مصرنا


مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الامريكية عن المركز الامريكى للنشر الالكترونى .. والاراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها
رئيس التحرير : غريب المنسى
............................................................................................................................................................

 
 

             موت الكتابة
...............................................................

 مأمون فندى
.......................................

مفتوحة هي الأمكنة للكتابة، ولكننا لا نكتب شيئا في عالمنا العربي. لا نكتب عن رئيس الدولة، لأن الرئيس رمز يجب عدم المساس به، أنا سأقبل بهذا شريطة أن يكون الرئيس هو الاستثناء الوحيد، لكننا لا نستطيع الكتابة عمن هم دون الرئيس مرتبة، ومرتبتين، بل ومراتب عديدة.

فلا يمكننا أن نذكر بالاسم رئيس الوزراء في مقال نقدي، وأنا سأقبل احترام رئيس الوزراء وتركه بعيدا عن النقد.. لكننا لا نستطيع أيضا أن ننتقد أي وزير لديه ونسميه باسمه، ونقدم له تقييما حقيقيا.. ومع ذلك، (ما علينا)، فالوزير شخص مهم، ويمكننا اعتباره فوق النقد والمساءلة.. ولكن ألا يحق لنا انتقاد نائب الوزير، وكيل الوزارة، الذي من المفترض أنه شخصية عامة تؤدي مهمات تتصل بهموم وآمال المجتمع، ولهذا المجتمع الحق في مراقبة أدائها للمسؤولية المناطة بها، ولكن لا نستطيع الكتابة عن نائب الوزير أيضا! إذن، فلنكتب عن مدير الإدارة في مؤسسة ما، أليس هو الشخص المسؤول إداريا عن دوران عجلة العمل اليومية لهذه المؤسسة، كي تسير شؤون الخلق بسلاسة، ومن هنا يتوجب علينا أن نفتح عيوننا جيدا على قراراته وتصرفاته؟ ومع ذلك لا نستطيع الكتابة عن حضرة المدير!

لنكتب عن الصحافة وعدم قدرتها على �كشف المستور في موضوع الدستور�، ولكن أي نقد لأداء صحيفة أو قناة تلفزيونية يفهم على أنه نقد لرئيس التحرير أو مدير القناة، وأنا موافق على أن رئيس التحرير، أو مدير القناة، هو رجل مهم يجب عدم التوجه إليه بالنقد من قريب أو بعيد! فلنكتب عن رؤساء الأقسام، رئيس قسم السياسة أو الاقتصاد أو حتى الرياضة... لا مجال! لنكتب عن المحرر الفلاني.. لا، لا يمكن، فالمحرر جزء �عضوي� من الصحيفة أو القناة التلفزيونية، والصحيفة أو القناة ملك للدولة، أو لمن هو قريب من الدولة، ونقد أحد العاملين بها وتقييمه مهنيا، يعدان شتيمة وإهانة للدولة..

طيب، �بلاش الصحافة�، فالصحافة صاحبة الجلالة، مهنة سامية حتى على النقد.. تَنتقد ولا تٌنتقد. فلنكتب عن المهندسين الإنشائيين، الذين يبنون لنا بيوتا تقع على رؤوسنا إذا ما نفخنا عليها.. بالطبع لا نستطيع الكتابة عن �الباش ـ مهندسين�، لأن في حديثنا عن المباني، التي تنهار على رؤوس ساكنيها، إساءة إلى سمعة البلد �إللي زي الفل�، وتخريبا لاقتصاده، وتهديدا لأمنه القومي!

أما الطامة الكبرى، فهي إذا ما أردنا الكتابة عن قطاع التعليم، وتقييم مناهجنا الدراسية، التي تشكل بصورة أساسية عقول الأجيال القادمة.. فهنا نزج في صفوف الأميركان الكفار الذين يريدون تغيير مناهجنا القويمة، وغسيل عقول أبنائنا، وشطب آيات من القرآن الكريم وبالتالي تقويض ديننا.. أن تنقد التعليم، كأنك تعلن الردة، إن كنت محظوظا فسيفضي الأمر إلى أن تقام عليك دعوى الحسبة فقط!

وإذا كانت الكتابة عن التعليم تنطوي على هكذا مخاطر، فلننأى عنها ونتحدث عن الصرف الصحي وتلوث المياه، وهي مشكلة شائعة في أغلب العواصم العربية. مثل هذا الحديث سيرى على أنه حديث غير مسؤول، فأي اتهام لقطاع أو مؤسسة أو إدارة من دوائر الدولة، يحاول المسؤولون في هذه القطاعات (الذين هم في الحقيقة المسؤولون بالدرجة الأولى عن الخلل في نطاق عملهم) تسويقه سريعا على أنه اتهام لرأس الدولة مباشرة. فكأننا إذا ما نقدنا التلوث، قصدنا به رأس الدولة، واعتبرناه المسؤول عنه، وليس مدير إدارة التصريف، أو المشرف على المحطة، أو مدير العمال.. هذا ما يحاول كل مدير أن يقنع به مديره الأعلى إلى أن تصل إلى الوزير، فرئيس الوزراء، فرئيس الدولة.. وهنا يكون نقدنا نقدا لرأس الدولة دون سواه.

وما دام نقد كل ما يتعلق بهيكل السلطة، حتى أبعد نقطة في قاعدته، يجر علينا المتاعب ووجع الرأس، فلننتقد المجتمع المدني.. فهيكل لم يعد من هيكل السلطة، وربما نستطيع اليوم أن نقيم الرجل بموضوعية، ولكن لا.. فالأمر لا يحسب هكذا..

نقد محمد حسنين هيكل أيضا غير مستحب، فهو يرى على أنه نقد لعصر بأكمله، ونقد للروح الناصرية التي، بلا شك، كانت روحا قوية ألهبت الكثير من المشاعر والأحلام على امتداد العالم العربي. نقد هيكل، يرى أنه نقد لتيار القومية العربية ورموزه.. هو نقد لجمال عبد الناصر، ونقد لحرب 1967، ونقد لتأميم القناة، ونقد للسد العالي، ونقد للتأميم الزراعي والصناعي.. ويرى على أنه انحياز �للبنك إللي بيساعد ويدي�، على رأي أغنية عبد الحليم المناهضة للبنك الدولي، الذي رفض منح القروض لناصر.

قد يكون من الممكن �التفزلك� ونقد الشعر مثلا، ولكن حتى لو لم ننتقد كبار شعراء العربية المعاصرين، من أمثال أدونيس ودرويش وحجازي.. بل حاولنا نقد شاعر من �الهامش�، شيوعي ويكتب بالعامية القاهرية، بل وأزيد من ذلك، ففي شعره بذاءة قد تجعلك تتردد مرتين قبل أن تذكره في جلسة �محترمة�، وهنا أعني الشاعر نجيب سرور الذي يحتفل شيوعيو مصر بذكرى مولده في هذه الأيام.. فإنك ستجد من يقول لك لا تنتقد سرور، فهو يمثل الحزب الشيوعي المصري، وجماعة حدتو، والتعرض له قد يغضب أحمد فؤاد نجم ويقلق روح الشيخ إمام، أو يزعج الجناح الشيوعي في حزب التجمع!

وما دام حتى �التفزلك� في الشعر، من باب الترف في الكتابة، سيثير علينا غضب �القبيلة� الفكرية، التي تقف وراء كل شاعر، فما الذي يمكننا الكتابة عنه؟

وجدتها.. لماذا لا نكتب عن جماعة �الإخوان المسلمين� كأفراد، من أين أتوا، كيف أصبحوا إخوانا؟ من هو المرشد قبل أن يصبح مرشدا، هل حقا كان مدربا رياضيا يعنى ببناء الجسد قبل أن يتفرغ �لبناء� العقول، وهل من سبيل لنعرف صحيفة الحالة الخاصة به؟ من هو عبد المنعم أبو الفتوح أو عصام العريان؟ من هو ممثل �الإخوان المسلمين� في نجع حمادي أو في السويس؟ ولكن.. لا، فالكتابة عن هؤلاء البشر عيب، لأنهم حملة مشعل الدين في مصر المحروسة!

الأضمن أن نكتب عن أمور اتفقت الغالبية عليها.. كأن نكتب مثلا عمن اتفق المجتمع الدولي بأكمله على وصفهما كإرهابيين: أيمن الظواهري، وأسامة بن لادن. نكتب عن سيرتهما، من أين جاءا، وإلى أين سيأخذاننا.. إلا أن ما اتفق عليه المجتمع الدولي حول الرجلين �لا يمشي عندنا�، فنقد الدكتور الظواهري فيه إهانة لعائلة عريقة كان عميدها شيخا للأزهر.. كما أن الشيخ ابن لادن (على رأي الذي لا نستطيع ذكر اسمه أو اللي مايتسماش)، في نظر عدد غير قليل من جماعتنا، هو المقاوم الوحيد للغرب الصليبي، ففي نقده تعاطف مع الأعداء ونصر لهم ضد مصلحة الأمة.

لن أنتقد بالطبع حسن نصر الله، أو خالد مشعل، أو أحمد نظيف، ولن أنتقد النجيبين (سرور وساويرس)، أو حتى صاحب شركة الخزف على الناصية.. إذن، ليس لي شخصيا، على الأقل، إلا أن أنتقد شيخ غفر نجع أبو عديس، فالرجل من نجع قريب من قريتي وسيتحملني.. ونجع أبو عديس، لمن لا يعرفه، هو في أقصى جنوب مصر، مكان ليس آخر العالم، ولكن بالتأكيد من هناك يمكنك ان ترى نهاية العالم.

لكن المؤسف في الأمر، أنه بعد زيارتي الأخيرة لأهلي المشرفين على نهاية العالم، عرفت أن شيخ غفر نجع أبو عديس هو رجل من قبائل الجعافرة، وهي قبائل تمتد أصولها إلى أحد الأئمة الإثني عشر في المذهب الشيعي، وهو الإمام جعفر الصادق.. ولن تسول لي نفسي بالطبع أن أنتقد رجلا، قد يوقظ انتقاده فتنة طائفية في جنوب مصر..

إذن، عمن، وعن ماذا نكتب؟ هل نشهد حقا موت الكتابة؟

 

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية