مصرنا


مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الامريكية عن المركز الامريكى للنشر الالكترونى .. والاراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
رئيس التحرير : غريب المنسى
............................................................................................................................................................

 
 

 دلالات وعبر من اعتصامات مأموري الضرائب العقارية بمصر
...............................................................

بقلم : محمد عبد الحكم دياب
............................


تشهد مصر تحولا يبدو أنه الأول من نوعه منذ قيام الدولة القديمة في وادي النيل، هذا التحول تمثل في خروج موظفي الدولة عليها. معلنين التمرد. ومن المعروف، بالنسبة لمصر، أن الموظفين هم المحرك البشري للدولة، وهيكلها الإداري، وتراتبها التنظيمي. يستمد الموظفون قوتهم منها، وكانوا حتي وقت قريب عندما يشعرون بغبنها ينقلون غبنهم إلي المواطن. يعقدون شؤونه، ويديرون له ظهورهم.
وكان موظف الدولة المصرية دائم الشعور بالأهمية، ولم يكن ذلك نابعا من قيمته الموظف الإنسانية فحسب، إنما من وزن الدولة السياسي، الذي كان، ووظيفتها الاجتماعية والتنظيمية التي تراجعت. وتغير الموقف، علي عدة مراحل. وكانت النتيجة أن موظف الدولة أصبح هو الأدني في المكانة والوزن والقيمة والدخل، وكل هذا تم، ووصل إلي هذا المستوي في حقبة حكم حسني مبارك وعائلته. فطبيعة حكمه وطول مدته، ونقل صلاحيات الرئيس إلي الابن والزوجة، كل هذا زاد الوضع تعقيدا، وصنع الظاهرة التي نعمل علي تناولها بالرصد والبحث. ولقد تسلم حسني مبارك الدولة كيانا سياسيا مؤثرا، علي الرغم من مركزية وطغيان وهيمنة نظامها الحاكم، وأوصلها إلي ما هي فيه. لم يستطع حاكم، منذ ظهور الدولة الحديثة، في مطلع القرن التاسع عشر. أن يحدث في مصر ما أحدثه حسني مبارك من انهيار ودمار وتراجع خلال أكثر من ربع قرن. تحت حكمه تحولت الدولة إلي سلطة أمن، بوليسية، وصار الوطن مركزا للشرطة يتسع لكل السكان، ويغطي كامل مساحته، ونحن هنا لا نتجاهل دور أنور السادات كواضع لأسس وقواعد الدولة البوليسية، بحيث أدخلها إلي عصب الحكم وخلاياه. وحتي الفنيين (التكنوقراط) الذين استعان بهم حسني مبارك في إدارة دولته، رضخوا لسلطان الأمن وسلطته. واستمر هذا الوضع حتي النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي. ومع بروز دور الابن، وزيادة صلاحيات الأم، بدأ اختلاط السياسة بالمال، والتجارة بالإدارة. وبدأت بالتدريج عملية انتقال الدولة المصرية من الطور البوليسي إلي المنظومة التجارية، وحلت الشركة محل الدولة.
الدولة بمعناها السياسي، حتي في ظل الطغيان والاستبداد، تقيم علاقتها بمواطنيها، من خلال المؤسسات، وعلي قواعد القانون، وعلي أساس عقد اجتماعي، يحدد العلاقة بين الوطن والمواطن، وبين الدولة ونظام الحكم. والدولة، بهذا المعني، تدار من قبل موظفين رسميين، يعتمد كل منهما في وجوده علي الآخر. الدولة في حاجة إلي الموظف، والموظف لا يقوي علي العيش إلا في كنف الدولة. ومن جهة أخري فإن الإرادة فيها تبلورها المؤسسات، والسلطات فيها محددة وموزعة بين التشريع والتنفيذ والقضاء، يحدث التوتر فيها حين يختل نظام الحكم. ويتراجع دور المؤسسات. ويختفي تأثيرها في اللحظة التي يتصور فيها الحاكم أنه أهم وأكبر من الدولة. وفي الإدارة التجارية فإن الوضع مختلف. ومصدر الاختلاف هو طبيعة نشاطها، وهو ما يجعل معيار النجاح والفشل معتمدا علي الربح العيني والمالي، والإدارة التجارية مسؤولية الملاّك، الذين لا يعنيهم كثيرا إذا ما ساء وضع الأجراء أو تحسن، ولا يشغلون بالهم كثيرا بمستقبلهم. فهم في نظرهم عبء وجب التخلص منه، من أجل الربح والكسب. وما بالنا إذا ما كانت الإدارة التجارية في يد أباطرة الاستبداد والفساد والتبعية. الذين تربوا وترعرعوا في أحضان الدولة البوليسية. وهذا يفسر لنا المذبحة التي أقاموها للفلاحين والعمال والموظفين وأبناء الطبقة الوسطي. والدولة الشركة صارت الصيغة التي أعتمدت عليه العائلة في إدارة مصر، حتي 2005، سنة التعديلات الدستورية وتزوير الانتخابات، التشريعية والرئاسية، في هذه السنة تراجعت الدولة الشركة لتحل محلها الدولة المزرعة، وأضحت مصر عبارة عن عزبة ، مملوكة لعائلة واحدة. والعلاقات في المزرعة هي بين سيد مالك وقن معدم. والقن مملوك، مثل كل شيء في المزرعة.. الأرض والدواب والأدوات والمباني والمخازن والمحاصيل.. حتي التجارة داخلها تكون لحساب هذا السيد ، والإرادة السائدة فيها له وحده.
الدولة، سياسيا، أساسها المواطنة، ويضبطها القانون، ويعمل عليها موظفون رسميون، أما الشركة يتزاوج فيها المال مع المال. وخبراؤها تجار وسماسرة، ومعهم جيش من الأجراء. أما المزرعة، التي يملكها السيد ، يفلحها الأقنان، وكنت ممن يسخرون من التركيبة الكويتية، علي اعتبار أنها أقرب في إدارتها إلي شركة تجارة وسمسرة كبري، وكنت أعتقد خطأً أن مصر محصنة ضد هذه التركيبة، إلي أن أمسك جمال مبارك بمقاليد السلطة ونقل الدولة هذه النقلة المتخلفة، حتي أصبحت الكويت، الآن، رغم المصائب التي جلبتها علي العرب والمسلمين، أفضل، مقارنة بما يجري في مصر. فالكويت تفكر في أجيالها القادمة، وأنشأت لذلك صندوقا تجنب فيه حصة سنوية، تدخر لرعايتها وتوفير الحياة الكريمة لها. وفي مصر صار الأجير بلا حاضر، وأضحي القن بلا مستقبل. وقد يساعد هذا في تفسير ظواهر لم يعهدها المصريون، كصدام الشرطة وبلطجية الحزب الحاكم بواحدة من سلطات الدولة، هي سلطة القضاء، وحملت دلالة الاعتداء علي القضاة وسحل أحدهم في الشارع، علي رؤوس الأشهاد، معني واضحا هو أن عصر الدولة بالمعني السياسي قد ولي. ومأمورو الضرائب العقارية، أحد أهم مكونات الدولة السياسية يعتصمون، وهم في اعتصامهم يبحثون عن الدولة فلا يجدونها. ولم أستغرب، أثناء متابعة الاعتصام، طلب المعتصمين نقل تبعيتهم لوزارة المالية، وهذا إعلان واضح بالولاء للدولة المركزية وقبول العيش في كنفها. ورسالة، لا تخطئها العين، تعني أن من أهداف الاعتصام، استعادة الدولة السياسية من مختطفيها!!.
تتعدد الدلالات حول ما يجري في مصر ولمصر. فما فيها من فوضي يلفت النظر إلي خطر استمرار غياب الدولة، وهذا ما جعل مأموري الضرائب يعتمدون علي إمكانياتهم الذاتية. مولوا أنفسهم بأنفسهم، جمعت اللجنة المشرفة مبلغا محددا من كل واحد منهم، دفعه يوميا، طوال فترة الاعتصام، ومنه تمت تغطية تكاليف التغذية والنثريات، وهي سابقة تبدو متميزة، دفعت إلي انضمام الأسر (زوجات وأزواج وأطفال وأبناء وبنات وأمهات وآباء) إلي المعتصمين، ومن الدلالات نجد أن التنظيم النقابي بدا دون قدرة علي فعل شيء. وهذا نتيجة طبيعية لتبعيته للحكومة، وقصر نشاطه علي التهاني وإرسال برقيات التأييد للمسؤولين، أما حين تتغير قوانين العمل يقف متفرجا، وكثيرا ما ساهم في تأييد تصفية العمال والجور علي حقوقهم، وأمام ناظريه أصبحت عقود العمل الحكومية الجديدة مؤقتة، وصارت السيادة لقيم القنانة، وبدعة اللياقة الاجتماعية، وتقليعة توريث المناصب والوظائف لأبناء ذوي النفوذ. وتلعب أمانة السياسات، برئاسة جمال مبارك، دورا خطيرا في ترسيخ قيم العبودية. فجعلت توقيع عقد العمل في القطاع الخاص يلي توقيع المرشح للوظيفة، أيا كانت خبرته ومؤهله، علي ما يعرف بالاستمارة 6، وهي بطاقة إخلاء طرف من عمل لم يتسلمه، ويلي التوقيع علي الاستقالة من عمل لم يبدأه بعد!!، ومن يرفض فـ الباب يفوت جمل ، والمنتظرون في طابور البطالة الطويل يقبلون بما هو أقل من ذلك. وإذ لم تكن هذه هي القنانة فماذا تكون؟، والقنانة في الدولة المزرعة أكثر تخلفا من نظام الكفيل السعودي والخليجي، وبقي أخف وطأة من نظام التشغيل المصري. والنتيجة أن المجتمع المصري مهدد في نسيجه وفي بنيانه. بسبب هيمنة من يوصفون برجال الأعمال، ممن لا يتوقفون عن التخريب والتهليب، ووصفهم بهذه الصفة هو علي سبيل المجاز. فغالبيتهم ليسوا كذلك. وأنشطتهم توضع في نطاق الشذوذ والعقم. فلا يستفيد منها المجتمع، وتشق طريقها إلي الخارج بشكل منتظم ومرتب، وهؤلاء يسيئون لرجال الأعمال الوطنيين، أمثال طلعت حرب مؤسس بنك مصر، ومحمد فرغلي، الملقب بملك القطن. وهل من يهرب المخدرات ويكّون ثروته الطائلة منها يدخل في عداد رجال الأعمال؟ ومن تخصص في غسيل الأموال هل يعتبر رجل أعمال؟، وهل من يكسب من الرذيلة وأعمال القوادة ويستغل أطفال الشوارع رجل أعمال؟، ومن يبيع الوطن وينقل ملكيته للأجانب هل يحسب عليهم؟، ومن يستورد اللحوم الفاسدة والأغذية منتهية الصلاحية هل يدخل في زمرتهم؟ وهل من يضارب علي الأرض، ويستولي علي مدخرات الناس باسم الدين أو غيره، بدعوي توظيفها، ويهرب بها إلي الخارج له علاقة بالمال أو الأعمال؟ هل مقاولو هدم وبيع المصانع وأراضي المشروعات الكبري وتصفيتها رجال أْعمال؟ وهل نهب المال العام يمنح صاحبه صفة رجل أعمال؟. أمثلة لا حصر لها ولا عد..
إن اعتصام رجال الضرائب العقارية، انفض أثناء كتابة هذه السطور، أقلق المؤسسة الأمنية، ومع أنها مؤسسة تورطت واقترفت جرائم عدة، حينما استجابت لشعار بالجزمة ، الذي رفعه جمال مبارك، وقت المعركة الانتخابية الأخيرة 2005، وجعله دليل عمل مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها المؤسسة الأمنية. التي تبدو، في محاولة للتكفير عن ذنوبها محذرة من مغبة تصرفات سادة الدولة المزرعة، وتري أنها ستؤدي إلي انفجار شعبي، سوف تتحمل هي عبء التصدي له، وبدأت تعطي الانطباع بأنها ليست لا مغبة القيام بذلك، خاصة أن هناك بوادر تشير إلي إمكانية انتقال روح التمرد والعصيان إليها، مما يعيد إلي الأذهان شبح إضراب الأمن المركزي في 1986، وقد يعجل هذا بإبعاد حبيب العادلي عن منصبه، المنصب الذي يدعي البعض أن أحمد عز، الذراع اليمني لجمال مبارك، يتطلع إليه. وإن كان هذا يدخل في نطاق اللامعقول السياسي المصري، حيث يجرؤ احد محتكري للحديد ويتطلع لتقلد وزارة سيادية، تتبع رئيس الدولة مباشرة، ويري البعض أن هذا التطلع من علامات القيامة السياسية، وحتي لو ادعي أنه حصل، كما صرحت بعض المصادر، علي وعد من جمال مبارك بشغله، باعتباره الأكثر التزاما بشعار بالجزمة ، فمن المتوقع إذا ما بقيت لحسني مبارك صلاحيات فسوف يستخدمها للحيلولة دون ذلك، ومن ينتظر رجبا فقد يري عجبا!!

 

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية