مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 جمال عبدالناصر.. من الشعب وإليه

عبدالناصر

هدى جمال عبدالناصر
.........................

أجدنى فى هذا اليوم 15 يناير- يوم مولد والدى فى 1918- أتأمل ذلك التاريخ الذى وافق نهاية الحرب العالمية الأولى، وتطلع مصر إلى الحصول على الاستقلال، بعد أن قامت بدور مهم أثناء الحرب. إلا أن ثورة 1919 اندلعت عندما تيقن الشعب وقادته- وأهمهم سعد زغلول- أنه لا فائدة من استجابة المستعمر للأمانى القومية.

ومضى الطفل جمال غير واعٍ- لصغر سنه- بالأحداث الجسام التى كانت تمر على مصر.. فقد انتهت ثورة 1919 بأن منحت بريطانيا مصر استقلالاً اسمياً منقوصاً فى 28 فبراير1922، وتلاه دستور ليبرالى بمنطق العصر، ثم تولى سعد زغلول الوزارة فى فبراير 1924، وفى نفس العام كان مقتل السير لى ستاك- حاكم السودان- فى القاهرة، على يد شاب مصرى، وقد نتج عن هذا خروج سعد من الوزارة، ثم رحل إلى ربه فى 23 أغسطس 1927.
وفورا بدأ التناحر الحزبى بعد الثورة، حتى فى عهد الزعيم سعد زغلول، وحدث أول انشقاق فى حزب الوفد فى سبتمبر 1922 على يد عدلى يكن، مكوناً حزب الأحرارالدستوريين.

وفى عام 1930 تولى رئاسة الوزارة إسماعيل صدقى- ذو اليد الحديدية- وألغى دستور 1923، وأبدله بدستور كان لا يرقى لآمال المصريين، فانتشرت المظاهرات تدعو لعودةدستور 1923 فى القاهرة والإسكندرية.
فى ظل هذه الظروف، وفى يوم كان جمال- ذو الاثنى عشر عاما- راجعاً من مدرسته الابتدائية- «رأس التين» بالإسكندرية- إلى منزله، فوجد مظاهرات واشتباكات بين التلاميذ والشرطة، ولم يكن يعرف السبب ولكنه انضم على الفور إلى الفريق المعادى للسلطة. وفجأة وصلت حمولة لوريين من الجنود، وانقضوا على المتظاهرين، وكانت من نصيب جمال عصا أحدثت جرحاً عزيزا فى جبينه، ثم اقتيد إلى الحجز فى قسم البوليس مع المشاركين الآخرين. وهناك سأل جمال: ما سبب هذه المظاهرة؟ فقيل له: إنها من أعضاء حزب مصر الفتاة، يحتجون على إلغاء دستور 1923!
هكذا وجد الطالب جمال عبدالناصر نفسه فى قضية أكبر منه، ولكنه قال فيما بعد: «وقد دخلت السجن تلميذاً متحمساً، وخرجت منه مشحوناً بطاقة من الغضب».

ومضت السنون.. والكفاح من أجل الدستور والجلاء مستمر من جانب جميع الفصائل السياسية، إلى أن أصدر صمويل هور- وزير خارجية بريطانيا- تصريحاً يقول فيه: إن مصرليست مستعدة بعد لحياة دستورية ديمقراطية.

وهنا اندلعت مظاهرات الطلبة، وانضم إليهم العمال، وتجولت قياداتهم بين السياسيين فى بيوتهم من أجل الوحدة لتحقيق الأمانى القومية. وكان جمال يشارك هؤلاء، فقد كان رئيس اتحاد مدارس النهضة بالقاهرة.

وقد وجدت من ضمن أوراق والدى مسودة بخطه لكلمة ألقاها فى الطلبة فى ذلك الوقت، يقول فيها: «... أين نحن اليوم من سنة 1919؟! نحن الآن فى طريق إلى عبودية جديدة! هل سمعتم تصريح وزير خارجية بريطانيا؟! أليس هذا دليلاً على أنهم لم يكونوا جادين فى وعد استقلالنا؟ أليس منع الدستور برهاناً على أن الاستقلال الذى يدّعونه لمصر استقلال مزيف؟! وإلا فكيف يعسكرون فى بلد تابع لحكومة مستقلة، كما يدعون؟! ما هذا التناقض؟!... يجب أن تعلموا أن أمتكم ليست مستقلة، وأن الدماء التى بذلت رخيصة سنة 1919، ذهبت دون أى ثمن»!

وقد جرح طالب الثانوى- جمال عبدالناصر، الذى كان يبلغ 17 عاما- ضمن آخرين من زملائه أثناء هذه المظاهرات، كما استشهد آخرون بفعل رصاص البوليس، الذى كان يرأسهفى ذلك الوقت راسل باشا!

نقل جمال عبدالناصر إلى أقرب مكان من المظاهرة، وكانت «دار الجهاد» الصحفية، نشرت فى اليوم التالى أسماء الجرحى، وبينهم جمال.

لن أكتب هنا عن رسائل جمال إلى أصدقائه، التى تنم عن شعور وطنى جارف، ولا عن المقتطفات الأدبية التى نسخها بخط يده، والتى تدل على إحساس مرهف بالفروق الطبقية فى المجتمع، ولا عن رد فعلها فى شخصيته- فى ذلك الوقت- فى مزيد من الشعور بالكرامة والاعتداد بالنفس، ولن أصف مدى إعجابه بالزعيم الوطنى مصطفى كامل، واحتفاظه بكراسةتضم مقتطفات عن مواقفه وآرائه.

إننى أريد أن أتحدث عن الهدف الذى وضعه جمال أمام عينيه بعد أن تخرج فى المرحلة الثانوية، وهو الانضمام للجيش، الذى يملك القوة التى من الممكن أن تحقق التغيير.. تغيير ماذا؟ التغيير الاجتماعى بالدرجة الأولى، الذى يحقق العدالة الاجتماعية، والتغيير السياسى الذى يضع السلطة فى يد الشعب، بدلاً من الإقطاعيين والرأسماليين والملوك الدخلاء، والمحتل البريطانى.

إن قصة التحاق جمال عبدالناصر بالكلية الحربية معروفة، وكيف أنه رُفض عندما تقدم للمرة الأولى، لأنه ابن موظف فقير وليس لديه واسطة! ثم التحق بكلية الحقوق لمدة ستةأشهر، وعندما طلبت الكلية الحربية دفعة أخرى فى 1937 تقدم، وتم قبوله بعد أن تحدث مع اللواء إبراهيم خيرى، وكيل وزارة الحربية، الذى سانده لاقتناعه بوطنيته.

لقد أحس «جمال» بالفقر طوال حياته، حتى تخرج «ملازم ثانى» فى أول يوليو 1938. وتشير خطاباته المتبادله مع والده إلى مدى ضيق الحال بأسرته، فوالده موظف بسيط، وله إخوة شارك والده فى حمل هم مصاريفهم فى الحياة وفى التعليم. وقد أدهشنى خطاب منه إلى والده يأخذ رأيه فى إمكانية تبادل المراكز مع زميل له من منقباد إلى العريش، لأن فيها 140 قرشاً فرقاً فى «الماهية»!

ومما يلفت النظر فى هذه الخطابات سعيه الدؤوب ليحصل شقيقه الليثى على مجانية التعليم، بعد أن حصل على أكثر من 70٪، والاتصال بصديق له فى هذا الشأن. ولعل إحساسهبالعبء الذى يقع على الأسرة الفقيرة، هو الذى جعله يقر بعد ذلك المجانية الفعلية فى جميع مراحل التعليم، ويُضمنها فى الدستور، إن التعليم هو الوسيلة الوحيدة لدى الفقير لكى يرقى فى السلم الاجتماعى، ويعيش حياة أفضل.

حتى وهو فى قلب المعارك فى حرب فلسطين، كان حريصاً على تتبع تحويل «الماهية» إلى أسرته الصغيرة فى القاهرة. وحينما اشتدت ضربات العدو وهو فى أشدود وجُرح، كتب فى يومياته.. «فلا يشغلنى أى شىء إلا تحية والأولاد، فإن حياتى ليست لها قيمة إلا لأجلهم».

وبعد قيام الثورة تمسك بمبادئه، فقال فى خطاب له مع أبناء أبنوب: «أنا أفخر دائما بمركز أبنوب، وأفخر دائما بأنى واحد من أهالى بنى مر، وأفخر أكثر وأكثر من هذا بأنى واحد من عائلة فقيرة نشأت فى بنى مر.

يا إخوانى.. وأنا أقول لكم هذا الآن لأسجل أن جمال عبدالناصر نشأ من عائلة فقيرة، وأعاهد فى نفس الوقت أن جمال عبدالناصر الذى نشأ من عائلة فقيرة، سيستمر حتى يموت فقيراً فى هذا الوطن».

هل وفى بالعهد؟

لقد ظل بالسلطة أكثر من ثمانية عشر عاماً، انحاز فيها تماما إلى الفقراء. ولقد كان البعد الاجتماعى متواجداً دائما فى قراراته حتى آخر لحظة، حين أعلن فى 23 يوليو 1969 آخر تحديد للملكية الزراعية بخمسين فداناً للفرد ومائة فدان للأسرة، وذلك وسط نيران حرب الاستنزاف!
لقد ترك جمال عبدالناصر إنجازات كثيرة للإنسان المصرى ظلت تُسلب منه شكلاً وموضوعاً، واحدة تلو الأخرى، وهو ساكت! لقد آن الأوان بعد ثورة 25 يناير أن يسترد الشعب هذه المكاسب بيده، ولا ينتظر ممن فى السلطة الاستجابة الفورية.

لذلك كله احتل «جمال» مكاناً لا يضاهى فى قلب الشعب المصرى، وظل طوال وجوده فى السلطة محققاً أهدافه، سباقاً فى تجسيد آماله.. لقد التحم فعلاً بالشعب إلى أقصى مدى، وهذا هو سر نجاحه. وإن صورة جثمانه فوق المدفع، تحيط به ملايين الجماهير، هى خير تعبير عن ذوبانه فى الشعب، فالطرفان أخلصا لبعض، وساندا بعضاً فى المحن، واحتفلا سوياً بالانتصارات، وظل الشعب على مدى اثنين وأربعين عاما وفياً له، يلجأ إلى ذكراه فى الشدائد، ويحكى عنه للشباب.. قدوة واحتراماً.

المزيد


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية