مصرنا


مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الامريكية عن المركز الامريكى للنشر الالكترونى .. والاراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها
رئيس التحرير : غريب المنسى
............................................................................................................................................................

 
 

             أول العلم الوصف
...............................................................

 مأمون فندى
.......................................

منذ أحداث ‏11‏ سبتمبر وحتى الآن،‏ أدعي أنني أقرا معظم ما يكتب عن امريكا في العالم العربي‏، من تقارير صحفية ومقالات مطولة‏ الى أعمدة صحفية‏، وأدعي ايضا ان كثيرين ممن يتصدون لنقد امريكا يمتدحونها من حيث لا يدرون‏،‏ وخصوصا عندما تترجم مقالاتهم هذه الى لغة اخرى وتخرج من سياقها المحلي الهادف، الى الدعائية‏ وتجييش الجماهير الى سياق عالمي. الحقيقة هي ان امريكا، ادارة وحضارة، تحتاج الى نقد مستمر‏، شريطة ان يكون هذا النقد جادا‏. أما معظم النقد الحالي فهو يقع في إطار ما يسميه العوام بأخذ الكلام من شواشيه‏،‏ فالقوة وأية قوة مفسدة ولا يصلح حالها إلا بالنقد المستمر الجاد، الذي يتناول فكرة او يقومها من كل جوانبها‏، وبذا يصبح هذا النقد جزءا من نقد عالمي يستوعبه الامريكي اللاتيني، وكذلك يفهمه الاوروبي والافريقي، ويؤمن عليه الاسيوي.‏ أما نقدنا الآن، فهو الى حد كبير،‏ يمثل حالة من الابتسار والاختزال لأفكار عالمية جادة‏‏.

فإذا ما تعرضنا لتقويم امثلة محددة لنقد امريكا في الصحافة العربية‏،‏ من حيث الموضوع او المضمون لا الشكل، فسنجد ان كثيرا من المقولات المتداولة هي الى حد كبير ما تنشره «ليموند» الفرنسية، ولكن بشكل مبسط ومسطح‏،‏ هذا من ناحيه النقد الجيد. البعض الاخر هو ترويج لنقد تطرحه مجلات اليسار الامريكي ذاته، مثل اعادة انتاج لمقولات مجلة «نيشن» الامريكية، وترديد لمقولات مفكرين، مثل طروحات عالم اللغويات الامريكي نعوم تشومسكي. وتشومسكي هو عالم لغويات وليس عالم سياسة‏، اي ان ما يقوله في السياسة الامريكية لا يتعدى تعليقات لهواة‏،‏ نقده للسياسة الامريكية مثل نقد شاعر او روائي لأزمة الاقتصاد العربي‏،‏ اذ تكون درايته بعلم الاقتصاد محدودة، ولكنه يعتمد في نقده على انطباعات شخصية في الاغلب. وهناك ايضا ممن تكون كتاباتهم هي مجرد تجميع لما يكتب في الصحف الاسرائيلية او الصحف الامريكية، أي هي عملية قص ولصق ثم الوصول من هذا القص واللصق الى نتائج تدعو للنضال أحيانا أو تدعو لأسلمة المجتمع احيانا اخرى،‏ ويبدو ذلك مبهرا للقارئ المحلي‏،‏ أما الباقي فيبدو باهتا مغشوشا لا تقف خلفه او تسنده افكار اصيلة تنبع من واقع معاش‏.‏ والتدليل على ذلك كثير، ولو سمحت العادات المحلية في الكتابة لتناولت بعضها بالاسماء المحددة والاقتباسات المحددة.

ولكن بما أنني لا أعرف حدود المسموح به او غير المسموح به،‏ أتجنب ذكر الاسماء هنا الى حين. لكنني أدعي ان القارئ المتابع يعرف ما أقول وربما راودته نفس الافكار، وهو يشاهد تكرار عملية القص واللصق‏،‏ أو تكرار عملية الاستنساخ الخاصة بمقولات رائجة في صحف الغرب ذاته، أي استخدام انتاج الغرب الفكري لنقد الغرب.

هناك ايضا تيار آخر في العالم العربي يدعي انه يقرأ ما بعد المقالات الصحفية في الصحف الغربية، ويذهب الى قراءة كتب تقف خلف النقد الصحفي. اي ان احدهم يدعي انه يقرأ الجذور الثقافية للنقد‏، وقد كنت في زيارة قريبة لمصر، وقابلت احدهم، ويومها سألني عن كتب منشورة في امريكا وفي اوروبا تتعاطى مع الحالة الكونية الراهنة، التي تكون السيولة احدى ملامحها‏،‏ ويكون التقطيع لا الاستمرار هو جوهر فلسفتها‏،‏ وتكون أسس ما بعد الحداثة لا الحداثة هي أصولها الفكرية‏، استمعت اليه، ولم أجد خلف العنجهية الرخيمة، سوى نظم كلامي لا يرقى الى أي امتحان أو تمحيص فكري، وينهار مع أول اختبار حقيقي خارج حوارات الجلسات الاجتماعية أو الكتابة الشعبية للصحافة.

يقدم صاحبنا نفسه للعوام على أنه مدرسة مستقلة بذاتها، ولكن هذا ينفرط كما تنفرط حبات المسبحة، اذا ما وضع أمام امتحان حقيقي أو تمحيص علمي‏،‏ اذ يصبح ما يدعيه صاحبنا من مقولات تخصه هي ليست سوى تعريب وترجمة لمقولات باحثين حقيقيين ومفكرين اصليين. ما أود أن أقوله هنا، هو ان الشأن الامريكي الآن شأن عالمي، وان النقد لأمريكا ايضا هو نقد عالمي‏.‏ ومن هنا يجب ان يرقى النقد في المنطقة العربية الى المقاييس العالمية، أي أن يحاسب أصحابه حسب معيار ومسطرة قياس عالمية يخضع لها الجميع. ماذا نعني بمعيار عالمي؟ ما أعنيه هنا، هو أن يلتزم الادعاء بالنتائج،‏ فاذا كنا نقدم نقدا للحالة الاجتماعية والسياسية للولايات المتحدة الامريكية من الداخل، فلا بد ان يكون لدى بعضنا على الاقل إلمام محدد بالتيارات الفكرية التي تحرك هذا الداخل الامريكي‏، كذلك أن يكون لدينا ولو فهم بسيط لمؤشرات الاقتصاد الامريكي،‏ أو معرفة بجغرافيا المكان السياسية والاجتماعية والمكانية‏.‏ فأول العلم هو دقة الوصف‏،‏ فإن كان توصيفنا لأمريكا الداخلية خاطئا‏،‏ فبالضرورة، وليس لدي شك في ذلك، اننا سنتوصل الى نتائج خاطئة‏، سواء أكان ذلك في نقد استراتيجية بوش في العراق أو في محاولة فهم فوز الديمقراطيين في الكونغرس.. لاحظ انني تحدثت هنا عن الداخل الامريكي، ولم أتحدث عن السياسة الخارجية بعد‏. اذن قبل أي نقد لا بد من اتفاق على وصف صحيح لامريكا‏، وصف على غرار ما قدمه الفرنسيون لمصر، وسموه وصف مصر‏.. نحن وحتى الآن، وبرغم ادعاءاتنا المختلفة، لا يوجد لدينا ما يمكن تسميته وصف امريكا،‏ بمعنى عملية مسح للعناصر الاساسية للمجتمع الأمريكي ومكوناته‏. عناصر أي وصف تبدأ بوصف للمكان والزمان‏‏، ومن ثم وصف للانسان‏.‏ أي فهم الجغرافيا الامريكية وفهم تاريخها‏، وأيضا فهم للدوافع المحركة لإنسانها وسبل معاشه‏‏. مع غياب مثل هذا الوصف ينتفي النقد الجاد..‏ أن ينتقد بعضنا ما ليس له به علم‏، هو أشبه بأن ينصب الكاتب أمام قارئه خيال مآتة، ثم يقوم بضربه في ما بعد‏.

أعتقد أن بداية تفكيك امريكا أو نقدها، يتطلب معرفة بأدوات وعناصر تركيبها،‏ أما ما يفككه البعض اليوم فهي ليست أمريكا الحالة السياسية او الاجتماعية او الاقتصادية، وإنما تفكيك لامريكا القابعة في أذهانهم‏.‏ ومن هنا يكون الهدف من النقد هو الوصول الى حالة من التطهر الذاتي،‏ مثلما يذهب أحدنا لمشاهده فيلم سينمائي، ثم يبكي عندما تتوافق القصة مع مشاعره الداخلية‏. لا غرو أن يكون نقدا مبنيا على نتائج السياسة الخارجية الامريكية ووقعها المحلي‏.‏ وهذا بدون شك يختلف باختلاف البلدان والأقاليم‏،‏ اذ ربما تكون نتائج السياسة الخارجية الامريكية على الالمان مختلفة عما يحصده الفرنسيون من نتائج نفس السياسة، أو ما يحصده العرب أو الصينيون،‏ أي أن المنظور المحلي هو المشكل الأساسي لنقد السياسة الخارجية الامريكية‏.‏ ولكن هناك ايضا ما يمكن تسميته بالمسطرة العالمية، أو المحك ‏في ما يخص مدى اتساق هذه السياسة مع الاخلاق المدعاة داخليا او الاخلاق المتفق عليها عالميا، أو يخص مدى اتساق السياسة الخارجية الامريكية مع القانون الدولي مثلا‏، أي أن المنظور العالمي قائم وكذلك المعيار العالمي قائم أيضا.

وهناك علم أو فرع من علوم السياسة، اسمه السياسة الخارجية له دوريات متخصصة ومؤتمرات متخصصة،‏ وسؤالي هنا: هو الى أي حد ترقى المقولات التي نتداولها الى مستوى النشر في هذه الدوريات المحكمة علميا؟ في اعتقادي ان قليلا جدا مما يقال يرقى عندنا الى هذا المستوى. ليس معنى هذا انه ليس هناك فقط نقد لا يرقى الى مستوى النشر. الحقيقة المرة هي ان النقد الامريكي المنشور في المجلات العلمية الامريكية، وكذلك في الصحف هو اكثر قوة‏، وكذلك اكثر تماسكا من اي شيء قرأته بالعربية‏.‏ نقد مبني على دقة في وصف ما هو مراد نقده‏،‏ نقد عن معرفة. النقد عندنا في الحقيقة لا تفيد قراءته كثيرا، ذلك لأن قراءة النقد من دون معرفة بالوصف، هو نوع من اختصار المسافات‏،‏ وليس في العلم اختصار للمسافات.

في اعتقادي، ان نقد امريكا ضروري، بل وضرورة ملحة، شريطة ان يكون نقدا مبنيا على علم وليس نقدا عن جهل‏‏. وضرورة النقد تأتي من ان نتائج سياسات دولة بهذا الحجم قد تكون مدمرة بالنسبة للدول الأقل قوة‏. ‏كذلك نقد الغرب لامريكا ضرورة ملحة. ولكن، أول النقد هو معرفه بالمنقود‏،‏ وأول العلم الوصف، وحتى هذه اللحظه تندر الكتب العربية التي تصف امريكا كي تسمح بنقدها بشكل يدعو إلى الاحترام.

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية