مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 الفيلم المسيء.. والواقع الأسوأ

 

باسيلي

 

فرانسوا باسيلي
..................

قمت بشجب الفيلم المسيء لرسول الاسلام بمجرد أن سمعت به وشاهدت مقطعا منه، وعبرت في صفحتي في الفيسبوك وفي مداخلاتي مع من اتصلوا بي ومنهم برنامج القاهرة اليوم ومحطة صوت العرب وقناة الطريق وقناة الرجاء عن رفضي الشديد لهذا الفيلم وكل ما يمثله من بذاءة وحماقة وتعصب بغيض، وليس هذا موقفا جديدا لي فقد كان هو نفس موقفي من الرسوم الكاريكاتورية المسيئة منذ سنوات. وقد قامت الكنيسة القبطية وكافة المنظمات القبطية في مصر وفي المهجر بشجب هذا الفيلم المسيء، وقلت أن هذا الفيلم ليس عملا فنيا لكي يحظى بحماية حرية التعبير ولكنه سباب هابط لا يختلف عن أقذع السباب الذي قد تسمعه من بلطجية بعض الحواري المصرية الذين يسبون الدين ويسبون الامهات بأقذر الألفاظ، هذا هو مستوى هذا العمل الذي قام بانتاجه شخص قيل في البداية أنه إسرائيلي إسمه سام باسيل، ثم أنه قبطي إسمه نيقولا باسيل وهو شخصية مشبوهة ظهرت فجأة على مسرح الأحداث فلم يسمع به أحد من قبل ولا يعرف له أي نشاط مع أية هيئة أو منظمة قبطية في المهجر فلماذا ظهر فجأة الان؟.

أما القبطي الآخر الذي قال أنه قد روج للفيلم فهو المحامي موريس صادق وله تاريخ قصير في المهجر ولكن معروف بفكره المتطرف ومواقفه الفجة المتضاربة ولغته البذيئة التي كان يكتب بها العشرات من النشرات يرسلها بالبريد الالكتروني يسب فيها الاسلام والمسلمين ويمتدح شارون ونتنياهو ثم راح يتوهم نفسه وثلاثة معه باعتبارهم 'زعماء' للاقباط - هكذا كانوا يصفون أنفسهم مما يشي بفرط هوسهم بالشهرة والزعامة المتوهمة بشكل مريض يدعو إلى الشفقة لولا أن تهورهم دفعهم إلي الادعاء بقيام دولة قبطية هم زعماؤها، دولة من أربعة أشخاص راحوا ينادون بها على أساس تقسيم مصر. وقد كتبت في هذا المكان مقالا منذ أكثر من عام أوضح فيه مدى حماقة هذا الخطاب المتهور والتصرفات غير المسؤولة وما تحمل من أخطار لمصر وللأقباط أنفسهم، ثم يصل الحال ببعضهم مؤخرا إلى الترويج لهذا العمل البائس المجنون.

إن للأقباط قضية مشروعة وعادلة هي قضية مواطنة منقوصة وحقوق مهضومة في مجتمع سقط فريسة للتشدد الديني منذ السبعينات وإلى اليوم، مع حكومات راحت تزايد على التيار السياسي الاسلامي في تشدده وفشلت في تقديم بديل مدني عصري وتركت حالة من التطرف الديني تختمر وتسيطر على كافة مفاصل المجتمع حتى أصبحت مصر تنافس باكستان شكلا وموضوعا، ودفع ويدفع الأقباط ثمنا باهظا لهذه الحالة غير السوية، والتي انتهت بعد ثورة نبيلة إلى وصول التيار الديني للسلطة باستخدام الشعارات والترويعات والتنظيمات الدينية في مجتمع كان قد أصبح بفضل الفضائيات الدينية وخطابها بالغ التشدد والرجعية في حالة أشبه بحفلة من حفلات الزار حيث يتحد الانخطاف والجذب الديني مع الشبق والحرمان الجسدي فيؤجج بعضها بعضا حتى الوصول إلى حالة الغيبوبة الوجودية والانعتاق من الواقع السيء إلى عالم متوهم لا يقدم في النهاية أية حلول سوي المزيد من جرعات الوعظ والارشاد والاحباط الحياتي والفرار الحار إلى العالم الغيبي المقدم باعتباره البديل الوحيد.

في هذا المناخ لم يكن غريبا أن نجد أن الفيلم البذيء قد كشف عن واقع لا يقل بذاءة وإساءة للإنسانية المنسحقة والمواطنة المهدورة والعقلانية المنسحبة أمام جحافل الجهل والغوغائية التي تدفعها عاطفة دينية متأججة غير واعيه بذاتها ولا بواقعها ولا بعصرها، فإذا بها تندفع في هياج تحرق وتخرب وتقتل آخذة البريء قربانا فيسقط القتلى والجرحى بلا ذنب أو جريرة، ونجد جماعة الاخوان تتخبط وتندفع فتدعو أولا للتظاهر بعد صلاة الجمعة في جميع مساجد مصر ثم بعد مكالمة هاتفية من الرئيس الأمريكي تتراجع وتعلن إلغاء المظاهرة، نحن أمام إنتهازية فجة وسذاجة سياسية وبدائية ثقافية يعاني منها الجميع وليس الجماهير المسحوقة فقط، فقد راح كتاب ومثقفون ورجال دين المفروض أنهم من النخبة الواعية يزايدون ويندفعون في هياج يحقق الاغراض الخبيثة للمنتجين للفيلم عن قصد أو عن جهل وحماقة، وكتب أحدهم في موقع جريدة 'المصريون' يحمل جميع أقباط المهجر مسؤولية الفيلم، ثم أكمل وحمل جميع أقباط مصر نفس المسؤولية، في تحريض طائفي فج وخطير هو تماما ما يسعي الفيلم المسيء لتحقيقه من إنقسام وشرخ في وحدة مصر الداخلية وأمنها القومي، فإذا ما قرأت تعليقات القراء بعد ذلك على المقال تدرك أن الهدف قد تحقق على الأقل بين هؤلاء القراء.

أما الأكثر فجاجة فهو قيام أحد الشيوخ بعد ذلك بتمزيق وحرق الإنجيل في ميدان التحرير والتهديد بالتبول عليه في المرة القادمة، وهذه لحد علمي أول مرة في التاريخ يحرق فيها الانجيل علنا على أرض مصر، مما سيمنح المتهورين أمثال صادق وصحبه المزيد من الزيت يسكبونه على نيران دعوتهم الضالة لتقسيم مصر وقيام دولة قبطية، وهو هدف تسعى إليه بعض القوى التي تريد تقسيم دول المنطقة ونراها قد حققت هذا فعلا في عدد من الدول، ويدل واقعنا السيء في مصر أن هناك داخل مصر وخارجها من يعمل بكل جهل على تمهيد الطريق لهذا الهدف.

الواقع الأسوأ يتجلى أيضا في حقيقة أن كل هذا الشطط والجنون من الفعل ورد الفعل يجري في وقت تحدث فيه في مصر إضطرابات وإضرابات وتغيرات وتحولات خطيرة، فقد كشف ممثلو الاخوان المسلمين وحزبهم في اللجنة التأسيسية للدستور التي يستحوذون عليها بالأغلبية في تكوين الدساتير، كشفوا عن تراجعات هائلة في الحقوق الإجتماعية والاقتصادية للفرد والمرأة والطفل يدبر الاخوان للتقنين لها في الدستور الجديد، ومنها ما قاله ممثلهم بلسانه في برنامج العاشرة مساء مع الاعلامي وائل الأبراشي حين قال' وما المانع من أن تتزوج الفتاة في سن التاسعة؟'، وواضح أن الفكر الاخواني المتشدد ونظرتهم الضيقة في تفسير الشريعة الاسلامية، والتي يختلف معهم فيها علماء مسلمون اخرون، ما تزال تتمحور حول ما أسماه البعض ب 'فقه الفراش' وهاجسهم الأول هو المرأة وجسدها، وفي اعتقادي أن الاخوان سيعملون على سلب كافة ما حصلت عليه المرأة المصرية من حقوق على مدى قرن كامل منذ حركة تحريرها على يد الرائد قاسم أمين في مطلع القرن العشرين.

نحن نشهد إذن محاولات حثيثة، ستنجح على يد الاخوان إذا تمكنوا وتحصنوا، لإعادة المجتمع المصري الذي كان قد حقق مكتسبات وسمات عصرية ومدنية كبيرة على يد محمد علي ثم ثورة 19 ثم جمال عبد الناصر وعلى مدى قرنين أو يزيد إلى ما كان عليه هذا المجتمع في عهد الخلافة العثمانية البائسة التي جثمت علي صدر المنطقة كلها ببلادة المريض الغائب عن الوعي الغائب عن العصر، هكذا يريدون لمصر.. فالخلافة هي هدفهم النهائي وعصرها هو زمنهم المفضل يقيمون فيه فكرا ووجدانا ويريدون لمصر كلها أن تعود إليه معهم.

الواقع الأسوأ الذي كشفه هذا الفيلم الهابط الهدام هو أننا مؤهلون للسقوط في هذه الفخاخ البدائية بسهولة مخيفة وجهالة خطيرة، وأننا نعاني من حالة من الإنحدار الحضاري كانت تستدعي ثورة فكرية واجتماعــــية كبيرة ومثيرة تليق بالثورة الباهرة التي وعدت بها، ولكننا انتهينا إلى تسليم قيادتنا لجماعة تطل علينا من غياهب التاريخ بفكر ماضوي رجعي لا يملك لتحديات العصر سوى الوعظ والارشاد بعقلية الجمعيات الخيرية وصورة أمير ألف ليلة وليلة الذي يتخفي لكي يتعرف على أحوال الرعية ويحل مشاكل العباد فردا فردا في رؤية بدائية تقع في ما قبل الدولة الحديثة، فكر لا يكاد يفقه لغة العصر ولا يقدر أن يتمثل روحه المتوثبة المتحررة التي تسري في مجتمعاته الصاعدة التي كنا نحلم أن نكون بينها.

ومازال الأمل معقودا على شباب مصر الذي ثار على نظام بليد فاسد أن يكمل ثورته من أجل مصر المدنية العصرية الجديدة.

' كاتب من مصر يقيم في نيو يورك
 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية