان وما يزال حال الكثيرين من الطلاب العرب، بل حتى بعض الصحافيين العرب ليسوا أكثر عمقا مني في تلك الفترة من الزمن. فالثقافة والتعليم عندنا، كجزء من (القوة الناعمة) للدولة، لا يزالان ضعيفين للغاية. المدارس هي المعمل الأولي لبناء الإنسان، تضلله أو تمنحه عقلا نقديا يستطيع من خلاله فهم نفسه والعالم، وحالنا في هذا المضمار، كما قال الأمين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، «زفت». إذن، الانكباب على تطوير الوضع الداخلي، والتأكيد على الحاجة الملحة لبناء النسق الحضاري والثقافي والفكري من الأمن القومي العربي، هما أمران في غاية الأهمية. ومن هنا يكون إعلان الرياض موفقا في تأكيده على الشق الحضاري للأمن وإعطائه الأولوية في البيان. خصوصا أن (القوة الناعمة) للأمن هي أمر نملكه نحن ولن نضطر في تعزيزها إلى التفاوض مع أحد سوى أنفسنا. فنحن، على الأقل، قادرون على تحصين هذه القوة وتحسينها. الحضارة والثقافة والتعليم هي الملامح الأساسية للهوية العربية، وتهديد الهوية لا يمكن الدفاع عنه بالسلاح أو بالمقالات العصماء لبعض الكتاب أو الصرخات البطولية على الهواء لنجوم الفضائيات العربية، إلى آخر كل هذا العبث الخطير.. الدفاع عن الهوية يحتاج إلى تفكيك مكونات هذه الهوية أولا، ثم إعادة تركيبها لفهم مكوناتها، أي نقد الذات اللاذع، ثم بناء منظومة قيمية من خلال مخرجات التعليم الأولى والمعاهد والكليات والجامعات، وكذلك بناء مؤسسات إعلامية جادة، تعتمد الأسس المهنية الصارمة لنقل المعلومات والمعايير الدقيقة للتأكد من صحتها، وليست الفوضى التي نراها ونقرأها اليوم في صحفنا وشاشاتنا التلفزيونية. فلماذا لا تقدم مثلا التلفزيونات العربية تغطية إعلامية شاملة لقضايا التعليم؟ ببساطة، لأن تغطية قضايا التعليم تتطلب وجود صحافيين متخصصين، وهذه المحطات ليس لديها بالطبع المراسل المتخصص في القضايا الحساسة، كما أن مراسل التعليم لن يكون نجما مثل المراسل الموجود في مناطق ملتهبة كغزة وبغداد، حيث تغطى الأحداث ليس بأكبر قدر من المعلومات، بل بأكبر قدر من الزعيق والبطولات الفضائية المجانية. الإعلام العربي مشغول عن تلك القضايا الحضارية الثقافية التعليمية بحروب طواحين الهواء.. ومن المضحك المبكي فعلا، مشاهدة برنامج قدمته قناة عربية في يوم المعوقين، فعلى ما يبدو أن مقدمة البرنامج لم تقتنع بأن موضوع الإعاقة وحده على درجة عالية من الأهمية لكي يدور البرنامج حوله فقط، فراحت تسأل ضيوفها عن مشكلة الإعاقة تحت الاحتلال! يا سيدتي، الاحتلال مذموم بكل شرائع الأرض والسماء، لكن حدثينا اليوم عن الإعاقة كمشكلة إنسانية لم تتوقف دولنا عندها منذ أن كانت. إقحام الاحتلال في كل قضية من قضايانا، هو بمثابة هروب من معالجة القضية أو تقليل من أهميتها، وإطلاق طلقة من الشعارات والزغاريد الرنانة، التي تضمن لنا تسويق المقال أو البرنامج للجمهور. لمس البيان الختامي للقمة العربية في الرياض موضع الجرح، فإذا لم نعد النظر في مؤسساتنا التعليمية والإعلامية والثقافية، أو ما يسمى بـ(القوة الناعمة)، ونعمل على تطويرها جادين مخلصين، فإننا، كعرب بوضعنا الحالي، نشكل خطرا على أمننا القومي على المدى البعيد من أي احتلال خارجي!

 

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية