مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 سارق مصر الاول
...............................................................

مقال الاستاذ عبد الحليم قنديل
..................................


هل نطلق النار علي أحمد عز وحده؟ هذه هي الخديعة التي يراد لنا أن نقع فيها، وأن نتصور الشر محصورا في أحمد عز، وأن نعطف ـ بالمقابل ـ علي اسم رشيد محمد رشيد ملياردير الكويز، أو أن نترحم علي أيام كمال الشاذلي، أو أن نري في صفوت الشريف رمزا سياسيا جليلا، أو أن نضع الرئيس مبارك ـ من باب أولي ـ في مقام أولياء الله الصالحين. وقد يصح أن نطلق النار علي أحمد عز ، ولكن كرمز علي فساد نظام، وليس ككبش فداء لآخرين في خانة الأسوأ، كملياردير للأونكل وليس كملياردير للحديد، كعنوان لسرقة بلد، وليس كماركة مسجلة لاحتكار صناعي أو تجاري، فلم يكن ممكنا أن يصبح أحمد عز إلي ماصار إليه، وبكل هذه الثروة واتساع النفوذ ، لم يكن ممكنا أن نعرف اسمه لولا أن عرف الطريق الي بيت الرئاسة، وكون ثروته بالأمر المباشر ، فقد استولي علي شركة الدخيلة، وسيطر علي شركة الصلب المخصوص، وبأوامر من فوق وبتسهيلات بنوك وشركات وهمية، ونقل عنوان المال العام الي جيبه الخاص، والي حد انتفخت معه ثروته كمنطاد سماوي، وبدا أن مصر كلها صارت من حظ عازف الدرامز السابق، تخيل ـ بحسب الأرقام المدققة ـ أنه يحصل علي 33 مليون جنيه مكسبا في اليوم الواحد، وعلي مليار جنيه في الشهر، وعلي 12 مليار جنيه في السنة، وهذه الأرقام ليست من عندنا ، بل الحسبة بسيطة، وبارقام اعترف بها في برنامج «العاشرة مساء»،

وإن جاء الاعتراف بالطريق الملتوي كالعادة، فقد قدر كلفة الغاز بنسبة 6 ـ 7% فقط من التكلفة الاجمالية لطن الحديد ، وهو مايعني -وبحسب تدقيق د.يحيي شاش في ندوة «صوت الأمة» - أن التكلفة الاجمالية لطن الحديد تزيد قليلا علي ألفي جنيه ، بينما يباع طن الحديد في السوق ـ بحسب إعلانات عز الكثيفة ـ بستة آلاف جنيه، ويضخ، في السوق المصري ـ بحسب الاعلانات ذاتها ـ 246 ألف طن، ما علينا، فهذه كلها تفاصيل ، المهم أننا بصدد ثروة فلكية، وبصدد أرباح ومكاسب ربما لاتتيحها تجارة المخدرات الممنوعة وبصدد شخص يحصل علي ربح صافي يقدر بـ 12 مليار جنيه في السنة ، ومن مصر وحدها، ومن نشاط واحد، بينما يحصل من موارد أخري علي عائد لايقل عن 8 مليارات جنيه في السنة، أي أننا بصدد رجل يكسب 20مليار جنيه في السنة، ولاتسأل ـ من فضلك- عن ثروته الاجمالية المتراكمة ، فأحد النواب قال في مجلس الشعب ـ قبل سنتين- أن ثروة عز تفوق الاربعين مليار جنيه، وقد سألنا اللواء فاروق المقرحي، وكان رئيسا لمباحث الاموال العامة، وكان تقديره أن رقم الاربعين مليار جنيه أقل من الحقيقة بكثير ، وأن هذه الثروة المليارية الهائلة تكونت في الخمس سنوات الاخيرة لاغير ، قبلها كان أحمد عز من فئة المليونيرات لا المليارديرات .
نحن ـ إذن ـ بصدد عملية شفط ثروة ، وليس تراكما طبيعيا بدواعي زيادة الانتاج الالتزام بضوابط القانون، وأحمد عز نفسه في حوار «ملاكي» في صحيفته الملاكي «روزاليوسف» يعترف ببعض ماجري، فقد ذكر أن عدد المليارديرات المصريين ـ من عينته ـ يفوق المائة ، ولو كان متوسط ثروة الواحد منهم عند الحد الادني الشائع لثروة عز، وهو رقم الاربعين مليار جنيه، فالمعني مخيف ومذهل ، وهو أن مائة شخص في مصر لديهم ثروة تصل قيمتها ـ إجمالا ـ إلي اربعة تربليونات جنيه، والتريليون كما تعرف ـ مليون مليون ، ودعك من طبقة المليونيرات، فهؤلاء هم الصعاليك في فرقة نظام مبارك، والمليارديرات المئة، وعددهم ـ في ادني تقدير ـ يصل إلي المليون مليونير.

وقد تسأل عن موارد هذه الثروات المفزعة بأرقامها، وحتي لو جاز تخفيضها الي النصف، فليس من مورد انتاجي ولايحزنون، فننحن بصدد بلد جري تجريف طاقاته الانتاجية في الزراعة والصناعة، وانتهينا الي حضيض التاريخ، والي تسول المعونات وقمح الرغيف، وخرجنا من سباق العصر إلا في مباريات السرقة التي نفوز فيها بكأس العالم، ونزل البلد بغالب سكانه (حوالي 80%) الي ما تحت خط الفقر الدولي المقرر بدولارين في اليوم ،وتفشت مآسي البطالة والعنوسة والبؤس العام ، وضاع البلد بناسه في الزحام، ويفر منه الناس كأنه لعنة الجرب ، ويتقاتل فيه الناس الي حد الموت علي جنيه أو نصف جنيه، ثم يتعطف الرئيس مبارك علي غالب المصريين ، ويصفهم بمحدودي الدخل ، وفي سخرية ظاهرة من الحقيقة التي يعرفها ونعرفها، وهي أن بؤس المصريين ليس حاصل قسمة لثروة متواضعة هي قدر بلد ، فنحن بصدد دخل مسروق لا دخل محدود ، إفقار للناس وانهاك للموازنة العامة، واغراق بديون تفوق اجمالي الناتج القومي ، بينما تنتفخ ثروات الجماعة، وينهب البلد كما لم يحدث باطلاق في تاريخه الالفي.

نعم، الأربعة تريليونات جنيه المملوكة لمليارديرات مبارك المائة، هذه الثروة الفلكية من موارد سرقة عامة في غالبها، من موارد سرقة بالأمر المباشر، من تخصيصات أراضي وتسهيلات بنوك، ومن اتاوات وتشريعات مدفوعة الأجر، ومن خلع لأساسات بلد حوله النظام الي حطام، فقد جري تبديد واهدار مايقرب من تريليون جنيه في عملية تصفية القطاع العام وحدها، كانت قيمة القطاع العام المراد بيعه 500 مليار جنيه في أوائل التسعينيات، وهذه أرقام الحكومة لا أرقامنا ، وهذه القيمة تساوي ـ في أقل تقدير، تريليون جنيه باسعار اليوم، بينما حكومة مبارك تقول إن عائد البيع لايزيد علي 50 مليار جنيه، والفرق منهوب ، فلا تعني الخصخصة في مصر سوي كونها عملية سرقة وتجريف، ولا تنتقل المنشأت ـ بالخصخصة ـ من ملكية معممة الي ملكية خاصة فقط، بل تختفي الشركات الصناعية الكبري بالذات، أي أننا بصدد عملية محو لموارد حياة المصريين وقدراتهم الانتاجية والفنية المتراكمة عبر أجيال ، وفي مقابل الزيادة الرهيبة لأعداد وثروات مليارديرات العائلة، وليست حالة أحمد عز وحده هي التي تثير الفزع والقرف، ليس وحده الذي سرقنا ويسرقنا ،وقدبدا عز غاية في الضيق من هذه النقطة بالذات، فهو غاضب ومعه حق من تركيز الهجوم عليه وحده، ويتساءل في حواره الملاكي لروزاليوسف: لماذا الحديث عن الحديد وحده؟ ورغم أنه لاتزر وازرة وزر أخري، فإن كلام عز في محله، فثروة رشيد - مثلا- محل تساؤل، ووزراء البيزنس الذين اشاد بهم عز في قفص الاتهام نفسه، وغيرهم وغيرهم إلي حسين سالم ملياردير الغاز المقرب من مبارك، فهم في حمي العائلة، لهم الميزات، وعليهم الضرائب، وتماما كأحمد عز .

وهب أن أحمد عز اختفي، أو تحلل نفوذه، أو فتحت له الملفات المطوية، فهل يعني ذلك شيئا؟ هل تصبح مصر أفضل؟ الجواب لابالتأكيد ، ثم الأهم: أن عزل عز لايبدو وأردا، وهب أن قانون الاحتكار صدر بصيغته الاصلية، وكما اراد رشيد بالضبط، أي صدر بنسبة 15% وليس 10% فقط من عائد المبيعات عقوبة للمحتكر، ولم ينزل كما أراد عز إلي عقوبة الثلاثمائة مليون جنيه علي وجه الحصر ، فهل كان ذلك يعني شيئا عمليا في المحصلة؟ الجواب -للمرة الثانية- لا بالتأكيد، ففي البلاد التي تحترم القانون قد تؤثر النصوص، وفي حكم مبارك بالذات لا قيمة للقانون، بل للشخص. فعين القانون لاتعلو علي حاجب العائلة ورجالها، وإلا أين كان القانون وثروة عز تتضخم؟أين كان القانون وهو يقفز إلي منصة المليارديرات؟ وفي وقت مقارب ـ الي حد التطابق ـ مع ظاهرة اقتحام جمال مبارك لقيادة الحزب الوطني، أين كان القانون وزواج المال مع السلطة يوثق عقوده ؟ أين كان القانون ؟ كان في أجازة لم يعد منها بعد، وربما لا أمل في عودته الا مع ذهاب الجماعة، فقد وعد مبارك ـ حين جاء ـ بأن الكفن ليس له جيوب، وانتهينا ـ علي ماتري- إلي جيب عائلة المليارديرات وإلي اكفاننا بالذات، وبدت عملية شفط الثروة قرينة -بالضبط- لعملية احتكار السلطة، فقد تحول البلد من حكم الحزب الواحد إلي حكم العائلة الواحدة، وجري اختصار الثمانين مليون مصري إلي مليون واحد في كعكة الاقتصاد، وإلي ثلاثة لاغير في قرارات السياسة، ومن خلف أقنعة كذب مفضوح إلي حد الهزل والهزال، كان صفوت الشريف- ذو المناصب الاربعة الآن- يتحدث عن أزهي عصور الديمقراطية ، بينما كنا نتحول ـ بالتأكيد- الي ازهي عصور النهب، وكنا نتحول حقا الي أسوأ عصور المماليك، وقد يقول البعض أننا نهين المماليك القدامي بتداعيات المشابهة، وأن بعضهم كانوا فرسانا وأبطالا ، وهذا صحيح، فليس في جماعة مبارك ـ لاسمح الله ـ بطل ولا فارس، ونحن لانريد بطبائع الأمور إهانة التاريخ، بل نقصد نمط ونظام الحكم، ونظرية بيت السلطان المحاط بجماعة المماليك والأغوات، وهو ما انتهي اليه ـ بالضبط- حكم مبارك، وربما مع فارق ملحوظ، فقدكان المماليك القدامي مماليك جغرافيا ، بينما مماليك اللحظة في دنيا المال المنهوب، وفي باب الإتاوات والتسهيلات ورأسمالية المحاسيب ، وليس من حرس قديم ولا حرس جديد كما يشاع، بل مماليك للأب ومماليك للابن.

ولم يكن لأحمد عز أن يصبح كذلك، وأن تصل ثروته الي عدد قطرات البحر الأسود، وأن يحتكر البرلمان -بعد الحديد- بمصروف الجيب، لم يكن له أن يفعل، وأن يتوحش نفوذه بغير الرضا السامي، ولا يعقل أن تطلق النار علي عز، ودون أن تصل النار لثياب جمال مبارك، ولا يعقل -بالمنطق- أن تكون ثروة عز حكرا له ولولده، فثمة شراكات مالية ظاهرة وخفية، وثمة مصالح كبري من وراء الستار وفي آخر الليل، فلسنا بصدد صراع في حزب حاكم كما يشاع، فالحزب الوطني ليس حزبا بل يحزنون ،وليس من قاعدة اجتماعية تسند، ولا من جهاز دولة تبقي فيه الرمق، وقد تحول الحزب من إدارة سياسية تابعة لجهاز دولة، تحول إلي مكتب تشهيلات، وتدور فيه الحركة بالأمر العائلي المباشر، وأحمد عز ليس أمينا التنظيم حزب، بل أمين تنظيم لجهاز توزيع الثروات علي المحظوظين، وقد يصح تفسير مناوشات الأيام الأخيرة في هذا الضوء بالذات، فقد تحول أحمد عز من ملياردير حديد إلي قبضة حديد، وبدت القبضة ضاغطة علي رؤوس المليارديرات المنافسين من نوع رشيد ،فالأخير مقرب هو الآخر من جمال مبارك، ويبدو مريحا للأمريكيين أكثر من عز، فنحن بصدد معركة مليارديرات ضد مليارديرات، والكل في كنف العائلة وفي عطف الحماية السامية، وثمة من يتدخل لضبط العراك وخفض سقوفه، فليس المطلوب الآن- علي الأقل- إقصاء أحد أو تنحيته، بل خفض النفوذ أو اعادة التقاسم فيه، وقد يخرج أحدهم من اللعبة بعد حين، ولكن مع الالتزام بأمر الصمت، تماما كما تقضي تقاليد جماعات المافيا ومسدساتها المكتومة الصوت، فنحن بصدد خزانة أسرار وخزانات مال، وقد يستفيد صفوت الشريف -مثلا- من خفض نفوذ عز، وقد بدا مساندا لرشيد، وسمح بعبور قانونه من مجلس الشوري مزادا ومنقحا، وبغرامة محتملة لعز أكبر مما طلب رشيد، لكن جماعة أحمد عز فازت بالضربة القاضية في مجلس الشعب ،وبدا زكريا عزمي - ظل الرئيس- في حالة تراجع وخضوع لسيطرة عز، وبدا نظيف وبطرس غالي في الخدمة، وأرسل فتحي سرور مفيد شهاب كأنه عسكري مخلاة - إلي نظيف رئيس الوزراء، وعلي سبيل استكمال الديكور، وبدت الرسالة بليغة في مغزاها، فقد حصلت جماعة عز -فيما يبدو - علي ضوء أخضر من بيت الرئاسة، وصدر القانون كما أراده عز بالضبط ،صدر كقانون لتشجيع الاحتكار لا لمنعه أو تحجيمه، وتطوع فتحي سرور للدفاع عن عز، فهورئيس البرلمان الذي يملكه عز ،بينما لعق صفوت الشريف جراحه، وانتقل كرجل بلاط مدرب إلي خانة الدفاع عن عز، فيما التزم رشيد بأمر الصمت حتي إشعار آخر، وبدا أن المماليك جميعا في سباق إلي رضا بيت السلطان، فالسماح بسقوط عز قد يعني تهديدا مباشرا لجمال مبارك نفسه، وتوازنات العائلة بين الأب والأم والابن لاتزال حرجة، ومؤجلة بانفجاراتها الداخلية إلي حين، وترتيبات التوريث للابن في حالة صراع مكتوم مع دواعي التمديد للأب.

أما والأمر كذلك ،فلايصح أن نقع في شراك خداع، ولا أن نلغي عقولنا في هوجة أحمد عز، فقد يصح أن نسأل ونتحري عن ثروة عز، لكن الأصح أن نسأل ونتحري عن ثروة الذين صنعوه، أن نتحري عن ثروة الرئيس مبارك، وعن ثروة السيدة سوزان، وعن ثروة جمال مبارك، وأن نطالب «الرئاسة المثلثة» بتقديم اقرارات ذمة مالية مشهرة في وسائل الإعلام ،وحتي تنقطع حبال الشك بسيف اليقين، وبغير ذلك سوف نظل في المتاهة، وسوف نطلق النار علي أهداف مموهة، ونعمي العيون ونضلها عن رسم واسم سارق مصر الأول.

لسنا بصدد تهم في محكمة الجنايات ،بل بصدد اتهامات بالسياسة، ومسنودة بألف دليل وقرينة ،ومن حقنا أن نعرف -بالضبط -من الذي سرق هذا بالبلد؟ وأن نعرف اسمه الحقيقي لا الكودي(!)
 

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية