مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 أزمة الفن المصري
...............................................................

بقلم : أدهم يوسف سليم
...........................

 

أدهم يوسف

حين يصفك غالب من حولك بالمثقف - لاأعلم في مجتمعنا إن كانت هذه الصفة مدحا أم ذما – قد تجد نفسك حبيسا لتلك الصفة بما تفرضه عليك من طريقة معينة للحياة , أو على أقل تقدير قد تجد نفسك متأثرا بهذه الصفة بشكل من الأشكال , ما قد يدفعك لاتخاذ قرارات أو العدول عن قرارات عادة ما تكون في حيز الشكليات من باب الحفاظ على "اتساق" الصورة الذهنية للمثقف في العقلية الجمعية للمجتمع المصري , الذي عادة ما يرى المثقف على إنه شخص هادئ الطباع , مهندم المظهر , متزن الإنفعالات , و معتدل الذوق... إلى اخر مكونات الصورة النمطية عن المثقف المصري .و قد يتجاوزهذا التأثير منطقة الشكليات , و تجده يصارعك في موضوعياتك , ليفرض عليك ذوقا معينا , و قد يمتد تعريف الذوق ليشمل الموسيقا التي تسمعها .


"عملت واحد أمباليه .......إداني إتنين فرقعة في الشكمان ورا "
موال سعيد الهوى لسعيد الهوى

"سيدي لي لي لي ليييللي..... روحي لي لي لي ليييللي "
مولد "سيدي لي لي" لناصر صقر

"إدردح روح سينما ..إلعب لك دور دومانا.."
موال "العبد و الشيطان" الجزء الأول لمحمود الحسيني

"و بقيت تلعب بووكر و بتشرب جوني ووكر"
موال "العبد و الشيطان" الجزء الثاني لمحمود الحسيني

"جوجوجوجوجوجوجوجوجوجوجوجوجوجوجوجو"
موال "العبد و الشيطان" الجزءين لمحمود الحسيني

"عايز تروح النت ..إركب سوبر جت
عايزك ماتركزشي ...علشان ماتهيسشي
قول يا حسيني قول سمعهم كدة علطول
رووح رووح رووح ..قلللق"
موال "العبد و الشيطان" الجزء الأول شخص ما في خلفية الأغنية

" يا أم فاروق أديكي و شك .. خهيخع .. عبواباوي .. تلات تالتشترات .. يا عوكل .. عبواباوي عبواباوي عبواباويييي "
أغنية "العنب" لعماد بعرور

"انتي دنيا ..نحن دنيا...أيوة يا عم دنيا .. و الله يا عم دنيا ..دنيا"
موال "أنتي دنيا" لمحمود الليثي من فيلم كباريه


السطور السابقة تسجل مقاطعا من منتجات (فنية) سماعية احتلت المساحة الأعظم من الحدث الثقافي المصري مؤخرا , و باتت شكلا من أشكال تعبيرالمصريين عن السعادة و الفرح في المناسبات العامة , و مكونا مزيجا ضمن مكونات المنتج الثقافي المرئي من سينما و مسلسلات تليفزيونية.
و استهلاك هذه المنتجات أصبح من مكونات اليوم التقليدي للمواطن المصري الذي يستقل الميكروباص كوسيلة مواصلات اساسية , كما أصبحت مكونا هاما من ثقافة الشباب من الطبقات الاجتماعية الأوفر حظا و الذين يرون في هذه الأغاني خروجا عن النمطيات و كسرا للقوالب المعهودة في الفن , إشباعا لرغباتهم الطبيعية في التعبير عن ذواتهم و الاختلاف عن السابقين و تحررا من التبعية الفكرية للجيل السابق, و لم يقتصر الأمر على ذلك , فالجيل السابق نفسه أصبح من مستهلكي هذه المنتجات المسموعة , طلبا (للفرفشة) و طردا لهمومه التي باتت تحاصر يومه و ليله .


بالتأكيد لو كنت مثقفا تقليديا أو مغتربا لما سنحت لك الفرصة للتركيز في كلمات و موسيقا هذه (الأغاني) / الأعمال (الفنية) , و لكني بحكم الهواية أرى فيها مؤشرات خطيرة من الواجب دراستها.

من ناحية الموسيقا
لا أستطيع للوهلة الأولى أن أجد لموسيقا بعرور و الحسيني و غيرهم من نجوم المرحلة أصل تاريخي أو تقني , فكل ضرب من ضروب الموسيقا Music Genre , نشأ عن أصل و تأثر بروافد وفدت إليه من اتجاهات مختلفة منها ما تآلف ليكون ضربا موسيقيا منفصلا و منها ما تخالف و اندثر بفعل التحلل الثقافي أو الإحلال أونتيجة لاختلاف الظروف الاقتصادية والاجتماعية, و لا أجد أصلا لهذه الموسيقا من الناحية الفنية أو التقنية و لا حتى أرى ما يمكن أن أصفه بمؤثر أو محفز ساعد في تكوين هذا الاتجاه الفني..

في حين نجد مثلا أن موسيقى الجازJazz , ناشئة أصلا عن الموسيقا التقليدية لجماعات الزنوج في الجنوب الأمريكي , و تمتد جذورها لأكثر من أربعة قرون عند القبائل الأفريقية و تستطيع أن تجد التشابه في استخدام الـ Blue Notes الإيقاعات الحزينة أو التداخل الإيقاعي Poly-Rhythms إلى اليوم .
بل إن كثير من عازفي الجاز الكبار حين يستمعون لآداء عازفي آلة الـ "تيدينيت" الموريتانية لا يكادون يفرقونها عن آداء أشهر عازفي التشيلو المستخدم بكثرة في موسيقا الجاز.

إذا قارنا ذلك بالحالة في مصر فسنجد أن أسلوب و تقنيات و ألحان بعرور و الحسيني و الليثي و أشباههم , هي تطور فريد بلا أصل أو سند واضح إلى الآن على الأقل.

"التطور الرحمي" , هو المسمى الذي أطلقه على التطورات التاريخية والثقافية المشابهة - نطفة تم طمرها منذ زمن في رحم عدد من التفاعلات الثقافية و الاجتماعية التي ظلت تغذي هذه النطفة بمعزل عن عيون المراقبين إلى أن خرجت هذه النطفة مولودا كاملا , بعيد الشبه عن الصورة التي دخل بها ذلك الرحم .

بينما أطلق لفظ "التطور التبرعمي" على التطورات الثقافية التي نرى فيها الأصل و الناتج و العلاقة بينهما تتغير بشكل زمني و نستطيع أن أن نربط بينهما في أي لحظة معطاة من عمر التطور و هو الحال في الموسيقا الغربية و الموسيقا العربية القديمة التي تأثرت بما سبقها و تطورت بمر الزمن لتتخذ أشكالا و قوالبا عده.

التطور الرحمي هو تطور ترسبي ناتج من ترسب نطفة خارجية أو أكثر في وعاء حضاري , أما التطور التبرعمي هو تطور إنبعاثي ناتج من تفاعلات ذاتية تحدث في داخل الأصل الثقافي نفسه دون الحاجة لنطفة خارجية .

فيما أظن أننا نرى الآن تطورا رحميا , لنطفة ثقافية تم طمرها منذ زمن , موسيقا صاخبة و مشوهة و متناقضة وأن كانت معبرة بشدة, و مسموعة على نطاق عريض , نتجت من واقع ثقافي مريض و معقد و متناقض حاولنا إخفاؤه سابقا إلى أن خرج علينا مولودا مشوها و معيبا خصائصه الأولية كما يبدو لي هي :

• صخب يوازي صخب الشارع
• زحام صوتي يعكس شكلا من أشكال ثقافة الزحام
• نمطية إيقاعية تعتمد على التكرار و الإفتعال تماما مثل المساكن النمطية التي تبنيها الحكومة ثم تفتعل في وسطها حديقة
• موسيقا مشوهة تظهر عدم اتقان العازفين أو ارتجالهم أو أن معرفتهم للتقنيات مبنية على الممارسة في أفراح الدرجة التالتة و ليس لها سند من دراسة أكاديمية و لاأعيب ذلك عليهم على الإطلاق فلربما .. هذا هو السبب في أننا نرى الآن هذا الشكل (المتميز) من الموسيقا .. كما أنه هو السبب نفسه في أننا نرى هذا الآداء (الدرجة تالتة) من رجال الحكم و السياسة في مصر, فالارتجال و الآداء المشوه سمة من سمات نظام المجتمع و ليس موسيقاه فقط
• تيمات موسيقية (مبتكرة ) و أقول مبتكرة لأننا على الجانب المنظور من الأمور قد لا نستطيع أن نحدد لها أصلا إلا عقل مبدعها – أي أننا أمام إبداع مصري أصيل غير منقول و لا نتحدث هنا عن الجودة و إنما عن الأصالة
• هذا النوع من الموسيقا نتاج لتراكب معقد من عديد من التراكمات و الترسيبات الثقافية و لايمكن فض هذا الاشتباك إلا بالدراسة الدقيقة

سيطرة هذه النوعية من المنتجات الفنية على الحدث الثقافي المصري , و امتلاكها جدارة الاتصاف بأنها مصرية بحكم أصالة ابتكارها و بحكم جنسية جمهور مستهلكيها ليست هي المصيبة ,فإنما ما نراه هو عرض لمرض تبعاته أكبر بكثير من انتشار عمل فني معيب بين جمهور المستهلكين - الثقافة المصرية في خطر .

و أخشى في زعمي هذا أن أستسلم لسيطرة اللوجوس Logocentrism فأكون مشابها لأساتذة أكاديمية الفنون الجميلة في فرنسا Academie des Beaux Art حين رفضوا لوحات فناني الواقعية لأنها تصور قباحة شوارع الحي اللاتيني , اعتقادا منهم أنه لا جمال في تصوير القبح , و لكن الثابت أن للثقافة المصرية دور محوري في تشكيل الحدث الثقافي العالمي و العربي خصوصا , و لا شك في أن هذه المنتجات (الفنية) تأخذ من هذا الدور و لا تعطيه .

من ناحية الكلمات
لن أضيف الكثير لما سبق و إن كنت أقف متحيرا حين أستمع لهذه المنتجات , فعدد ليس قليل من كلماتها ليس مفهوما , و لا أقول هنا ( ليس مفهوما) على المستوى اللغوي , و إنما على المستوى الثقافي أيضا , فحتى رجل الشارع لا يفهم هذه الكلمات و ليس لها انعكاس مفهوم حتى عند مؤلفها , هي كلمات لجذب انتباه المستمع و إثارة ذهنه و دفعه للتساؤل دونما هدف يأتي بعد هذا التساؤل..

إنه شكل من أشكال تفكيكية الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا Jacques Derrida حين لا يلزم أن يكون للكلمات معاني , و لا يلزم أن يتحقق المعني بالكلمات , بل إن المعنى و المقصود قد يكون وجوده غير ذي أهمية من الأساس .

مثلا في قول بعرور "يا أم فاروق أديكي وشك " أو "عبواباوي" أو "تلات تلاتشرات" أو خهيخع" أو قول الحسيني "جوجوجوجوجوجوجو" , كلها كلمات مسموعة بوضوح و لا لبس فيها , و تكرارها بنفس الهجاء ينم عن تصميم مسبق لهذه الألفاظ , و هو ما يعد كسرا لقواعد إخراج المنتج الثقافي المصري الذي كان للميتافزيقا و للمعنى حضور قوي فيه .

أجد أيضا تناقضا في الحالة الفكرية و النفسية في بعض الكلمات – نجد المؤدي مثلا يقدم موعظة للمستمع في حديث "العبد و الشيطان" بينما المؤدي نفسه - قد يكون متعاطيا للمخدرات .

بعد أول سماع لهذه المنتجات (الفنية) تجد أن صوت المغني ليس مصدرا لقياس الجودة و لا معيارا للحكم على (فنية) المنتج , حيث أن أغلب المؤديين لهذه الأعمال يتمتعون بأصوات رديئة للغاية , و هو ما يعد كسرا لأحد القواعد المقدسة في الغناء المصري الكلاسيكي و هي الاعتمادية المطلقة على صوت المغني و جودته .

الاستنتاج العام
مما دفعت به من فرضيات , أقول أن الحياة الفنية في مصر و الثقافة المصرية عموما تمر بأزمة كئيبة , هي نتاج مباشر لأزمة الوطن الكبرى , و نتاج لممارسات سياسية جاهلة و فاشلة , حولت مصر من دولة عظمى ثقافيا إلى حوش يلهو فيه مغنيي أفراح الدرجة الثالثة , و حولوا بها الشعب المصري الذواقة الذي صفق يوما لأم كلثوم و هتف لعبد الحليم , حولوه إلى مجموعة من المغفلين يرقصون على أنغام مذعورة و كلمات غير مفهومة وسط زحام من الضغوط الاقتصادية و الاجتماعية تذكرني بمشهد "الزار" في الأفلام القديمة.


 

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية