مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 "العيدية" من الدنانير إلى الهدايا الإلكترونية
...............................................................

 

أشكال العيدية المختلفة
 

 

إعداد: د. هند بدارى
......................


حكايات ومفارقات تاريخية ترتبط بالعيدية من عهد الفاطميين والمماليك أيام الدنانير الذهبية والفضية إلى عصر الموبايل والإنترنت، حيث يتبارى الشباب في تبادل الهدايا الإلكترونية عبر المنتديات والمواقع الاجتماعية مثل "فيس بوك" و"تويتر" من أجل الشعور بالبهجة دون مبالاة بقيمتها النقدية أو قابليتها للصرف.

ذهب المعز وسيفه

وتمثل العيدية المتداولة في الأعياد عادة قديمة بدأت منذ العصر الفاطمي مع كعك العيد، حيث كان الخليفة المعز لدين الله الفاطمي يمنح أمراء الدولة "سرة من الدنانير" في المناسبات.

ويرجع ظهور العيدية كمنحة لموظفي الدواوين الحكومية والوزارات لسياسة "الترغيب والترهيب" التي اتبعها الخليفة المعز لدين الله والمعروفة تاريخياً بـ"ذهب المعز وسيفه"، تيمنا بما فعله الخليفة الفاطمي عندما اختلف المصريون على صحة نسبه إلى البيت النبوي، فوقف وسط جموع الشعب في مسجد عمرو بن العاص شاهرا سيفه وقائلا: هذا نسبى، ثم نثر بعض الذهب على رؤوسهم مرددا: هذا حسبي.

وقد أثبتت الأحداث التاريخية أن الفاطميين بمصر أحسنوا استخدام ذهب المعز للاستمالة والترغيب أكثر من تطبيقهم سياسة السيف للترهيب، إذ خصصوا لكل مناسبة دينية رسما ماليا توزع معه العيديات النقدية والعينية، ففي عيدي الفطر والأضحى كان الخلفاء يوزعون على الفقهاء وقراء القرآن الكريم بمناسبة ختم القرآن ليلة العيد مقادير مختلفة من الدراهم الذهبية، مع توزيع كسوة العيد على موظفي الدولة، مصحوبة بمبالغ من الدنانيرالذهب تختلف حسب رتبهم الوظيفية.

وكانت العيدية تحظى باهتمام أكبر في عيد الأضحى، فقد رصد الفاطميون لرسوم العيدية عام 515هـ خلال خلافة الحاكم بأمر الله نحو 3 آلاف و307 دنانير ذهبية.

وتم توزيع "ذهب المعز" أيضا كعطايا عندما يذهب الناس إلى قصر الخليفة الفاطمي لتهنئته صباح يوم العيد، إذ كان الخليفة يطل عليهم من شرفة أعلى باب القصر ليفرق عليهم الدراهم الفضية والدنانير الذهبية، وعرفت تلك النقود باسم العيدية نظرا لارتباط الحصول عليها بقدوم العيد حتى حدثت محن في عهد الفاطميين أدت إلى ارتفاع الأسعار وانهيار قيمة العملات عدة مرات، مما دفع الميسورين إلى اكتناز الذهب، وكانت النتيجة أن طردت الدراهم الفضية دنانير الذهب من التعامل اليومي إلى الادخار في قصور الأثرياء.

ولم تتوقف الدولة الفاطمية عن منح العيدية إلا في آخر أيامها عندما اضطربت الأحوال الداخلية بسبب الحملات الصليبية على بلاد الشام وأطراف مصر الشرقية، وعلى يد صلاح الدين الأيوبي توقف مؤقتا دور الدولة في صرف العيدية أو الرسوم لأرباب الوظائف المدنية، حينما اكتفت الدولتان الأيوبية والمملوكية بصرفها للجنود من المماليك وبصفة خاصة في عيد الأضحى، ففي العصر المملوكي كان السلطان يقدم راتبا للأمراء والجنود بمناسبة قدوم العيد، وفقا لرتبة كل منهم بحيث يحصل الأقل رتبة على عيدية أقل مما يحصل عليها الأعلى رتبة.

وكثيرا ما تعرض بعض سلاطين المماليك لاعتداءات بسبب قلة أو تأخر نفقة العيد، وربما ترتب على تذمر المماليك عزل السلطان عند فشله في إرضاء رغبات مماليكه.

واسم العيدية المتداول أيام المماليك "الجامكية" وتنوعت أشكالها، فكانت تقدم للبعض على شكل طبق مملوء بالدنانير الذهبية، ولآخرين كدنانير من الفضة، كما اتخذت العيدية صورة الحلويات والمأكولات الشهية والملابس الفاخرة والبالونات والألعاب وغيرها.

وكان المسلمون يعتبرون الدنانير والدراهم هي النقود الشرعية، بينما كانوا ينظرون إلى الفلوس النحاسية باعتبارها عملات مساعدة تستخدم فقط لشراء الأشياء البسيطة، نظرا للفارق الكبير بين قيمتيها الاسمية والجوهرية كنحاس رخيص.

ولكن قبل منتصف عمر دولة المماليك، اختفت الدراهم الفضية وصارت الفلوس النحاسية هي السائدة في التعامل حتى أن الشخص الذي يقع في يده دينار من الذهب الأحمر، كان - حسبما قال المقريزي - كمن جاءته البشارة بالجنة ويسعد بالعيدية النحاسية.

تحولت صورة العيدية في العصر العثماني إلى النقود الورقية والهدايا العينية، واستمر هذا التقليد إلى العصر الحديث في العالم العربي بمدنه وريفه، فقد حمل القرن الـ19 إلى مصر النقود الورقية التي لاقت في بداية الأمر قدرا من التشكك رغم أنها بدأت كصكوك ورقية يمكن تحويلها إلى دنانير ذهبية في أي وقت بضمان بنك بريطاني وقتئذ.

وتركت العيدية الفاطمية أثرها العميق على عادات المجتمع المصري بحيث استقر العرف على أن يتحمل المسئولون عن الأسر أعباء دفع العيدية للصغار لإدخال البهجة إلى قلوبهم، فيقدمها رب الأسرة لأبنائه وكبير العائلة لأفراد عائلته ولمن يصادفه من الفقراء.

وحافظت الأوقاف على تقليد العيدية بحكم العادة التي ألفها المجتمع المصري منذ عهد الفاطميين، فكانت وثائق أوقاف المدارس والمساجد تنص على زيادة رواتب العاملين بتلك المنشآت من مدرسين وأئمة وقراء ومؤذنين في عيدي الفطر والأضحى، فيما يعرف بالتوسعة بل إن بعض المدارس كانت توفر جعلا مالا للطلاب في العيدين وإن لم يعرف هذا الجعل باسم العيدية.

وجرت العادة على أن يزود البنك المركزي المصري قبل العيدين منافذه بأوراق البنكنوت الجديدة والتي يقبل عليها المصريون لاستبدال الأوراق النقدية القديمة في سبيل دفع العيديات بهذه الأوراق الجديدة لعل ذلك يدخل السرور على نفوس الحاصلين عليها بغض النظر عن قيمتها.

والآن في ظل غلاء الأسعار والأزمة المالية العالمية،عادت هيئات ودواوين الحكومة إلى صرف منحة العيد للموظفين حسب درجاتهم الوظيفية. و قفزت قيمة العيدية من مبالغ رمزية من فئة الـ10 قروش الورقية والربع جنيه والـ5 جنيهات حتى أصبحت 50 جنيها الحد الأدني وتصل إلى 200 جنيه.

ومع ظهور أجهزة الموبايل والإنترنت في تسعينيات القرن الـ20 بمصر، انتشرت هدايا العيد الإلكترونية مثل رسائل الـ"sms" التي ينص بعضها على عبارات تهنئة.

وبسبب تقنيات الموبايل الحديثه، سادت عادة إرسال رسالة واحدة لكل أسماء المعارف المختزنة على الموبايل بدلا من كتابة رسالة لكل واحد على حده.

هذا غير طلب عيديات إلكترونية مثل كروت الشحن للموبايل وإكسسوارت الموضة للكمبيوتر والموبايل وأحدث ألعاب الكمبيوتروالـ"بلاي ستيشن"والـ "آي بود".

وأخيرا تألقت هدايا مواقع الإنترنت، وأشهرها موقع "الفيس بوك" الإلكترونى الذي يجذب أنظار الشباب بهدايا العيد الافتراضية التي يتبادلها الأصحاب والأقارب عبر الموقع وتصل قيمتها إلى مبالغ خيالية ممنوعة من الصرف أو هدايا عينية كالشقق والفيللات والسيارات الفارهة غير المأهولة بالإضافة إلى الكعك ولحوم الخراف غير القابلة للتناول ولكن للفرجة والدعابة فقط.

ورغم قيمتها المعنوية، فهي لا تغني عن العيدية النقدية التي تعلم الأطفال الادخار، بل إن شراء بعض الهدايا القيمة عبر الموقع يستلزم الحصول على عيدية كبيرة أو إذن باستعمال الفيزا كارت.

وأحيانا ما تثير هذه الهدايا انتقادات أعضاء الموقع، فعلى سبيل المثال، تعالت شكاوى الكثيرين على "الفيس بوك" مع حلول عيد الأضحى لعام 2009 من وجود "أبليكيشن تهنئة يقوم بعمل Tag (علامة) لكل أصحابك على صورة خراف، مع إضافة اسمك على الصورة، وتنوعت ردود أفعال الناس على هذه الصور التي تظهر على "الإيميل أو في البروفايل!".

ونتيجة غضب الأعضاء من الخرفان التى سرحت فجأه فى البروفايل الخاص بها، بادرت بوضع لينك تعمل من خلاله إغلاق أو "Block" للأبليكيشن كله إلا أنه لم يلغ استخدام الآخرين له.

فرغم أن الفيس بوك ظهر كشبكة اجتماعية ساهمت في تيسير تواصل الناس لكنه تسبب مع غيره من البدائل الإلكترونية في تراجع عادة تبادل الزيارات والعزومات والتليفونات بين المهنئين بالعيد.

"العيدية" كلمة عربية منسوبة إلى العيد وتعني العطاء أو العطف، ومشتقة من العود حسب قول الإمام ابن الأنباري إنه يسمى عيدا نسبة للعود في الفرح والمرح، وجمع على أعياد بالياء للفرق بينه وبين أعواد الخشب، وقيل أصله عود بكسر العين وسكون الواو، فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها مثل ميعاد ليصبح عيدا مباركا يزورنا سنويا محملا بعيديات في صورة هدايا متطورة من عصر لآخر.

 

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية