مصرنا


مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الامريكية عن المركز الامريكى للنشر الالكترونى .. والاراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها
رئيس التحرير : غريب المنسى
............................................................................................................................................................

 
 

 أثر المال في توظيف الفن
...............................................................
بقلم : محمد عبد الحكم دياب
............................


اتجهت النية للكتابة عن الليبراليين الجدد في مصر، وجهدهم المضني في تعليب الأفكار، وتصنيع الرأي العام، وشرعنة التزوير، وذلك بمناسبة قرب انعقاد مؤتمر الحزب الوطني الحاكم. إلا أن بعض مسلسلات تلفزيون الرمضانية فرضت نفسها، وأثارت جدلا واسعا، ونقلت المتابعة من دائرة الفن إلي ميدان التاريخ والسياسة.
وبدت من خلالها المعالجات للحقب والعصور أكثر تعقيدا، حيث اختلط الذاتي بالموضوعي، والعام بالخاص. ومهما كانت درجة الاتقان والحبكة، فإن العمل الفني يبقي محصورا في رؤية شخص صانعه وهواه، أما التناول التاريخي فتختلف مناهجه وأدواته. وضمن هذا الفهم نتناول مسلسل الملك فاروق.. ليس تناول الناقد أو المحلل الفني، فلذلك رجاله وفرسانه.. كشف المسلسل عن مستوي هبوط الوعي التاريخي، وأظهر أن الإهمال المتعمد للتاريخ قد أثمر وأفرخ، بعد مرحلة طويلة من التجهيل وطمس الذاكرة الوطنية، وتشهد علي ذلك مناهج دراسية وأكاديمية، تقوم علي النفي الكامل للأحداث والوقائع، إذا ما كانت علي غير هوي أصحاب القرار. ولهذا تغلبت صورة الملك التلفزيوني علي حقيقة فاروق التاريخي.
الدراما التاريخية، وهي عمل مطلوب. ليست إلا وجهة نظر أصحابها، وفي عصر سطوة المال ونفوذ رجاله. اخترقت المعايير التجارية كافة المجالات، من السياسة والثقافة إلي التعليم والإعلام، خاصة التلفزيون. وإذا كان التاريخ تسجيلا وتوثيقا، فالدراما خيال وإبداع.. حتي لو توفرت لها كل الوثائق وجميع السجلات. والمشاهدة تضيق بالتوثيق وتتسع بغيره. فيه حجة ومنطق، وفي الفن استمتاع وتسلية. والإقبال يزيد علي مصادر المتعة ويقل أمام صرامة الوثيقة وقوة الحجة. والإقبال مطلوب لرواج التجارة وزيادة المال. وكثيرا ما تقتل المصالح التجارية التاريخ وتزيفه، وفي عصر التجارة والشطارة يصبح الربح المعيار الوحيد للنجاح.. وتحت لوائه تتساوي الدراما والبطاطا وأدوات التجميل. وحين تتفوق الدراما التاريخية السورية علي مثيلتها المصرية، فإن ذلك يعود إلي أن دور الدولة، الذي ما زال أكبر من القطاع الخاص. فقل تأثير التجارة، وارتفع معدل الصدق. وكثير منا يعرف بوجود مصالح مالية بعينها تبعث علي التوجس، ولا نريد تجاوز حدود الوطن العربي، وفيه مصالح من هذا النوع. في طليعتها المصالح السعودية. فالمال السعودي أقله برئ وأكثره مجَرَّم. لعب دورا مبكرا في تخريب العقل العربي والإسلامي، حتي أضحي قابلا بالتعصب، ومحرضا علي الفتنة، وراعيا للإنعزال، ومفلسفا للتفتيت، ومناصرا للتبعية. وتفتح وعي جيلنا علي صدمة كبري. تمثلت في جريمة فصم عري دولة الوحدة المصرية السورية. كان المال السعودي ظاهرا في كل جنبات مسرح الجريمة، عن طريق الشركة الخماسية. ومنذ ذلك الوقت، وهذا الدور متتابع ومستمر ومتنام. وحين يدخل هذا المال لينصف شخصية تاريخية مصرية بعينها، يحضر التوجس، لما في ذلك من انتقاء وتحيز، فمن ينصف فاروق لماذا يظلم غيره؟!.
التمويل السعودي، لمسلسل الملك فاروق، حدث بعد تراجع الدولة المصرية عن تمويله، ومن المرجح أن للتراجع علاقة بمأزق التوريث، المرفوض شعبيا، وهناك من رأي أن التمويل المصري قد يزيد من اشتعال نيران الرفض. وإذا ما أوكلت المهمة لطرف ثالث فقد لا يكون در الفعل بنفس الخطورة. المال السعودي نفوذه كاسح، في مصر، علي قطاعات فاعلة ومؤثرة، في الرأي العام، ومن بينها أجهزة الإعلام والمؤسسات الدينية، لعل أهمها مركز الشيخ صالح كامل.
وعلينا أن نعترف أن مصر تعيش نكسة كبري، تستوجب إنقاذ ما تبقي، وكسر معاول الهدم. وإذا كانت قد أخذت بالنظام الجمهوري، وهي تطور نظامها السياسي، جاءت ظروف أخرجت هذا التطور عن سياقه. وبدأ التداعي بعد حرب تشرين الاول (اكتوبر) 1973. وكانت اللحظة التاريخية التي تحولت فيها مصر إلي النظام الجمهوري، هي نفسها لحظة مقاومة الاحتلال، وإعادة توزيع الثروة، بشكل أكثر توازنا وعدلا، والاستعداد لمواجهة التخلف، وبدأ بناء أكبر قاعدة صناعية، في الوطن العربي والقارة الإفريقية. أي أنها كانت عملا من أعمال الثورة، المستهدفة، لعدة عقود، بالتصفية. وجاء السادات ليقطع سياق التطور، ومن بعده أنجز حسني مبارك المهمة الكاملة.
وحين يوحي المسلسل بالمقارنة بين تاريخ مضي وواقع معاش، قد تكون المقارنة لصالح ذلك الماضي، إلا أن المقارنة الأقرب إلي الصحة والمنطق والموضوعية، هي تلك التي تقوم بين شيئين أو مجالين من نفس الجنس. فيقارن نظام ملكي بنظم ملكية مشابهة، وهكذا النظم القبلية والعشائرية والطائفية. فالنظام الملكي الأبدي. الساكن. الذي لا يتغير إلا مضطرا. والتداول فيه بين أبناء السلالة الواحدة فقط. نظام يقوم علي التمييز بين الناس، علي أساس العصبية والثروة والجاه، وتتراجع فيه القيمة الإنسانية للبشر. وجاء النظام الجمهوري يرسي قيم الحرية والإخاء والمساواة، ومثل نقلة نوعية في سياق التطور السياسي. وحتي لو كان الأساس الذي قامت عليه الحرية، في ذلك الوقت من القرن الثامن عشر الميلادي، أساسا اقتصاديا. ارتباطه بحرية التجارة وتبادل السلع، إلا أن ذلك فتح الباب أمام الديمقراطية، فدخلت مرحلة متقدمة. واتخذ الإخاء معني التضامن والترابط الوطني، والمساواة أقيمت علي أساس القانون، الحاكم والضابط لعلاقات المواطنين، ببعضهم، وبسلطات الحكم ومؤسساته، وهذه التحول أثر علي نظم ملكية وراثية، في العالم الأول. خضعت واستجابت وانصاعت لمتطلباته، فحافظت بذلك علي كثير من امتيازاتها، التي استمرت، بالقبول العام، مقابل الخضوع للقانون، المعبر عن إرادة الأمة. وظهرت، تبعا لذلك، قاعدة الملك يملك ولا يحكم في النظم الملكية الغربية، ومقارنة فاروق ملكا تستقيم مع نظرائه في ممالك العالم الأول التي استجابت للتطور.
فاروق كان ملكا لبلد محتل، وأحد أعمامه هو الذي سلمه للاحتلال. وإذا ما قورن بملك بريطانيا، مثلا، نجد الفجوة واسعة. فجورج الخامس كان ملكا لبريطانيا. الدولة العظمي، المحتلة لبلاد أخري، منها مصر. وشتان بين ملك وآخر. أحدهما قوي، يشغل مكانة الإمبراطور، والثاني ضعيف، استسلم للاحتلال. نفس القاعدة تطبق حين نقارن الجمهورية بمثيلتها. فمنها الرئاسي، كحال الولايات المتحدة، والبرلماني مثل وضع ألمانيا، وما يجمع بين الإثنين، علي غرار النموذج الفرنسي، وهنا يمكننا ان نقول صحيح ان مصر أقامت النموذج الرئاسي، في وسط ثوري متفجر وفوران شعبي عارم. لكنه تأسس وترعرع تحت رعاية واحتضان سلطة تنفيذية. أقامها الاحتلال. ولم يجد الرعاية من الشعب، بالصورة المأمولة. وإن كان قد نال تأييده. ويطول شرح الظروف والأسباب التي أحاطت به. ومرت الجمهورية في نشأتها، بمرحلة أقرب إلي التجريب.. بدأت برئيس ضعيف، وتلاه آخر شديد الحضور والتأثير. حمل تفويضا من الغالبية الكاسحة، بلا تحفظ. ومر هذا النظام بمراجعة، بعد إنفصال مصر عن سورية، استبدلت رئاسة الفرد بمجلس رئاسي مكون من 25 عضوا، لم يعمر طويلا بسبب ضغط القيادة العسكرية النافذة، في ذلك الزمان. وبعد النكسة حدثت مراجعة أخري، أدخلت الجمهورية مرحلة الاعتماد علي الانتخابات المباشرة، من القاعدة إلي القمة، بدأت بالتنظيم السياسي، وكان مخططا لها أن تمتد إلي المجالس الشعبية والمحليات، وتجمد التطور بسبب رحيل عبد الناصر. وبالمناسبة لم يدع الرجل غير ذلك، واعترف باعتماده التجرية والخطأ حتي 1962، أي لمدة عشر سنوات من عمر نظامه.
بدأت خطوات التراجع، لا المراجعة، والتصفيته مبكرا. وقت أن ادعي السادات أن مهمته نقل النظام السياسي، من الشرعية الثورية إلي الشرعية الدستورية. وفعل غير ذلك تماما، مع أن مصر كانت مهيأة لذلك بعد 1967. وحرص، وهو يضع الدستور الدائم سنة 1971، علي منح نفسه صلاحيات مطلقة. جعلته أقرب لحكم فرانكو الأسباني، و لم يكن نظام فرانكو، من ناحية التصنيف، يمت لجنس الجمهوريات بصلة. وجاء حسني مبارك، ليجهز علي الجمهورية تماما. بدمج الدولة في شخصه، ووضع التطوير في خانة المحرمات. وحين نجح في خلط العام بالخاص، عقد زواجا غير شرعي بين المال والحكم، وأدار الدولة كما تدار محلات البقالة، وورش السمكرة، ومكاتب السمسرة. لا معقب لرأيه، والمشاركة الوحيدة التي قبل بها، هي مشاركة عائلته. منحها صلاحياته المطلقة، ولبي تطلعاتها بعدم تعيين نائب له، حسب النص الدستوري، وتحول نظام السادات المركزي علي يدي حسني مبارك إلي نظام بوليسي، وانتهي نظاما عائليا، يحوز علي كراهية واسعة من الناس.
سارت الجمهورية من السيء إلي الأكثر سوءا، واتضحت انتكاستها النهائية مع ظهور التوريث. ومع تقدم خطواته ازداد الموقف تعقيدا، وذلك وضع الوارث والمورِّث هدفا مباشرا لأي تحرك يمنع هذا الخطر. وتأتي الدراما لتزكيته، باستدعاء صفحة من صفحات التاريخ المصري، غير البعيد، ضمن مناخ فاسد، سمحت به قيم تقليدية ومحافظة، تعادي التغيير والتطوير. تساند نخب رسمية، لا يعنيها البحث عن حل حقيقي. وهذا وضع مثالي للمال السعودي، ليقوم بدوره المعتاد، بالغواية، والتزييف، والإفساد، منتهزا الفرصة لتجميل وجه حقبة، وهو علي وعي كامل بأنه يستدعي عصرا للاحتلال والجهل والفقر والمرض. ويعيد ذكري ليبرالية عرجاء. لم تسمح لحزب الوفد، بشعبيته الكبيرة، أن يحكم إلا أكثر قليلا من ستة أعوام، علي مدي ثلاثة عقود، والمال السعودي وهو يعيد الاعتبار لليبرالية ما قبل الثورة!. يقتدي بالنفوذ الأمريكي وهو يقيم ليبراليته في العراق، وسط أنهار من الدم، وعلي جماجم وأشلاء العراقيين. إنها هدية المال السعودي الكبري لـ عائلة مبارك ، ولن تأخذنا الدهشة إذا ما وجدنا هذا المال، يعيد الاعتبار إلي الخديوي توفيق. تقديرا لدوره في طلب القوات البريطانية، لضرب الجيش وغزو مصر. تخلصا من أحمد عرابي ورفاقه.
 

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية