مصرنا


مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الامريكية عن المركز الامريكى للنشر الالكترونى .. والاراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها
رئيس التحرير : غريب المنسى
............................................................................................................................................................

 
 

 مصر: ما وراء رد الاعتبار لـ الحرس القديم في الحزب الحاكم
...............................................................

 بقلم: محمد عبد الحكم دياب
....................................

رغم الضجة الإعلامية الرسمية التي صاحبت عقد المؤتمر التاسع للحزب الوطني، وعلي الرغم من عزوف الغالبية عن المتابعة، إلا أن ذلك كشف بعدا جديدا في العلاقة بين الحكومة والمواطن، هذا البعد هو القصور السياسي وفقدان الحس الاجتماعي لدي قادة الحزب والحكومة، مقابل وعي اجتماعي واضح علي مستوي الشارع. ووصوله إلي قاع المجتمع، وإلي أكثر الشرائح تهميشا فيه، ونعني بالوعي الاجتماعي الدرجة التي وصل إليها الوعي العام بأهمية الدفاع عن المصالح والحقوق، وانتزاعها ممن صادروها واستولوا عليها لحسابهم، وما كاد المؤتمر يلفظ أنفاسه حتي فوجئ المصريون بأكثر الفئات الاجتماعية فقرا وحرمانا.
تخرج إلي الشارع. تعلن مطالبها وتدافع عن مصالحها، والرأي العام وهو يتابع فئات أخري تتحرك سعيا وراء تحسين أوضاعها الوظيفية والمعيشية، وتتمتع بقدرة علي التنظيم ومخاطبة الرأي العام، فاجأته اعتصامات أصحاب وسائقي العربات الكارو ، المعروفين بـ العربجية ، بمدينة القاهرة، والعربات الكارو هي وسائل نقل وحمل بطيء، تجرها الدواب (حمير وبغال وخيول، وقد تجرها الثيران في خارج المدن والعواصم)، ومن يملكونها ويعملون عليها هم الأكثر تهميشا وفقرا وأمية. وكان اعتصامهم احتجاجا علي قرار محافظ القاهرة بمنعهم من العمل داخل العاصمة.
والوعي الاجتماعي وهو يصل إلي هذا المستوي الخاص، بدا أكثر تقدما من الوعي السياسي علي المستوي العام، وهذا ملفت للنظر، خاصة في ظروف الحراك السياسي المتصاعد. بشكل يبعث علي التعرف علي الأسباب. وسوف نجد من بينها أن إحساس المنتمي لفئة أو طائفة مهنية أو وظيفية بالقوة يكون أكبر من نظيره المنتمي سياسيا. لأن انتماءه يرتكز علي مصالح واضحة ومحددة. تعود عليه بالنفع المباشر وتؤثر علي حياته المعيشية واليومية، وتناقضاته أقل، للتطابق والتماثل في المصالح والمطالب، وهذا هو أساس اختلاف الاجتماعي عن السياسي. والعمل السياسي له ظروفه الخاصة، في مجتمع يعاني من الاستبداد والفردية والشخصنة، وتتحكم فيه منظومة كاملة للفساد والإفساد، ويختفي فيه التوجه نحو تحقيق العدل الاجتماعي والمساواة الإنسانية، فالاحساس بقيمة السياسة في مجتمع كهذا ليس علي نفس الدرجة بالنسبة للمصالح والمطالب الاجتماعية. ففضلا عن أنها لا تغري الكثيرين لكثرة مشاكلها ومصائبها، وسائلها وأدواتها، إما غائبة أو ضعيفة أو شكلية، وإذا كانت الأحزاب أهم هذه الوسائل والأدوات، فهي في مصر تبدو متنازلة عن دورها ومتماهية مع الحكم، بكل ما فيه من عجز وانحراف، وهذا بالطبع لا يخلو من استثناء. والثمن الواجب الدفع لتنشيط هذه الوسائل والأدوات غالبا ما يكون باهظا، لسطوة الاقتصاد والمال والبلطجة علي السياسة. ولأن هدف العمل السياسي هو التعامل مع سلطة الدولة، تجده محكوما بالمواقف المتناقضة والمتعارضة، للموالاة والمعارضة. وأمره شاق وصعب، لأن العلاقة بين المواطن وسلطة الدولة تقوم علي التزام وإذعان من جانب المؤيدين، أو نفور ورفض المعارضين. وعقدة العقد في مصر هي المستوي المتردي في وعي الحزب الحاكم.. لا يتمتع بحس اجتماعي يذكر، ولا يملك وعي سياسي كاف. ومعني هذا أن مأزقه شديد التعقيد.
والجماعات السياسية الجديدة، وهي تتمتع بوعي سياسي واضح، تجدها محصورة ومحاصرة، ومع ذلك فإن دورها في انتزاع حق الإضراب والاعتصام شجع غيرها علي المطالبة بحقوقها الاجتماعية والإنسانية. فانتشر الوعي الاجتماعي علي نطاق أوسع وأشمل. أما ضعف الوعي السياسي وافتقاد الحس الاجتماعي عند الحزب الحاكم، حوله إلي جماعة مصالح، لأصحاب محلات وورش من ناحية، وحملة أسهم ووكلاء شركات أجنبية من ناحية أخري، وجدوا مصلحتهم في الاستيلاء علي سلطة الدولة واستخدامها في تحقيق أقصي فائدة، بغض النظر عن أي اعتبار آخر. وجماعة المصالح هذه هي التي أدارت المؤتمر بمنطق التجار والسماسرة، وجعلته مؤتمرا للتجارة والشطارة.. يري الأزمات، ولم يسع إلي حل أي منها، وتحدث أقطابه عن البدايات، وكأنهم وصلوا لتوهم إلي الحكم، وغطوا حريق الأسعار ويأس المواطن بترديد كلام مرسل عن تحرير الاقتصاد وقوانين العرض والطلب، ونسبوا غياب الاقتصاد الرشيد إلي الزيادة السكانية، واتهموها بأنها تلتهم عوائد الإصلاح والتنمية!!
كلها مبررات لم تقنع أحدا، فهم ليسوا في البدايات إنما في نهايات حقبة، لا تريد أن تغادر بسلام. والاقتصاد الحر ليس شرطا فيه أن يبني علي الإفقار المنظم للناس، وقوانين العرض والطلب لا تعني التسيب والنهب، ولا تبرر السعار الذي أصاب رجال السياسة والمال والأعمال، ولوم الزيادة السكانية، يتعري أمام نماذج الصين والهند، وبلدان أخري، أكبر وأصغر من مصر، كلها حققت التقدم والنمو، ومنهم ما وظف الزيادة السكانية توظيفا إيجابيا، وحولها إلي ميزة بعد أن كانت عيبا، ورفعت بذلك معدل الإنتاجية، ومستوي المهارة، ودرجة الكفاءة، ومعايير الأداء المهني والفني.
لم ير الحزب الحاكم في الجرائم التي يرتكبها عيبا ولا نقيصة. ومن أخطر الجرائم، التي اكتشفتها، في زيارتي الحالية للقاهرة، ودفعتني لمتابعة المؤتمر لعلي أجد تفسيرا، هي جريمة نظام السخرة، الذي عاد، وتقوم الحكومة بتعميمه، برعاية جمال مبارك وجماعته. ومعروف أن مصر تجاوزت السخرة، رسميا وواقعيا، منذ نهاية الحرب العالمية الأولي. أي منذ ما يقرب من تسعين عاما، وإذا ما استغرب البعض هذا الوصف، فعليه أن يتابع نظام التعيين والعمل الجديد في الحكومة والقطاع الخاص، وكلاهما يترجم فلسفة جمال مبارك، التي تتعامل مع مصر كشركة خاصة مغلقة، بشكل اقتضي العمل علي تصفية جهاز الدولة، وإزاحته من طريق منظومة الاستبداد والفساد والتبعية، المتحكمة في البلاد والعباد، فبجانب رصد الأموال والميزانيات وكل سبل الدعم لرجال الأعمال، يضع وزير التنمية الإدارية أغرب القواعد المنظمة للعمل الحكومي بعقود مؤقتة، يتقاضي الموظف بموجبها ستين جنيها شهريا، دون أي حقوق، وهذا المبلغ يساوي أقل من واحد إلي خمسمئة، من مرتب هذا الوزير. وإذا حسبناه بالدولار، فهو يقدر بحوالي أحد عشر دولارا في الشهر، والتعمد واضح في فرض هذا النظام، وجمال مبارك يعلم أن المعايير الدولية للفقر تضع الحد الأدني لعدم السقوط تحت خطه بدولارين في اليوم للفرد، والسخرة هي العمل بلا مقابل، وفق هذا التعاقد. وهل أقل من أربعين سنتا في اليوم يعتبر مقابلا أو أجرا؟!. إنه نظام يمثل أكبر الفضائح في تاريخ الحكم.
ويمارس القطاع الخاص السخرة بطريقة مغايرة، فمقابل المرتب، المرتفع نسبيا، يشترط علي من يقبل العمل توقيع خطاب استقالته مع توقيع عقد العمل. وعلي أساس ذلك تتم عملية الطرد من العمل، في أي وقت. وكثيرون ممن يقبلون بالسخرة الحكومية يذهبون إلي عملهم بنية الانحراف، ففور وصولهم إلي مواقع عملهم يتوزعون، ضمن فرق لجمع الرشوة، أو الاتاوات، أو التسول من المحلات والمنشآت الصغيرة، ويعودون بحصيلة اليوم يقتسمونها فيما بينهم. وأصبحت الوظيفة العامة، بهذا الشكل، من أهم مصادر إفساد جهاز الدولة وتحلله. وهدف جمال مبارك ورجاله من تقنين السخرة هو إعطاء الانطباع بقلة أعداد العاطلين عن العمل، والتحايل علي أزمة البطالة المستفحلة، وقد قدرها أحد خبراء الاقتصاد، بأنها تجاوزت ثلث قوة العمل المصرية، ونشر الأعمال المؤقتة والسخرة، والعمل بالساعة أو باليوم، زاد من حدتها، وفاقم من مأزقها. علي الرغم من أن وزير التنمية البشرية يعتبر من يعمل لساعتين أو ليوم في الأسبوع غير عاطل!! حسب ما ذكر ذلك الخبير علي احدي الفضائيات المصرية الخاصة. من الطبيعي إذن أن يضطر الشباب المصري إلي الهجرة، غير المشـروعة، بمخاطرها البالغة، بعد تعاون دول حوض المتوسط علي منعها بكل الطرق، بما فيها إغراق المهاجرين وتحويلهم إلي وجبات بشرية لأسماك المتوسط، ومثل هذا الحزب لا يحرك ساكنا لمآسي الأهل ولا لأحزانهم. ولا اهتزت له شعرة وهو يُبَلّغ بأن من ينجو من الموت ينكر جنسيته المصرية، رغبة منه في عدم العودة لجحيم البطالة.
والحزب الذي بدأ انعقاده بنكتة انتخاب رئيسه بالإجماع، تبعها بنكتة أخري وردت علي لسان الرئيس المنتخب تقول بـ توفير الحماية الاجتماعية للفقراء . وهذا الكلام يتردد وبرنامج حسني مبارك يقوم علي ذبح الفقراء ومحدوي الدخل، بلا شفقة ولا رحمة. ولهذا اختير لتنفيذه وزراء علي شاكلة وزير التنمية الإدارية. لا يشعر من يستمع إليه بأنه يمت لمصر أو لشعبها أو للإنسانية بصلة، وإذا كان هذا هو دوره، فإنه متوائم مع توجهات أمانة السياسات، التي ترجمها رئيس لجنة الصناعة بمجلس الشعب، محمد أبو العينين، في موقفه من الفلاحين وصغار الملاك الزراعيين، المقيمين في جزيرة القرصاية، القريبة من القاهرة، وصف الفلاحين وأهالي الجزيرة بأنهم مغتصبون، بسبب دفاعهم عن أراضيهم، التي سعي رجال أعمال حكوميون، للاستيلاء عليها، بعد أن راقت في أعينهم، لموقعها المتميز وقربه من العاصمة، وسط النهر الخالد. وهكذا دارت دورة الزمن، لتحول صاحب الأرض إلي مغتصب، والمغتصب إلي مالك.
لم يناقش مؤتمر الحزب الحاكم قضية السخرة، ولا مخطط تصفية جهاز الدولة، أو غيرها من القضايا ذات العلاقة المباشرة بمصالح المواطنين، واكتفي بتسوية صراعاته الداخلية، برد الاعتبار لـ الحرس القديم وإعادة رموزه إلي مواقع نفوذهم السابقة. ويبدو أن ما تم علي هذا الصعيد جاء نتيجة تدخل حسني مبارك لمصالحة الخصوم، وفرض هدنة أوقفت، ولو مؤقتا، الحرب الأهلية التي دارت بين الإخوة الأعداء، وهناك من يري أن رد الاعتبار تم مقابل قبول التوريث، ومع ذلك نجد أن نجاح مثل هذه المقايضة يتوقف علي بقاء حسني مبارك قادرا علي السيطرة، وهو ما نشك فيه. وعلي استمرار قناعة الحرس القديم بفعالية الحماية التي ما زال مبارك الأب يوفرها له. والخلاصة أن مبارك الابن خرج فائزا وحيدا من المؤتمر. حقق طلبه بإقرار ترتيبات وراثة الحكم، بتشكيل اللجنة العليا المعنية بذلك، مع سحب هذا الاختصاص من غيرها من الأشكال الدستورية، وبدا هذا المكسب علي حساب أحمد عز، خاصة أن أمانة تنظيم الحزب، التي يتولي مسؤوليتها، أضحت تحت الإشراف المباشر لعدوه اللدود، زكريا عزمي، ونعتقد أن هذا الفوز لا يمكن أن يكون إلا مؤقتا، حيث تبدو الأيام حبلي بالمفاجآت.

 

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية