مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 الجماعة المسجونة!
...............................................................

إبراهيم عيسي
...................

لم يعد هناك مانع ولا ممنوع أن تصحو مصر من النوم إذ فجأة فتجد مرشد الإخوان المسلمين في السجن! لقد جربت الدولة جماعة الإخوان فبينما تضرب أجهزة الأمن في منطقة حساسة داخل الجسد الإخواني فتجد صمتا وتراجعا، فإنها تقترب أكثر وتلكم أقوي وتختار منطقة أكثر حساسية وأوجع ألما فتضرب، فإذا بالجماعة ترجع وتتراجع فتغري بمزيد من الضغط والحصار والضربات ويبدو أنها صارت أكياس ملاكمة بالنسبة للأجهزة الأمنية تتدرب عليها وفيها علي فنون الإيذاء بينما الجماعة مستسلمة ورخوة الاستجابة!

الآن ما الذي يدفع البعض (بعض الناس) إلي أن يراهنوا علي قدرة جماعة الإخوان علي تشكيل قوة ضغط ودفع للنظام بالمشاركة مع قوي وطنية وتيارات سياسية أخري نحو تنفيذ إصلاحات وتعديل قوانين وتعديل دستور والسماح بحرية انتخابات نزيهة وتداول سلطة حقيقي؟!

لا شيء يمكن أن يجعل الجمهور العاقل يتصور أن يفعلها تيار كالإخوان يضرب الأمن نوابه في البرلمان علنا وأمام ناخبيهم في إهانات موجعة فيصمت التيار وتنحني الجماعة للإهانة وتفوت بلا مغاضبة ولا حتي معاتبة ولا رد اعتبار، ثم تتلقي سيدات وبنات شريفات عظيمات من عائلات الإخوان اعتداءات سفيهة وخسيسة من أفراد أجهزة أمنية أثناء محاكمات الإخوان ولا يصرخن «وامعتصماه» ولا تنجدهن نخوة جماعة ولا فروسية تيار ولا تنتفض عروق كبرياء ترد وتصد عن الزوجات والأمهات الصفعة والركلة واللكمة بل كاظمين للغيظ يحسبونه إيمانا، ثم إذا بهم يتعرضون للعصف الأمني الأسبوعي وشبه اليومي فيما يشبه الخطف البوليسي لكوادرهم فإذا بالصمت ردا والسكوت جوابا والصبر احتسابا كأنهم تبنوا فجأة نظرية المهاتما غاندي فيتصاعد العصف إلي عاصفة أمنية تأخذ عددا من كبار قياداتهم وأعضاء في أعلي قيادة للإخوان ويتم الزج بهم في قضايا وتهم وسجن وسجون فيكون الرد الوحيد الذي يملكه الإخوان (هو ما لا يملكون غيره) مزيدا من الصبر مما يعطي لمراقب الموقف إحساسا بأن هذا هو هدفهم أن يكونوا ضحية!

الإخوان أدري بشئون دنياهم ولسنا في موضع إملاء مواقف عليهم ولا انتظار ردود أفعال مألومة منهم فهم أحرار وهي جماعة مغلقة علي نفسها ولا تسمع إلا لصوتها، وهي معجبة كذلك بقدرتها علي الحياة أكثر من ثمانين عاما رغم العداء الحكومي الصارخ لها لكن يبقي السؤال ماذا فعلت ليس مهمًا بقدر كيف عاشت؟

المشكلة أن جماعة الإخوان مشكلة لنفسها وللنظام وللمعارضة في الوقت ذاته، فهي جماعة قوية ذات أنصار وكوادر وقيادات ومتعاطفين لكنها كهؤلاء الذين يكنزون الذهب والفضة لا يفعلون بها شيئا ويدفنونها في جب أو سرداب لا عمروا بها الأرض ولا زرعوا بها الجدب، ثم هي جماعة يتصارع فيها حب البقاء مع حب الوطن ولا ينتهي الصراع أبدا فالجماعة تظل باقية (ضعيفة ومسلولة ومشلولة وخائفة علي نفسها) ويبقي الوطن في حاجة لمن يحبه أكثر ممن يحب البقاء فيه!

هذه مشكلة عند الجماعة وللجماعة، لكنها مشكلة عميقة كذلك للنظام، فالنظام لا يخشي في الشارع السياسي أحدا ولا شيئا إلا الإخوان المسلمين، وأستطيع أن أكرر باطمئنان شديد أن نظام مبارك يكره الإخوان كراهية مطلقة وكاملة وغير محدودة، وأنه يتصور الإخوان كائنا هائلا صاحب مكانة ضخمة أكثر من الحقيقة وبمبالغة صدقها الإخوان بنفس درجة تصديق الدولة والنظام لها، وكما أنه حريص علي تكسير عظام الإخوان فهو أكثر حرصا علي الإبقاء عليها والاستفادة من وجودها كفزاعة للغرب يخوفونه بها من وصول تيار إسلامي للحكم وهم كذلك فزاعة للأقباط لابتزازهم والحصول علي مساندة قبطية في الداخل والخارج مبنية علي الذعر من الإخواني المغتصب فاللجوء لأحضان النظام المتحرش، ثم هم وسيلة لضرب المربوط فيخاف السائب من الأحزاب السائبة من النخبة الذين يرتعدون من المواجهة ويمثل لهم مصير الحبس والاعتقال رأس الذئب الطائر، كما يبقي الإخوان في خزانة مدخرات النظام للجوء إليهم في التعبئة ضد الغرب وأمريكا متي لزم الأمر والاستخدام المنضبط لهم في الديكور الديمقراطي، ولعلك تتذكر أن معظم- إن لم تكن كل- المظاهرات الإخوانية التي تجاوزت الثلاثين والخمسين ألفا من المواطنين تمت بموافقة وبتوافق سابق بين الأمن والإخوان ولم يحدث أن فاجأ الإخوان النظام بمظاهرة ولا فاجأ الأمن الإخوان بالتسامح مع مظاهرة غير متفق عليها، ولا كانت مظاهرات الإخوان بعشرات الألوف إلا بناء علي حساب محسوب وكذا في مدن غير القاهرة وبشعارات ملتزمة ومهذبة مع منع مشاركة أي فريق سياسي في مظاهرت الإخوان المعدة سابقة التجهيز حتي لا ينفلت الفالتون من غير الإخوان إلي غير ما اتفق عليه الأمن والإخوان!

ماذا يفعل الأمن الآن بعد أن ذاق لحم الإخوان فلم يجده مريرا كما تصور توهما، ها هو ينشب نابه ويغرس أظلافه أعمق ولعل القبض علي قيادي مرموق واسم كبير ومحترم ونجم سياسي جماهيري بحجم دكتور عبدالمنعم أبو الفتوح لينضم إلي إخوانه من أعضاء مكتب الإرشاد المقبوض عليهم يدلنا علي أهداف تنمو وترتفع طموحاتها مع هذا الصمت الإخواني المريب والمعيب وتتركز هذه الأهداف في:

1- إنهاء الهيبة.. فيفقد الإخوان لدي جماعتهم ولدي كوادرهم وأنصارهم هيبة القوة والمكنة والقدرة علي مواجهة النظام.

2- ضرب الرهبة.. فما كان يتصوره الإخوان من محرمات اللعبة الأمنية وهي عدم الاقتراب أو المساس بالقيادات العليا والأسماء الكبيرة ويظل الأمر مقصورا علي وقود الإخوان من الشباب والكوادر غير الشهيرة والمحجوبة عن الأضواء، ها هو الأمن يضرب العصب ويخرق الرهبة وهو ما يسمح بالتوقع المنطقي أن يزور مرشد الإخوان السجن في أي وقت.

3- سحب جماهيرية الإخوان القائمة علي أنه الفصيل الوحيد المعارض القادر علي مواجهة النظام وتحويل هذه الجماهيرية من تعاطف إلي عطف وشفقة علي جماعة تفقد كبرياءها السياسي كل يوم.

4- تراجع الإخوان وتقوقعهم وعودتهم إلي المربع صفر حيث تعرف المؤسسة الأمنية الطبيعة الإخوانية التي تهبط إلي أسفل وتتخندق بمجرد إحساسها بالخطر وشعورها بالفيضان وتدخل مرحلة الكمون التاريخي الذي تحتاجه الدولة الآن بشدة وسط تشابك عدة سيناريوهات بعضها يحاول التعجيل بتوريث جمال مبارك وبعضها يبحث عن طريقة لإجهاض هذا السيناريو.

.. ماذا تريد الدولة من الإخوان المسلمين من الآن وطالع؟

تريد منهم أن يصبحوا حزب التجمع، أن يكونوا تحت السيطرة، أن يقولوا كلامًا معارضًا مثل غزل البنات تلحسه بأصبع، ويعارضوا جميع المسئولين لكنهم لا يعارضون مبارك، وأن يقولوا مثل كل المعارضين الأشاوس في مؤتمراتهم إن الحزب الوطني مزور وخرب البلد، والحكومة فاشلة ومصر منهارة.. لكن الرئيس حسني مبارك عظيم ورائع، ونتوسل إليه أن يتدخل ونبوس يد الرئاسة الكريمة أن تخلصنا من الحزب (الذي هو للمصادفة رئيسه ووالد رئيسه الفعلي)، الدولة تريد من الإخوان أن يلعبوا دور المعارضة علي ألا يأخذهم الدور ويندمجوا فيه «قوي» وأن ينسقوا مع جهاز أمن الدولة: من الذي سينجح منهم في الانتخابات؟.. ومن سيسقط؟ بل من يتم القبض عليه ومن يتم الإفراج عنه؟ ويتم توزيع نصيب الإخوان أزيد حتة من «الوفد» و«التجمع» في أي انتخابات أو حتي تعيينات شوري، لكن في خانة من عشرة لعشرين عضوا ليس أكثر وربما أقل، وأن يلتزم الإخوان بعدم اللعب خارج النجيل الأخضر ويكتفوا بأقل مما يتوقعون، ثم يدعمون الدولة بفتاوي وبيانات ضد الإرهاب ويتفقون معها علي كيفية التعامل مع السعودية وحماس، فضلاً عن لجم دور التنظيم الدولي الذي لا مانع من إدارة علاقة بينه وأجهزة الأمن المصرية (أرفع)، ثم ما تريده الدولة من الإخوان أن يبعدوا تمامًا عن الأمريكان، وإذا أرادوا مقابلة أوروبيين أو ممثلين من دول أوروبية ماشي.. لكن أمريكان لأ، وكذا ضرورة أن يلعب الإخوان مع إدارة الشئون العربية في أمن الدولة بالهجوم علي الشيعة وإيران واستخدام رموز من الإخوان في حملات حكومية ضد دولة ما أو زعيم ما.. الحقيقة أنه مطلوب من الإخوان أن يتحولوا أحيانًا كأنهم حزب الوفد أو التجمع، وأحيانًا كأنهم الكنيسة أو مؤسسة الأزهر، ولعل هذا السيناريو هو الذي وضع ملامحه الأولي الرئيس أنور السادات في صفقته الكبري لإخراج الإخوان المسلمين من السجون عقب فترة عبد الناصر والسماح للمهاجرين المنفيين منهم بالعودة إلي مصر، وهو السيناريو نفسه ــ مع بعض التعديلات ــ الذي رسمه السعوديون في المملكة لتعاملهم وتعاونهم مع الإخوان منذ أوائل الستينيات، لكن جماعة الإخوان تمردت منذ البداية علي كل هذه الأطواق لأسباب دينية وسياسية، ولأسباب لا أعلمها.. والتزمت بما ألزمت به نفسها فقط وهي تذهب وتجيء وتتمنع وتتوافق أحياناً.. وأظن أن الضربات المتلاحقة قد تجبرها علي شيء من هذا إن لم يكن هذا كله! علي الناحية الأخري: كيف تمثل الإخوان مشكلة للمعارضة؟

هذا يقتضي بنا أن نسأل أولا: ماذا تريد قوي معارضة مبارك ونظامه من جماعة الإخوان المسلمين؟ تريد أن تعلن قوي المعارضة عن مظاهرة فلا تتمكن من تجميع ثلاثمائة شخص، فيلحقنا الإخوان بثلاثة آلاف حتي تصبح المظاهرة حاشدة وجماهيرية بشرط ألا يرفعوا أي شعار لهم ولا يظهروا باعتبارهم الأقوي، وتريد المعارضة من الإخوان أنه لو تم القبض علي معارض يساري أو ليبرالي تقلب الدنيا علي رأس نظام مبارك مظاهرات واعتصامات واستجوابات من أجله، بينما عندما يتم سجن إخواني فالمعارضة تفضل أن يقلب الإخوان أيضا الدنيا من أجله، أما قوي المعارضة فليس لديها سوي تصريحات صحفية لمن يطلبها، ويريد المعارضون من الإخوان أن يخرجوا في مظاهرات واعتصامات واحتجاجات تملأ شوارع مصر ضد مبارك والتوريث، وليس مهما أن يتم القبض علي ألفين أو خمسة آلاف إخواني، المهم أن نواجه مبارك حتي آخر إخواني، أما المعارضة قليلة العدد والعدة فهي ستندد علي استحياء بالمحاكم العسكرية للإخوان وبالقبض عليهم، والمعارضة تريد من الإخوان أن يغيروا برنامجهم السياسي، فلا يتكلمون عن أن «الإسلام هو الحل»، وبعض المعارضة يريد أن يقنع الإخوان بأن الليبرالية هي الحل وبعضها الآخر يريد أن يقنعها بأن الاشتراكية هي الحل، والمعارضة ــ يا للغرابة ــ تريد من جماعة الإخوان أن تقتنع، والمعارضة تريد من الإخوان ألا تتفاوض مع الدولة أبدا، بينما ممكن المعارضة تتحاور وتتفاوض، فإذا توقفت الدولة عن سجن الإخوان يبقوا عملوا صفقة مع بعض، وإذا نجح الإخوان في الانتخابات يبقي وافقوا علي تمرير التوريث.. ولهذا الدولة سابتهم.. وإذا سجنت الحكومة الإخوان يبقي لأن الإخوان عقدوا صفقة مع الأمريكان والحكومة كشفتهم! ها أنا أعرف ماذا تريد الدولة من الإخوان.. وما الذي يريده المعارضون من جماعة الإخوان.. بقي أن أعرف ماذا يريد الإخوان من أنفسهم أو ماذا كان يريد الإخوان من أنفسهم؟!

المحصلة أن الإخوان جماعة تديرها عقول مخلصة وأمينة ونبيلة لكنها عقول قديمة تربت تحت ظلال السجون والمعتقلات الطويلة فتتعامل مع البلد كأنه سجن وكأنهم نزلاؤه.

وفي السجن من الضروري التحصن بتكاتف الجماعة والتضامن بين أفرادها حتي لا يفترسهم الآخرون، وهم يتعاملون مع الدولة باعتبارها إدارة السجن التي يسعون للحصول منها علي أعلي مزايا للسجناء والفرح الهائل بساعة فسحة زيادة أو الموافقة علي دخول التليفزيون أو تمديد فترة الزيارة، كل ما يتحصل عليه قيادات جماعة الإخوان من نظام مبارك خلال 28سنة هو مكاسب تافهة وصغيرة تصح أن تكون نصرا عظيما في السجن لكن ليست انتصارات ولا مكاسب لوطن ولا لجماعة في وطن بل لمجموعة في سجن!

ومن ثم فالمؤكد أن الإخوان لا يسعون لحرية الوطن ولا للهروب من السجن بل يتعايشون مع الوطن - السجن ومع السجن - الوطن ويعتبرونها فترة بلاء واختبار وفرصة للتقرب من الله عز وجل، وهذا ما يفسر السلام الروحي الباهر في تلقيهم أحكام السجن وقرارات الاعتقالات.

مرة أخري ليست لدي اقتراحات للإخوان وليس هذا شأني، لكن الأزمة الحقيقية هنا أنه لا يمكن أن تتحرك أي قوي وطنية في مصر نحو النضال من أجل التغيير والإصلاح دون وجود ومشاركة الإخوان، ولا يمكن أن يتحرك الإخوان وحدهم دون مشاركة بقية التيارات والقوي، ومن ثم فالمعارضة لا تبرح مكانها؛ وهو ما يجعل الحكم

لا يبرح مكانه أيضا!
 

نقلا عن جريدة الدستور المصرية

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية