مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 الخراب القادم إلى الشرق الأوسط ويل للعرب..من شر قد اقترب
...............................................................

 

التهامي بهطاط

 

مولاي التهامي بهطاط*
.............................


مر عام تقريباً على العدوان الإجرامي الذي تعرضت له غزة في الأنفاس الأخيرة من الولاية الثانية للرئيس الأمريكي جورج بوش الذي يستحق الشكر والتقدير لأنه كشف صراحة - عكس ما يفعل زملاؤه في الدول الغربية- عن أن الصراع العربي الإسلامي- الغربي هو صراع وجود، اقتصاديا وثقافيا وسياسيا وعسكريا ودينيا وحضاريا مع هذا "الشرق" الذي تم اختزاله في مرحليا على الأقل في "الشرق الأوسط".

فلأول مرة ربما في التاريخ المعاصر يخرج رئيس دولة عظمى من وراء ستائر الديبلوماسية ليقول صراحة إنه يسعى لاستكمال ما بدأه أسلافه من خلال حروبهم على الجبهة الشرقية منذ قديم العهود، مرورا. بالحروب الصليبية وانتهاء بالإمبريالية الغربية المعاصرة.

هي مناسبة إذاُ.، بعد أن هدأت الأعصاب، وسكتت المدافع - ولو إلى حين -، وصار بالإمكان تقديم قراءة غير محكومة بعاطفة جارفة أملاها مشهد التقتيل اليومي الهمجي والأعمى لأبرياء كل ذنبهم أنهم ولدوا في المكان الخطإ في الزمن الخطإ.

كما هي مناسبة أيضا لقراءة ما حدث من كافة الزوايا بعيدا عن الاصطفاف التلقائي الذي أملته اللحظة بكل دمويتها.

* رب ضارة نافعة..
ربما كانت النتيجة التي لم يحسب الإسرائيليون والأمريكيون حسابها أن العدوان على غزة كشف عن أن "فلسطين" أصبحت في النهاية قضية جزء فقط من الفلسطينيين أنفسهم، لأن البعض الآخر وطن النفس ورتب أحواله على أساس أن اتفاقات أوسلو هي "نهاية التاريخ"، وأن المعركة أصبحت لها أسلحة وأدوات أخرى، ليس من بينها كل ما له علاقة بالنار والكر والفر.

كما لم تعد قضية العرب الذين أصبحت معاركهم الكبرى تخاض في غرف النوم في أحضان جواري القرن الواحد والعشرين، أو فوق الطاولات الخضراء للكازينوهات حيث يتنافس أثرياؤهم على الخسارة لا الربح، أو في ملاعب الكرة حيث أصبح لكل أمير ناديه المفضل الذي يجب أن ينتصر ولو على حساب قوانين "الفيفا"، ولكل حاكم هواية ارتقت أحيانا إلى مرتبة "الدين" أو "الواجب الوطني والقومي" على الأقل.. لقد صار عرب اليوم صفرا على الشمال في كل شيء..

وهي لم تعد - أخيرا.- قضية المسلمين الذين أصبح كثير منهم يعتقدون أن فلسطين هي مشكلة عربية- إسرائيلية..أي مسألة "عائلية" بين "أبناء عم" يتنازعون على تركة الجدود..
باختصار أكد العدوان الأخير أن استمرار شيء اسمه "قضية فلسطين" رهين بمدى إصرار جزء من الفلسطينيين على الصمود حتى آخر طلقة..وآخر طفل أو امرأة..وآخر شجرة زيتون..

* ويلهيهم عن المكارم صيد فأر..
لم يجانب الصواب كثير من المحللين الذين أكدوا أن العرب ـ هكذا بصيغة الجمع والشمول والاستغراق- وكثير من المسلمين، راهنوا على العدوان الأخير على غزة من أجل تخليصهم من الشوكة التي لازالت تدمي أقدامهم خلال سباقهم المحموم على نيل رضا ومباركة آلهة العصر والزمان..
فهؤلاء حزموا أمرهم منذ زمن على أنهم لن يطلقوا رصاصة واحدة في اتجاه إسرائيل، وأنهم يدخرون بنادقهم وجيوشهم لحروبهم البينية أو لقمع شعوبهم الميتة أصلا..إن هي فكرت مجرد تفكير في رفع الرأس أو المجاهرة بـ"أوووووف"..

ولهذا يعجز العقل السوي والموضوعي عن فهم سر استئساد العرب على بعضهم البعض، والزحف على بطونهم حين يتلقون صفعات على القفا حتى من دول أو جهات من وزن الذبابة في الساحة الدولية..
لقد حول العرب فلسطين على "ذراع مقطوعةّ" يتسولون بها "الإحسان" من المجتمع الدولي، بعد أن نجحوا في تخفيض سقف مطالبهم من "كل فلسطين" إلى مجرد السماح بمرور قوافل الإغاثة الأجنبية المحملة بقليل من الزاد والدواء..

ثلاثة أسابيع من التقليل الوحشي والجرائم البشعة المنقولة على الهواء مباشرة ..ولا حركة ولا سكون..تماما كما حدث في عدوان 2006 على لبنان..حين راهن العرب على الوقت وعلى الآلة الحربية الإسرائيلية لـ"حسم" المسألة نهائيا ودفع الجميع نحو المخرج الوحيد الممكن :"السلام"..بشروط إسرائيلية مذلة..

العجيب أن العرب لا يأخذون كل هذا الوقت للتفكير ووزن الأمور قبل الدخول في حروب كلامية بينية حتى حين يكون منطلقها وأساسها مباراة في كرة القدم..

* مصر التي في خاطري..

نالت مصر بحكم التاريخ والجغرافيا والمعايير الجيو- سياسية نصيب الأسد من الانتقاد الشعبي والإعلامي بحكم أنها أخذت موقف الشريك في العدوان بـ"حيادها السلبي".. غير أن الذين اتخذوا هذا الموقف من "أم الدنيا" هم – مع كامل الاحترام والاعتذار- من المصابين بداء "الأمية السياسية"..
فمصر منذ أن اختارت - أو اختير لها- الدخول في "سلام" مع عدوها الاستراتيجي والتاريخي، أصبحت في حكم العملاق الذي تم وخزه في نخاعه الشوكي بإبرة صينية فتعطلت لغة القول والفعل لديه..لكن الآتي أسوأ..
فمصر اليوم محكومة على الأقل ببقية من الجيش الذي قاد ثورة يوليو وكانت عقيدته القتالية مبنية على الوحدة العربية وإلغاء إسرائيل من الوجود..وهي مرشحة في مستقبل قريب -علمه عند "عزرائيل"- على تغيير تشير كل المعطيات إلى أنه سيكون بمثابة إحياء للملكية في ثوب جديد حيث صار في الجمهورية ولي للعهد..

الخطير هنا أن جيل جمال - مبارك طبعا وليس عبد الناصر- هو منتوج خالص لاتفاقات كامب ديفيد، أي أننا سنكون أمام جيل من رجال الدولة لم يعرف عن "إسرائيل" سوى أنها "دولة" جارة وصديقة وحليفة، وأنها قد تكون بوابة مفتوحة نحو خيرات أوروبا ورضى أمريكا..

الجيل القادم ليست بينه وبين إسرائيل دماء وحروب وشهداء..بل لقاءات واجتماعات وسهرات وعناقات وقبلات..ونظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء..وعلى السرير لا يهم من يكون تحت ومن يكون فوق..
نماذج كثيرة لجيل كامب ديفيد ظهرت في السنوات الأخيرة وسنرى منها ما لا يحصى ولا يعد من الأشكال والألوان في المستقبل القريب..فكثير من المحسوبين على الرئيس "المنتظر" هم من أصحاب الثروات السهلة الذين لم يدخلوا مجالات الاستثمار من أبوابها بل عبر بوابة الحزب "الوحيد"..وحلقوا بسرعة نحو القمة وفق مبدإ "ادفع وارتق"..ألم يدفع أحدهم ملايين الدولارات لضابط أمن متقاعد من أجل ذبح مغنية لبنانية لأنها رفضت دخول "الحرملك" رغم كل ما حصلت عليه من أموال؟

رجال العهد القادم باختصار رغم ما راكموه من شواهد من جامعات أمريكا وأوروبا..كثير منهم أميون فعليون سياسيا. وحضاريا وقوميا وتاريخيا...ولكم في بعض صحفيي العهد المنتظر خير مثال حيث لا يختلفون في شيء عن نساء الحارات الشعبية حين يتطلب الأمر حفلة "ردح" على طريقة الأفلام والمسلسلات المصرية..

* حزب الله العربي..
في لحظة من اللحظات، خاصة بعد عدوان يوليوز/تموز على لبنان، خيل للبعض أننا فعلا أمام حالة "عربية" استثنائية، فلأول مرة منذ عقود أصبح حلم "الانتصار"، ولو كان معنويا أو في حدوده الدنيا، يراود الشارع العربي الذي اعتاد في كل مواجهة مع إسرائيل أن "تسرح وتمرح" وحدها على الأرض..بينما تحقق جيوش العرب "صمودها" وانتصاراتها على أمواج الإذاعة وشاشة التلفزة بأصوات معلقين مبرمَجين.. حلم بدا يكبر مع عجز إسرائيل عن اجتثاث "حزب الله" أو إيقاف صواريخه..وتوجته خطوات أخرى من باب إطلاق سراح الأسرى واستعادة رفات الشهداء..لكن أبى السيد حسن إلا أن يذكرنا بأن هذه اللحظة الزمنية هي مجر استثناء يؤكد القاعدة.. وذلك عندما راهن على الشعب والجيش في مصر للتحرك من أجل نصرة غزة..

غاب عن السيد حسن أنه بذلك خسر كل أسهمه ليس في البورصة المصرية المترنحة ولكن في قلوب المصريين الذين يقدسون حكامهم، وهو بذلك إنما أكد أن "حزب الله" عربي رغم تهمة ازدواجية الولاء التي تطارده، بدليل انه دخل مباشرة في مسلسل "ردح" ضمن سياق نفس المسلسلات التي تشهدها باستمرار العلاقات العربية البينية..المصريون لم ينتفضوا ضد الإذلال الذي يتعرضون له في طوابير الخبز التي أصبحت في بعض الأحيان ملجأ للراغبين في التحرش الجنسي.. ولم ينتقضوا بسبب غياب الحد الأدنى من الخدمات الاجتماعية، ولا بسبب الحوادث التي أدت إلى تسجيل قتلى بالعشرات أو المئات أحيانا..

وحتى حين "انتفض" بعض سكان العشوائيات خلال عطلات دينية أو قومية لم يكن ذلك لدوافع اقتصادية أو سياسية بل بهدف ممارسة الاعتداء الجنسي على النساء بشكل جماعي في الشارع العام، ربما لأنه الشكل الوحيد المسموح به للتعبير عن الغضب..وفي نفس السياق يمكن أن نستحضر كيف أن راقصة واحدة أدت وصلة قصيرة من "هز البطن" فجمعت حولها ما لا يمكن أن يجتمع إلا لمشاهدة مباراة الأهلي بالزمالك..وهو ما يعجز عن تحقيقه كل الداعين إلى التضامن مع فلسطين..
أما الجيش المصري العتيد فمهمته الوحيدة هي التصدي لاحتمالات انزلاق الأمور إلى فوضى في حال ارتخاء قبضة الحكومة لأي سبب نمن الاسباب..فهو بوليس يحمل لقب القوات المسلحة..نجح القيمون عليه في محو كل أثر لثقافة "الضباط الأحرار" الذين أوصلت ثورتهم الأمور في النهاية إلى ما هي عليه اليوم..

السيد حسن راهن إذا على مصر جيشا. وشعبا.، وأغفل أن مليون ونصف فلسطيني دفعوا 1500 شهيد بسخاء شديد في أقل من شهر، ولم يتحججوا بالحصار والدمار، بينما أكثر من ثمانين مليون مصري بخلوا على فلسطين حتى بـ15 شهيدا، مع أن "أم الدنيا" لا تتأخر عن تقديم "شهداء" حين يتعلق الأمر ببيوت عشوائية تنهار فوق رؤوس أصحابها، أو بكادحين في دول الخليج تبتلعهم مياه البحر بعد غرق عبارة، أو بشباب فضلوا كنس شوارع إيطاليا أو حتى رومانيا على البقاء في مصر "المحروسة" بالحديد والنار.. غاب عن السيد حسن أيضا أنه - بعيد الشر- لو فاضت روح الرئيس مبارك - أطال الله عمره-، فإن ملايين المصريين ستنزل للشوارع وستنافس الدموع المنهمرة من عيونها نهر النيل..لأننا أمة تعشق جلاديها..

*..إيران..حسبي الله ونعم الوكيل
ربما يكون من التجني مطالبة إيران بتحويل وعودها بدعم الفلسطينيين إلى صواريخ وقذائف، بما أن نصرة المسلمين واجب ديني مؤكد..خصوصا في دولة الله ورسوله وآل بيته..لكن جمهورية آيات الله تبقى في النهاية جمهورية تدار سياسيا وفق قاعدة "المصلحة"، ولذلك فكل ما قد يحصل عليه الفلسطينيون هو خطابات شعبوية من نجاد ودعوات وابتهالات من خامنائي..وكفى الله المؤمنين شر القتال..

قد لا يكون من المنطقي مطالبة الدولة "الفارسية" بإعلان الحرب على إسرائيل خاصة في الظروف الدولية الحالية، لكن حين نستحضر أن إيران حضرت إلى جانب كل من ليبيا والجزائر تحديدا، قمة "حسبي الله ونعم الوكيل" التي انعقدت في الدوحة وصُورت على أنها تجمع لـ"جبهة الممانعة"، ومع ذلك لم يصدر عنها سوى كلام لم يمنع من استمرار تساقط الصواريخ والقذائف حتى على المدارس والمستشفيات في غزة..نكون أمام سؤال ملح.

ألم يكن بالإمكان حدوث تغيير فعلي لو أن هذه الدول قررت تعليق إنتاج النفط، وربط استئنافه بوقف العدوان على غزة؟
ألم يكن في مقدور الشعب الإيراني تحمل بضعة أيام دون "نفط" بدل اقتصار مساهمته على الفتاوى المكفرة والمخونة لـ"بني أمية"؟
هل كان الإيرانيون -ومعهم الجزائريون والليبيون- ليموتوا جوعا لو أنهم أوقفوا ضخ النفط لأسبوع أو أقل؟ وكيف نصدق بعد الذي حدث أن الدم الفلسطيني يمكن أن يكون أغلى من النفط؟

* عمامة أتاتورك
استغرب بعض المحللين مسارعة وزير الخارجية المصري إلى طرق أبواب أنقرة ساعات فقط بعد انطلاق العدوان، كما سارع آخرون للتهليل للمواقف "البطولية" لرجب طيب أوردغان. بالنسبة للمستغربين من الموقف المصري، فاتهم أن كل الدول العربية التي عرفت فترات احتلال أجنبي في تاريخها، حين حصلت على "وهم الاستقلال" لم تدر ما الذي يمكن أن تفعله به.
لذلك تتمتع أغلبية الدول العربية بعلاقات وثيقة جدا مع محتليها السابقين، وهو ما يفسر مسارعة أبو الغيط إلى الاستنجاد بـ"الباب العالي" في أنقرة.
أما بالنسبة للمبتهجين بمواقف أردوغان فيكفي أن ينظروا إلى الموضوع من زاوية أن الطبيعة لا تؤمن بالفراغ، وأن كثيرا من الظروف لعبت لمصلحة تركيا في هذا الظرف بالذات.

فالغرب والعرب على حد سواء في حاجة على قوة "سنية" لمواجهة الدور المتنامي لإيران الشيعية. وكثير من دول الشرق الأوسط انكفأت على نفسها لأن مشاكلها الداخلية أصبحت تحظى بالأولوية، خاصة بالنسبة لمصر التي لا شيء فيها يعلو على حديث التوريث وترتيب مرحلة ما بعد مبارك، والسعودية التي ودعت سنوات البحبوحة، وأصبحت "القاعدة" وأدبياتها طوق النجاة الوحيد بالنسبة لكثير من شبابها الذي لم يستفد شيئا سواء على مستوى السياسة أو الاقتصاد.

أتاتورك إذا لم يسع لارتداء "عمامة الخلافة" من جديد، بل هناك ظروف وتقاطعات ساهمت في وضعها فوق رأسه دون أن يكلفه ذلك سوى خطب ومواقف كانت لتمر عادية جدا. لو كنا خارج زمن الرداءة والانكسار العربي والإسلامي.

بالنسبة للذين وضعوا بيضهم كله في سلة تركيا، يبقى السؤال معلقا حول ما يمكنهم القيام به في حالة ما إذا تقاطعت مصالح هذه الأخيرة مع مصالح إيران التي قد تغير قواعد اللعبة كليا إذا هي دخلت نادي الدول النووية من أي باب من أبوابه، أو أبرمت صفقة مع "الشيطان الأكبر" يصبح العرب المعتدلون بمقتضاها محاصرين بين فكي الكماشة..وفي السياسة كل شيء ممكن..ولا مستحيل بعد أن شاهدنا كيف نزل وتنازل العقيد القذافي صاحب الألقاب التي لا تجاريها عددا ولمعانا سوى نياشينه التي حصلها من خطبه المطولة وليس من حروبه ضد الإمبريالية..

* الطابور الخامس
قد تختلف التقويمات في ما يخص نتيجة العدوان الأخير على غزة، وقد يعلن كل طرف أنه انتصر وحقق أهدافه أو منع الطرف الآخر من تحقيق ما كان يسعى غليه.. حروب كهذه تبقى دائما في ذمة التاريخ لأنه وحده الذي يحكم في النهاية للمنتصر بأنه انتصر وللمنهزم بأنه انهزم..والكلام في هذا الباب مجرد حشو لن يغير من مواقف كل صاحب وجهة نظر في الموضوع..
لكن من باب الموضوعية القول بأن إسرائيل نجحت في تحقيق انتصار مهم للغاية، يتمثل في أنها نجحت في تجنيد عدد كبير من"ّالقيادات" الفكرية والإعلامية في العالم العربي بعدما كان "رجالها" في السابق من مجالي السياسة والاقتصاد فقط.

وهو اختراق يمكن اعتباره انتصارا حاسما، لأننا أصبحنا أمام أفراد ومؤسسات لا يتحرجون من إعلان مساندتهم صراحة وعلنا للكيان الصهيوني.
ويمكن الوقوف على هذه الحقيقة بوضوح عبر مراجعة التغطيات الصحافية المختلفة التي رافقت العدوان، والتي كانت متحيزة جملة وتفصيلا للطرح الإسرائيلي.
قد يقال إن "العمالة" ظاهرة حالة مصاحبة للبشرية منذ بدايتها الأولى، لكننا اليوم لسنا أمام أفراد قد تكون لهم مصالح ذاتية في تبني موقف ما من قضية الصراع، بل أمام مؤسسات ضخمة تمول بأموال عربية، وأحيانا تصنف ضمن خانة "الرسمية" بحكم تشابك صفات أصحابها بين الانتماء لعالم المال والأعمال..وبين الانتماء إلى اسر حاكمة في بعض دول الخليج تحديدا...

إن الأمر لا يتعلق بمباراة في كرة القدم حيث يمكن لكل متابع أن يشجع الفريق الذي يحبه أو يتعاطف معه، بل نحن أمام قضية إنسانية يفترض حتى مع التجرد من كل عاطفة بشرية مساندة المعتدى عليه..
لكن حين نصبح أمام تسطيح الأمور وتبسيطها، من خلال اعتبار الأمر مجرد مسألة "شخصية" بين إسرائيل وجزء من الفلسطينيين الذين يرفضون العيش بسلام مع "جيرانهم"، فمعنى ذلك أنه لم يعد أمام الضحية في هذه الحالة سوى الخضوع لسلطة الأمر الواقع، مادام حتى وصف "الضحية" صار مشكوكا. فيه..وبلغة السياسة على هذا القسم من الفلسطينيين الالتحاق بركب أسلو وحجز مقاعد في الصفوف الأمامية لمشاهدة الفصل الأخير من مسرحية "اغتيال الوطن"..

* نفاق الديموقراطيين
منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو بدا واضحا أن العرب تخلوا عن السلاح الوحيد الذي كان بين أيديهم ألا وهو رفض الاستسلام.
فهذا السلاح على ضعفه كان على الأقل يساهم في إبقاء القضية حية، ويجعل العالم كله يتحسب لحدوث انفجار يصعب التحكم في آثاره.
لكن حين تم الإعلان عن ميلاد "سلام الشجعان" دخل العرب دوامة التنازلات وأصبحوا مجبرين في كل مرة على إظهار "حسن النية" في مواجهة التعنت الإسرائيلي، بل كلما تعثر مسلسل المفاوضات، إلا وتدخلت الأطراف الدولية لـ"الضغط" -على الطرف الأضعف طبعا.- ليخفض سقفه مرة تلو أخرى إلى أن استيقظ الفلسطينيون أخيرا. من وهم أوسلو وشعارها"غزة وأريحا أولا" على حرب أهلية في غزة وعلى "دولة" لا تتعدى حدودها مبنى المقاطعة في رام الله.
وفي كل المجازر التي تلت أوسلو وجد الفلسطينيون أنفسهم مجبرين على التنازل وتلقي الضربات في نفس الآن تحت أنظار مجتمع دولي لا يقدم سوى التعازي في أحسن الأحوال.
وهو موقف لا غبار عليه من الناحية السياسية لأننا في عالم يحكمه منطق القوة ولا شيء غير ذلك، ولنكن على يقين أنه لو كانت الجيوش العربية في أية لحظة على مشارف تل أبيب، فلن يسمع الإسرائيليون من القوى النافذة في العالم سوى دعوات محتشمة للعرب بـ "ضبط النفس" و"عدم الاستعمال المفرط للقوة"..
قمة النفاق الغربي، تجلت منذ بداية السنة الجارية بعد أن أصبح محمود عباس خارج الشرعية الدستورية الفلسطينية، ولنتساءل فقط لو أن رئيس أية دولة من دول الاتحاد الأوروبي انتهت فترة انتدابه، هل كان ليسمح له بدخول أية دولة أوروبية بصفته تلك، فأحرى حضور اجتماع هيكل من هياكل الاتحاد؟
إنه الوجه الآخر للديموقراطية الغربية، التي تقبل من العرب تجاوز كل القوانين – حتى تلك التي وضعوها بأيديهم- شرط ألا يخرجوا من الدائرة..وحبذا لو أعلن "الرئيس" الفلسطيني موقفا. من المواقف المشرفة إياها ليرى كيف أن كل الذين ساندوه - من ساركوزي وهلم جرا- سيكونون أول من يستحضر انه فاقد للشرعية..

* العدوان القادم
من يعتقد أن الأمور قد تظل طويلا في مستواها الرمادي الحالي واهم تماما، فلا إسرائيل ولا العرب ولا الغرب مستعدون للتعايش مع حالة "غزة" التي أصبحت بمثابة الأنبوب الوحيد الذي يضمن استمرار القضية الفلسطينية في التنفس بعد سنوات من الاحتضار في مستشفيات أوسلو وشرم الشيخ وتحت مقصات ومشارط اللجنة الرباعية..
فالعدوان قادم، وبشكل أكثر شراسة، والأهم هو أن تكون الضربة القادمة قاضية وسريعة وحاسمة..ومن أجل هذا سيشارك الجميع في الحصار والتجويع ومنع دخول الأسلحة..

قد يكلف العدوان المقبل 15 أو 20 ألف قتيل..لا يهم، فلا يوجد شارع عربي ولا إسلامي، وأخبار التقتيل الجماعي للأطفال والنساء أصبحت حدثا عاديا جدا خاصة منذ "تحرير العراق"..وبعد النكبات الفلسطينية المتكررة..وجياع غزة ومرضاها الذين يتطلعون فقط إلى قوافل غالاوي وغيره من أحرار الغرب لأن العرب نسوا القضية وتنازلوا عنها دون مقابل، ومن الغريب أنه في الوقت الذي تتوقف فيه حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين على مزاجية أصحاب القرار في القاهرة في ما يخص فتح معبر رفح، كانت الأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة مناسبة للتأمل..فقد سمعنا عن عرب خسروا ملايير الدولارات، وعن دول خليجية تبخرت جبال من الأموال لم يكن أحد يعرف عنها شيئا..بل إن أميرا خليجيا خسر في يوم واحد 500 مليون دولار فلم يصب بجلطة ولا بأزمة قلبية ولا هو فكر في الانتحار..بل عرض في اليوم الموالي مبلغا مماثلا لشراء لاعب برازيلي يحيل اسمه على الـ"W C" - أعزكم الله- كما علقت على ذلك الصحافة البريطانية بسخرية لاذعة.

* سلاح الدمار الشامل
منذ النكبة الأولى جرب العرب فرادى ومجتمعين كل الأساليب العسكرية في مواجهة إسرائيل من الحروب التقليدية إلى حرب العصابات، دون طائل فعلي، بل في كل مرة كانوا يتلقون ضربة تجعلهم يتنازلون عن السقف الأعلى وحتى عن الحد الأدنى..ففي أقل من ستين سنة نزلت المطالب من تحرير كامل فلسطين إلى مجرد إطعام أهل غزة حتى لا يموتوا جوعا.
إن من يشاهد اليوم نوعية السجال الدائر بين الفلسطينيين أنفسهم يجزم لا محالة بأن القضية ضاعت، خاصة بعدما لم يعد الخلاف منحصرا في الأساليب والآليات بل طال أيضا. الأهداف والغايات.

فجزء من الفلسطينيين أحرق مراكب العودة وأصبح السلام - أي ما تقدمه إسرائيل من منح- هو أعلى ما يريد بعد أن اعتمد كوسيلة وحيدة "لغة الكلام".. وجزء آخر مازال يعتقد أن بإمكانه تغيير الواقع اعتمادا على لغة السلاح رغم رفع الغطاء العربي - وحتى الفلسطيني- عن كل ما له صلة بالمقاومة المسلحة.

التاريخ يعلمنا أن حركات التحرير لها مصدر قوة وحيد هو الإيمان الشعبي بها، وكل ما عدا ذلك هو مجرد تفاصيل..تأتي في مراتب ثانوية.
لكن في حالة المقاومة الفلسطينية تحديدا. هناك ملاحظة أساسية، ذلك أن التعاطف الشعبي العربي بدأ يخفت، إلى درجة أنه في بعض الدول أصبح النزول إلى الشارع في مظاهرة مرخص لها ومحاصرة بمختلف الأجهزة الأمنية السرية والعلنية، بل ومؤطرة أحيانا من طرف الحكومات، وسيلة لإقناع النفس بأن المواطن أدى ما عليه من واجب التضامن مع فلسطين، وقد يخجل المرء حين يرى انه من بين أكثر من 80 مليون مصري لا ينزل إلى الشارع سوى 100 أو 150 من الوجوه المعروفة التي تصطف على جنبات نقابة المحامين لترديد شعارات لا يتعدى أثرها الساحة التي رفعت فيها..علما أن حتى من لا يفهم شيئا. في السياسة يدرك أن نزول مليون مصري إلى شوارع القاهرة قد يغير الكثير من المعطيات..

الخطر القادم هو مع أجيال من العرب والمسلمين يتعرضون اليوم لغسيل دماغ مكثف عبر التعليم الموجه الذي يعتبر الصراع العربي الإسرائيلي جزءا من الماضي الذي جبه حاضر "السلام" و"حوار الثقافات" و"تعايش الحضارات" و "الحرب المشتركة على الإرهاب"..وعبر الفضائيات إياها التي لم يمنعها عن "فرفشتها" مشهد أشلاء الأطفال والنساء وواقع الإبادة الجماعية لشعب محاصر من كل جانب..
العرب - مع ذلك- يملكون سلاحا. يمكن أن يكون مدمرا لإسرائيل، ولا يتطلب استعماله سوى توفر الإرادة السياسية..

هذا السلاح الذي لم يجربه قط العرب هو "الديموقراطية"..
بكل موضوعية، لو جرب العرب نشر الديموقراطية في بلدانهم لاكتشفوا أنها سلاح من أسلحة الدمار الشامل، لأن الحاكم يومها يكون مسؤولا بالدرجة الأولى أمام الشعب..

لكن بما أن حكامنا اعتادوا على إلغاء الشعوب وعدم الاستماع إلى نبضها، ونظرا لأن هذه الأخيرة لا تريد أن تدفع مقابل الديموقراطية، وتكتفي من الحرية بـ"ديموقراطية الأهلي والزمالك" فإنها في الواقع لا تنال إلا جزء يسيرا مما تستحقه "القطعان" التي تسمى مجازا "شعوبا"..أي الإذلال والسحق والاستعباد..

أما الفلسطينيون فليس أمامه سوى الاصطفاف في كورال لأداء قصيدة "يا وحدنا" على نغمات لحن جنائزي..

صحافي مغربي
Touhami69@hotmail.com

 

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية